تجربتي في أوّل وظيفة [يوم المقابلة] حين كسرت القواعد المعروفة
من الأمور التي تحدث فارقًا في حياتك هو يوم المقابلة للوظيفة الأولى،حتمًا أنت بحاجة للاستعداد لهذا اليوم،لكن ماذا لو خالفت المعتاد؟
add تابِعني remove_red_eye 10,366
في صبيحة أحد أيام يناير الشتاء للعام ٢٠٠٨ كان علي أن أضبط ربطة العنق بعناية فائفة قبل أن أنطلق في طريقي إلى “القرية الذكية” بالقاهرة، كل شيء كان يوحي بأني على وشك الوقوع في فخ الزوجية: البدلة السوداء، ربطة العنق شقيقة المشنقة، الحذاء الكلاسيكي.. كل شيء.
ولكن في آخر لحظة آثرت ألا أقع في الفخ، وخلعت عني كل تلك القيود وارتديت ملابس غير رسمية: جينز أزرق، وحذاء رياضي، وسترة جلد، حين رأتني أمي بهذا المظهر البسيط لم تكد تصدق أني متوجّه لإجراء مقابلة عمل بشركة محترمة، ولكنها ابتسمت عندما أخبرتها أن تلك الملابس مريحة أكثر وتساعدني على أن أكون هادئًا، قبّلتُ يدها وسألتها أن تدعو لي.
دار عقرب الساعات دورةً كاملة وأكثر قليلاً قبل أن أقطع كوبري المحور الرشيق الذي يربط قلب القاهرة بمدينة السادس من أكتوبر وما حولها، لأجد نفسي في النهاية أمام المبنى الزجاجي المكوّن من ثلاثة طوابق وقد كُتب على جبهته اسم الشركة باللون الأزرق المميز. وقفت لبضع ثوانٍ أمام الاسم الذي ظننته في البداية اسمًا لشركة مستلزمات طبية يوم أن رأيته لأول مرة وأنا أوزّع سيرتي الذاتية، وكان برفقتي يومها زميلَا دراسة أحدهما كان يضمر لي ما يفرّق به صداقتنا الظاهرية في ثانية.
الخطوة الأولى “الشركة”:
دلفت إلى داخل الشركة بهيئتي التي ذكرت، ولم أنسَ أن أخلع المعطف وأسحبه على كتفي الأيمن لتكتمل صورتي الرياضية، بالطبع كانت تلك الهيئة كفيلة بلفت انتباه كل موظفي الاستقبال، لم يصدقوا في البداية أني متقدم لوظيفة “ممثل خدمة العملاء” بواحدة من كبرى الشركات المتخصصة في خدمة العملاء في مصر، ولكنهم تركوني أخيرًا أعبر “الستار المنيع” للأمن الداخلي بمجرد أن أخرجت هاتفي المحمول وأظهرت لهم سجل المكالمات ورقم الشركة حين تواصلت معي بالأمس بخبر اجتيازي للاختبار الأول عبر الهاتف، وأنه عليّ أن أكمل بقية الاختبارات في المقابلة الشخصية.
التقطت موظفة الاستقبال بطاقتي الشخصية وقلّبتها بين يديها لتتأكد من مؤهلي الدراسي ثم أعطتني بطاقة حمراء اللون أعلقها على صدري وأشارت إليّ أن أجلس على مقاعد الاستقبال برفقة بقية المتقدمين مثلي للوظيفة، تقدمت نحو المقاعد الجلد وتقوقعت هناك كما طلبوا مني، كان الزي الرسمي عن يميني وعن يساري يوحي بأن هناك “زفة” وأني الوحيد “الأطرش” فيها: كنت مختلفًا عن كل الحاضرين، ولكن ثقتي لم يكن لها حدّ ذلك اليوم، فأنا على يقين أن أمي لن تتوقف كعادتها عن الدعاء لي بالنجاح والتوفيق بينما أجلس منتظرًا دوري لإجراء المقابلة الشخصية.
الخطوة الثانية “المقابلة”:
على أية حال، لم يمر الكثير من الوقت حتى قادوني كالمتهم البريء حتى تثبت إدانتي إلى غرفة التحقيقات.. أعني غرفة المقابلة، كان هناك موظف واحد فقط بديل عن “جهاز كشف الكذب”، لم يسألني عن عدد البذور التى بداخل حبة الطماطم، أو عن فزّورة النملة والحمار المملة، ولكنه كان ماهرًا في عمله لدرجة أنه نجح في تمريري بالكامل عبر فلتر ذي ثلاثة مراحل ليتأكد تمامًا أني خالٍ من أية شوائب تعكر صفو العمل: اختبارات الذكاء، مقابلة على الهاتف، والمقابلة النهائية.
كان الأدرينالين قد وصل إلى أعلى مستوى له أثناء المرحلة الثالثة والأخيرة للفلترة، وبالرغم من أني لم أكن راضيًا بنسبةٍ كبيرة عن الإجابات التي ألقمت بها فم المحاور موظف “الموارد البشرية”، وبالرغم من أني لم أكن أفضل المتقدمين لذلك اليوم، إلا أن اعتذار البعض عن ميعاد المقابلة واعتراض البعض الآخر على الأجر المتدني نوعًا ما للوظيفة وبالطبع بركة دعاء الوالدين، كل تلك الأمور جعلتني في مقدمة الناجحين.
الخطوة الثالثة “القبول”
بالفعل، اقتنصت الوظيفة التي كانت بمثابة حلم بالنسبة لشاب جامعي مضى على تخرجه عامان ونصف يتأرجح فيها بين الأعمال والمهن التي كان يتقنها الحاصلون على قدرٍ متوسط أو أقل من المتوسط من التعليم. أسرعت إلى مصلى الشركة الصغير وصلّيت به ركعتين لله قبل أن أوقّع على أول عقدٍ سنوي لي بالشركة، ولم أنسَ أن أحصل لنفسي على نسخةٍ من ذلك العقد لأُدخل السرور على أهلي، وأرفع به رأسي أمام والدي الذي أنفق على تعليمي مالاً ووقتًا وجهدًا حتى أُصبح رجلاً يُعتمد عليه في الحياة.
في النهاية: أود أن أؤكد على أن تلك كانت تجربتي الغريبة نوعًا ما من أجل الحصول على أول وظيفةٍ لي كموظف لخدمة العملاء، وأن الهدف من سرد تلك الأحداث هو أن نعلم جميعًا أن “ما شاء الله سيكون، حتى وإن كانت الظروف غير مهيئة لذلك”.
ولكن هذا لا يعني أن ندع الالتزام بالقواعد المتعارف عليها قبل الإقبال على أية مقابلة شخصية في العمل من أجل الوصول إلى المراد وإدخال السرور على قلوب من حولنا مثلما حدث معي في البداية.
تُرى هل ستستمر الفرحة والسرور في قلبي على مدار الأيام والسنوات التالية التي قضيتها بالشركة؟ هذا ما ستجيب عنه مقالتي التالية فانتظرونا.
add تابِعني remove_red_eye 10,366
مقال عن تجربة شخصية لأول يوم في وظيفة الحُلم.
link https://ziid.net/?p=23752