تجربتي مع الحزن.. أربع وسائل لتجاوز الأحزان
العبادة هي السبب الرئيسي لوجودنا ومن أجلها خُلقنا، ولكن يجب علينا إخراجها من المفهوم الضيق المتداول لدينا، ونفهمها بشكل صحيح
add تابِعني remove_red_eye 3,704
من منا لم يمر بحزن، خطف ملامح وجهه الضحوكة وأثخن قلبه بالآلام، كيف لا؟ وهو من موجبات التمحيص وأساسيات البلاء. فجميعنا مرّ بحالات حزن متفاوتة، إما لفقد شخص عزيز ركب قطار الموت وغادرنا، أو لخسارة مشروع، أو لخيانة وليف سببت جرحًا غائرًا لا يسبر عمقه إلا من مرّ بالحالة ذاتها.
وما أن يتملكك الحزن حتى يؤثر ذلك على روتين حياتك، فتعتزل الناس، وتثقلك الأفكار المتواردة على عقلك، ناهيك على الضمير الذي يتفنن في التفكر بصوت عالٍ، تارة يضع عليك اللوم، وأخرى يلعن الحظ، وفي كثير من الأحيان يصب جام غضبه على الأقدار، ناسيًا أنها مكتوبة ومفروضة، ولا نملك تغييرها، ويجب علينا الصبر عليها انطلاقًا من الإيمان بها الذي لا يصح لنا دين بدونه.
أكتب هذه السطور من واقع تجربتي الخاصة مع الحزن، وبعد أن اعتصر الحزن قلبي، بسب رحيل والدي العزيز –رحمة الله عليه–، ولولا فضل الله الذي سخَّر لي أحد عباده لكنت في مكان آخر من هذا العالم، لربما في احدى المستشفيات النفسية. فآثرت على نفسي مشاركة الجميع هذه التجربة وما نتج عنها من تحسن وتجاوز المحنة، لعل ينقذ الله بها أحد المحتاجين التائهين، أسرى الحزن والخيبات والآلام.
هناك بعض الوسائل التي استخدمتها، وساعدتني في تجاوز محنتي، رتبتها على هيئة هرم، تعتمد كل طريقة على التي قبلها اعتماد كلي، وسأبدأ من أعلى الهرم حتى أصل إلى القاعدة الأساسية التي ينبني عليها الهرم كله.
طريقة التخلص من الحزن والأحزان
١. ملء الفراغ
لا يوجد عدو للإنسان مثل الفراغ، حيث يجد نفسه وجهًا لوجه مع همومه، وأفكار قد تكون غير صحيحة بنسبة كبيرة جدًّا، غير أن طبيعة العقل البشري ينشط في تخيل أمور لم تقع، أو تهويل أمور قد وقعت وانقضت، ويخلق حوار وهمي يستدرج النفس فيها إلى جلد الذات. فلا سبيل للتقليل من فرص التفكير الزائف والمبالغة فيه إلا عن طريق إيجاد أشياء تملأ الفراغ وتعود بالنفع على الإنسان، كمطالعة ما هو مفيد وقراءة سير العظماء، أو التطوع في أعمال خيرية. كل ذلك يخفف من وطأة الحزن، ذلك الوحش الذي يهلك الإنسان.
يقول ابن القيم: “الحزن يضعف القلب ويوهن العزم، ويضر الإرادة، ولا شيء أحب إلى الشيطان من حزن المؤمن”. كما إن النفس البشرية إذا لم تنشغل بشيء يعزز قيمتها، تظل تائهة، يملأها الشعور بالنقص، وقد تدخل في سراديب الضلال والبؤس، وهذا ما يؤكده ابن الجوزي بقوله: “النفس إذا لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية”.
٢. الرضا
الرضا في منظوري الشخصي هو شكل من أشكال التصالح مع الذات الذي يمنح النفس التوازن مما ينعكس على واقعنا، كم إنه من أعظم العبادات لما تحمل من دلالات عديدة أهمها أنه أعلى منازل التوكل على الله، كما أن مَنْ رضي أصبح أغنى الناس لقول النبي –صلى الله عليه وسلم–: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ؛ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ. وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ؛ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ» حسن – رواه الترمذي.
وهنا يجب الإشارة الى الفرق الجوهري بين الرضا والصبر. فالصبر هو حبس النفس عن التَّسخُّط، وأمَّا الرضا هو انشراح الصدر بالقضاء. وللعلماء وصف جميل للرضا حيث يقولون: “الرضا هو سرور القلب بمُرِّ القضاء، أو سكونه تحت مجاري الأحكام”. فالرضا يمنحك فرصة للتمتع بما لديك، وعدم البكاء على المفقود أو الغائب وخاصة إذ لم يكن بأيدينا أي قدرة على تغيير الواقع. هناك قول مأثور وقع على قلبي كوقع المطر على أرض جدباء وهو: “الرضا اكتفاء بالموجود مع ترك الشوق للمفقود”.
٣. ممارسة الرياضة
إن إجهاد البدن بالرياضة المنزلية على الأقل يساهم بشكل كبير في إبعاد شبح الخمول وما له من عواقب وخيمة على النفس والجسم على حد سواء. فعندما يُجهد الجسم يتلذذ بالنوم، ويستشعر الراحة، وتجدد الروح ويشعر الإنسان بالانشراح. فالرياضة لا تخفف من مخاطر الإصابة بالأمراض وحسب، بل لها فوائد جمة تعود على النفس مثل تحسين الحالة المزاجية والتقليل من شعور القلق والاكتئاب.
٤. العبادة “قاعدة الهرم”
العبادة هي السبب الرئيسي لوجودنا ومن أجلها خُلقنا، ولكن يجب علينا إخراجها من المفهوم الضيق المتداول لدينا، ونفهمها على الوجه الصحيح، وأبلغ من عرّف العبادة بمعناها الشامل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حيث قال: “العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة- لا بمعناها الضيق، أو كما يفهمه بعض الناس بقصرها على أداء بعض العبادات، كالصلوات والصيام والزكاة والحج والعمرة، ونحو ذلك من الأفعال التعبدية الظاهرة فقط”. وهذا يعني أن العبادة هي أي شيء يمكننا أن نحتسبه لله، ليعود علينا بفائدتين الأولى دنيوية والثانية وهي الأهم أخروية.
وهذا ما أوضحه ابن القيم – رحمه الله فقال: “إن عمارة الوقت تكون بالاشتغال في جميع آناء الوقت بما يقرب إلى الله، أو يعين على ذلك من مأكل، أو مشرب، أو منكح، أو منام، أو راحة، فإنه متى أخذها بنية القوة على ما يحبه الله وتجنب ما يسخطه، كانت من عمارة الوقت، وإن كان له فيها أتم لذة، فلا تحسب عمارة الوقت بهجر اللذات والطيبات”، والسر هنا أن هناك أفعالًا نقوم بها من أجل أن نبتعد عن حرمات الله. وهذا المعنى هو ما أراده أبو الدرداء –رضي الله عنه-، حينما قال: “إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق”.
الخاتمة
أنا هنا لا أدعي أنك لن تحزن مرة أخرى، بل ستشعر بموجات حزن ما تلبث أن تختفي بفضل مقاومتك لها، فالحياة ليست نزهة، إنما هي دار بلاء وتمحيص، وإيماننا بحتمية رحيلنا يخفف العناء، ويمدنا بيقين الزوال وعدم دوام الحال، فلما نكترث إذا؟
يقول د. خالد المنيف: “لم نأخذ من الدنيا عهدًا على أن تصفوَ لنا، ولم يكن بيننا وبينها موثقٌ على دوام الرخاء، فالهمُّ لا زال ملازمًا للإنسان، والأزمات تتراءى لنا بين إقبال وإدبار، ويبقى الأمل (بالله) شمسًا لا تغيب، ونبعًا صافيًا لا ينضُب”. يجب أن نعلم أن الحياة مستمرة لا تتوقف على حزنك أو انزوائك خلف همومك، بل نربط على جراحانا ونواصل المسير إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، والنفس إناء فلنملؤه بالخيرات.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
كيف نتجاوز الحزن و تبعاته
link https://ziid.net/?p=93689