حياتنا ومتوازنة الألم واللذة
نحاول دائمًا الهروب من الألم، ولكننا ننسى أن الألم واللذة هما جزء أساسي من حياتنا، نعيش بهما الواقع اليومي في هذه الدنيا.
add تابِعني remove_red_eye 576
أحيانًا علينا أن نشكر الآلام التي واجهناها في حياتنا، والتي لولاها ما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه الآن من النضج، لكننا للأسف نهرب من الآلام ونتجاهلها ونُصر على البحث عن السعادة المطلقة في عالمٍ قائم على متوازنة الألم واللذة. فلا نور بلا ظلمات، ولا موت بلا حياة، ولا ألم بلا لذة ولا لذة بلا ألم. قال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام :1].
ولكن كيف يكون الألم سببًا في تحصيل اللذة؟
في هذه الدنيا -وهي دار اختبار لا دار قرار- خلق الله سُنّة الحياة أن تكون قائمة على المتضادات، فلن تصل إلى لذة الرضا إلا عبر المرور بآلام كثيرة، ولكنك تدركها وترضى بها لحُبك لله -عز وجل- وإدراكك لفناء هذه الدنيا ومرورها السريع على حياتنا، وأنت لا تنجح إلا عندما تدرس وهذا لا بدّ له من مشقة، وأنا لا أسعد بقراءتكم لمقالي هذا إلا عندما أتعب قليلًا في إعداده وكتابته.
ماذا عن الأحلام الوهمية بجنةٍ على الأرض؟
لا مكان للجنة هنا، فهذه دُنيا، ولا بد لنا من استحضار الفارق الواضح بينهما، ولكن هل انقطعت الآمال بسعادةٍ قادمة؟ قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] إذن فالسعادة موجودة ولكنها ليست دائمة، وكذلك الألم، ومزيجهما معًا يكونان حياتنا في هذا العالم، فلا بدّ لنا أن نتقبل كون الألم مُكوّنًا رئيسيًا في نفوسنا وحيواتنا، وإلا فرحلة البحث عن السعادة الوهمية الأبدية في هذا العالم ستتسبب لنا في آلامٍ نفسية أكبر بكثير مما نتخيل.
ما السعادة الحقيقية؟
نحن نظن السعادة في المال، أو الجاه، أو السعي المستمر نحو أفضل لا ينتهي، لكننا للأسف سندرك بعد تحصيل كل هذه الشهوات أن التعوّد قاتلٌ صامت يُفقد الأشياء كلها لذتها، وتبقى السعادة الحقيقية هي الطمأنينة والرضا بما قسمه الله لك. عَنِ الْحَسَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ يَأْخُذُ مِنْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ ، فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا، ثُمَّ قَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلاَ تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
هل الهرب من الألم هو أمرٌ صحي؟
أن تهرب من الألم هو أن تحاول خلق عالم مثالي خيالي لك وحدك ومحاولة الانغلاق في حالة الخمول والكسل، ولكن للأسف لا وجود للمثالية هنا، حتى في هذه العزلة ستجد الآلام النفسية تترصد طريقها إليك، وهذا الهروب يتمثل أيضًا في محاولة الإنسان إلهاء نفسه من خلال اللجوء إلى عالم الملهيات النفسية، مثل: وسائل التواصل الاجتماعي، الأفلام، المسلسلات، والأسواق والتجمعات.
لكننا دائمًا نخاف البقاء وحدنا ومواجهة الصمت المخيف الذي يُذكرنا بمشاكلنا النفسية والآلام التي حاولنا الهروب منها عدة مرات ولم نُفلح، الواقع يقول لك: إنه ليس بالضرورة أن يكون كل شيء على ما يرام، لا يُفترض أن يكون كل شيء مثاليًّا هنا، وحينما تتقبل هذه الحقيقة ستشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي. ولكن هذا ليس معناه بالطبع أن نترك الحبل على الغارب ولا نحاول تغيير السيئ، ولكن التوازن بين الرضا والطموح هو الحل، وقد كتبت في هذا مقالًا يمكنك أن تتصفحه من هنا: أحلامنا بين الرضا بالواقع والطموح الواهم
إذن ما الحل؟ هل نكتئب؟
لا، كما أقول دائمًا لا إفراط ولا تفريط، يجب أن ندرك الواقع كما هو، بآلامه ولذاته، فنفرح بقدر عندما تأتي لحظة سعادة، ونحزن بقدر عندما تأتي لحظة حُزن، كما قال تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد] والرضا بما كتبه الله لنا هو الخير المطلق والمُورث للسعادة.
أهمية الألم في تكوين شخصية الإنسان
لم أدرك أهمية الألم في تكوين شخصيتي إلا عندما أدركت الفرق بين الإنسان المصاب بالهشاشة النفسية الناتجة عن الدلال المُفرط (اللذة المُفرطة)، في مقابل الإنسان المصاب بالاكتئاب والقلق والوسواس القهري الناتج عن الألم المفرط. فأدركت وقتها أن التوازن هو الحل، وأن التربية المتوازنة خطوة مهمة للوالدين في تكوين نفسية ولدهما والتي ستستمر معه طوال العمر، فالحل هو الرفق مع بعض الألم الذي لا يصل للإيذاء الجسدي، ولكنه يعلم الإنسان الجلَد والصبر والتحمل ويساعده على تخطي عقباته في الحياة بمناعة نفسية أقوى فلا ينهار أمام أول عائق يقف في طريقه بل ينهض بنفسية وعزيمة أقوى.
لذلك أيتها الأم، وأيها الأب، كُونَا حازمَيْن في تربية أبنائكما في بعض الأمور ولكن رجاءً لا تطغوا في ذلك، فالتوازن في التربية هو قوة نفسية للأبناء في المستقبل يستعينون بها على شتى متاعب الحياة.
وفي النهاية.. علينا أن ندرك أن الواقع لن يكون سهلًا، والتحديات ليست بالضرورة لطيفة دائمًا، بل علينا أن نستعين بالله ونرضى بقضاء الله عندما جعل هذه الدنيا محلًا للابتلاء، فبدلًا من البكاء على اللبن المسكوب، فلننهض ونبذل ما نقدر عليه ونتوكل على الله حقًّا كما تتوكل الطير، لعلنا نغدو خِماصًا، ونروحُ بِطانًا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 576
الحياة متوازنة والدليل في هذا المقال
link https://ziid.net/?p=80872