كيف تتخلص من السعي للكمال والمثالية؟
إن لعنة ذلك العصر وأحد أكثر أمراضه الشائعة هي محاولة أن تصير كاملًا، لكنك أبدًا لن تستطيع الوصول إلى الكمال فقط ستؤرق نفسك وتتعبها
add تابِعني remove_red_eye 61,969
لم يكن الأمر ليمر بسهولة لأعرف أنني مصابة بالكمالية أو السعي نحو الكمال، فقد أصبحت حياتي تتمحور حول التحسين الدائم، لم يكن الأمر يقتضي التحسين فحسب، بل تعدى إلى لوم الذات والشعور الدائم بالتقصير، لم يعد شيء أفعله يعجبني لقد أصبحتُ جلّادي، كنت أظن ما أنا فيه هو أمرٌ جيد وحسن: أنني ألوم نفسي لأطورها.
لكن الأمر لم يكن يمر بهذه السهولة، أصبحت أركز على الدرجة الناقصة وأتغافل عن الدرجات الكثيرة، أركز على أنني فعلت اليوم 3 أخطاء ولا أنظر لعشرات الإنجازات الصغيرة التي فعلتها في يومي.
تعدَّى الأمر لإصابتي بالقلق الدائم، إنني أفكر فيما فعلت وبما أفعل حاليًا وفيما سأفعل مستقبلًا، لم تعد دماغي تتوقف عن التفكير أبدًا، أردد دائمًا أريد أن أصبح كاملة، أريد أن أكون أفضل كاتبة، ومعلمة، وأفضل قارئة. والمصيبة تكمن في كمّ خطط الأشهر التي كنت أضعها لنفسي، فقد كنت أضع أهدافًا محددة وعالية وحينما لا أحققها أنظر لنفسي وأقول:
ألم أقل لك لن تتمكني من فعلها؟!
حينما كنت أقرر أن أذاكر كنت أضع الأوراق والأقلام وكل شيء أحتاجه جانبي، وإذا نفد قلمي الأحمر بينما أكتب أشعر أن شيئًا ما ناقصًا، لا يمكنني المذاكرة وقلمي غير موجود، أو كنت أؤجل فكرتي لقصة ما حتى أمتلك أدوات الكاتب الفعالة، على الرغم من أنني أعلم أن الكتابة لا تأتي إلا بالكتابة. لكنني دون أن أشعر كنت مصابة بالسعي نحو الكمال.
الكمال الذي قتل راقصة الباليه
حينما شاهدت فيلم “Black Swan” شعرت بأن راقصة الباليه “نينا” تشبهني جدًّا، إنها تحاول دائمًا أن تصبح كاملة، النجمة الأولى، تردد دائمًا أنها تريد أن تصبح الأفضل، إنها تحاول التحكم بحركاتها والسيطرة عليها، ولكن فجأة يصارحها المدرب بأن الكمال لا يكون هكذا، أن التحكم في الأمور والسيطرة عليها لا يجعلها كاملة، أحيانًا ترك الأمور بحرية يمكنه أن يكون كاملًا.
كانت “نينا” راقصة البالية ابنة لأم متحكمة، تحاول السيطرة عليها، وبينما كانت الابنة لا تحب تصرفات الأم، إلا أنها تشرّبت نظرة والدتها للحياة وأصبح صوتها الداخلي، ومثلما تحاول الأم التحكم بها، كانت هي تحاول التحكم بنفسها، وحينما تصل للكمال في النهاية تكون قد جرحت نفسها حد الموت.
منذ ذلك اليوم قررت أن أفهم أكثر عن السعي للكمال وما أسبابه وكيف يمكنني التغلب عليه.
نوعا الكمالية
المثالية الصحية – Adaptive/Healthy Perfectionism
وهو النوع الصحي من الكمالية.
ويتميز بوجود معايير عالية لك وللآخرين والإصرار على مواجهة المصاعب وتخطيها نحو أن تصبح الأفضل فهو يدفعك للقيام بواجباتك وتحقيق أهدافك.
المثالية غير الصحية – Maladaptive/Unhealthy Perfectionism
ويتعلق باجترار أخطاء الماضي ولوم النفس عليها والخوف من ارتكاب أخطاء جديدة، التوقعات العالية في الآخرين والاهتمام بآرائهم بشكل كبير وخاصة الآباء وأصحاب العمل، ومحاولة التحكم في الأمور.
الكمالية والوسواس القهري
تعد الكمالية غير الصحية من أعراض الوسواس القهري، كما أنها تساعد على إدامة الهواجس والمخاوف بشكل كبير وتعميق الشعور بالخوف الدائم. حينما كنت أخرج من المنزل كنت دائمًا: “أفكر هل أغلقت الموقد جيدًا”، وحينما أفكر في الأمر أكثر وأكثر كنت أتخيل أن المنزل قد احترق وأنه لا سبيل لإنقاذ أي شيء!
كانت الهواجس تطاردني، حتي أستغرق تمامًا فيها وأنفصل عن الواقع فجأة أجد أن المحاضرة قد انتهت، وأذهب للمنزل فأجد لا شيء قد حدث هي فقط هواجسي.
أسباب السعي خلف المثالية والكمال
الطفولة
في طفولتي نسيت الموقد مشتعلًا وذهبت إلى دروسي، حينما عُدت فوجئت بما حدث، جاءني اللوم من كل أفراد أسرتي ولأنني شخصية حساسة، تَرَكَّز الموقف عميقًا في وجداني، وبمرور الأيام نسيته لكنني لم أغفر لنفسي، حينما كبرت أصبحت أسمع ذلك الصوت الذي يلومنني، توقفت الأصوات الخارجية ولم يَعُدْ لدي سوى صوتي الداخلي. فقد يكون ما يدفعنا إلى ذلك الأمر هو صوت من شخص عزيز ومهم، نستمد صورتنا الذاتية منه هو من أخبرنا بالفشل، هو الذي يتهمنا به، لذلك نكبر ويكبر الصوت بداخلنا.
الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية
من الأمور التي تدفعنا بجنون نحو الكمال هي تلك الأنظمة الاقتصادية التي ترى الفرد كترس في ماكينة كبرى لا إنسان من لحمٍ ودم، إن شعورك الدائم بأنك إن لم تتحسن وتصبح الأفضل سيتم استبدالك والإتيان بشخص بديلٍ عنك يعمق لديك ذلك الشعور.
“نينيا” في الفيلم كانت خائفة دائمًا أن تأخذ دورها تلك الراقصة الأخرى لقد أصابتها الهواجس والوساوس، لأنها لم تكن مستعدة لأن يضيع منها ذلك الدور مطلقًا، أنت أيضًا ستجد نفسك تفعل ذلك بشكل أو بآخر.
كما أن وسائل التواصل الاجتماعي بما تخفيه وما تظهره عززت ذلك الأمر، أنت دائمًا محاط بالمثاليين، الذين يمارسون حياتهم ويتمتعون بجسد رياضي ويحصلون على الحب إلى آخر تلك الأشياء، لقد أصبح العالم بين يديك، إن هذا يزيد من إرهاقك وضغوطك النفسية.
الكمالية القاتلة!
إن الكمالية مرتبطة بالكثير من المتاعب مثل التوتر والقلق، والاكتئاب والأمراض (النفس جسمانية)، بل وتتسبب في الانتحار أو الموت المبكر إنها عرض لا يمكن الاستهانة به.
ما الحل؟
- أول الحلول وأنجحها دائمًا هو اللجوء لمتخصص لبحث تلك الحالة وتشخيصها بشكل جيد وواع.
- يمكنك أيضًا أن تحاول أن تفهم نفسك أنت، أنت تلتمس لها الأعذار، أن تكتب كل الأشياء الجيدة التي تفعلها في يومك كل يوم قبل النوم وقد كان هذا حلًّا مفيدًا بالنسبة لي.
- أن تحاول تغيير صورتك الذاتية أن ترى نفسك بنفسك، لا تستمد صورتك مما يقوله الآخرون، حتى ولو كان الآخرون هم أقاربنا أو أصدقاؤنا، وحدنا من نعرف تلك الأمور التي تؤلمنا ونتخطاها ونعالجها.
- الكف عن السيطرة ومحاولة العيش ببساطة، أن لا تقتل الأمور تخطيطًا وتفكيرًا، حينما كنت أقول لن أكتب تلك القصة لأن أدواتي ليست جاهزة بعد، لم أكن لأجهز أدواتي ولكن حينما كنت أشرع في التدوين مباشرة كان هذا من أنجح الأمور.
- كافئ نفسك دائمًا والتمس لها العذر.
جاء في كتاب “هكذا تكلم زرادشت”
(عليك أن تصالح نفسك في النهار عشرات المرات لأنه اذا كان في قهر النفس مرارة فإن بقاء الشقاق بينك وبينها ما يزعج رقادك).
حينما أنهيت كتاب “نعمة عدم الكمال” عرفت أن الطريق لحياة مخلصة وصادقة يأتي عن طريق ترك الكمال، والتخلي عن السيطرة والتحكم والقلق، والتخلي عن الاهتمام بما يظنه الناس، والتخلي أيضًا عن المقارنة، كما تعلمت أن الشك الذاتي يبعدنا عن اكتشاف أنفسنا ومواهبنا.
ولنتذكر دائمًا ما قاله المدرب لـ”نينا ”
(Perfection is not just about control. It is also about letting go) المثالية لا تتعلق فقط بإحكام السيطرة، ولكن أحيانًا تتعلق بترك الأمور تسير كما هي.
add تابِعني remove_red_eye 61,969
مقال ملهم يساعدك لتتوقف عن محاولة الوصول إلى الكمال
link https://ziid.net/?p=56327