كيف يتقبل الآخرون نصيحتك؟
قبل أن تقدم تنصح أو تنتقد شخصًا آخر عليك أن تنظر لنفسك بمرآة الحقيقة وأن تتذكر أنك أيضًا تمتلك عيوبًا والآخرون يمتلكون أَلْسُنًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
هل سبق أن نصحك أحدهم ثم بعد ذلك تشعر بأنك لا تريد أن يحادثك مرةً أخرى، وشعرت بالنفور منه ومما قاله لك؟
في الكثير من الأوقات نشعر بالغضب لمجرد أن ينصحنا أحد، بل إنني دائمًا أتحاشى أن أنصح أحدًا فربما يشعر بالاستعلاء من قبلي، أفضل دائمًا النأْي بنفسي بعيدًا، طالما لم يخبرني أحد بحاجته إلى رأيي، وعلى الرغم من أنني أحب أن ينصحني الأصدقاء ويشدُّون على يدي إلا أنني أشعر بالغضب أحيانًا من البعض لأن نصيحته جاءت بأسلوب غير موفق.
الكثير منا يشعرون برغبة في التحكم في الأمور ينحازون لخبراتهم وتجاربهم، ينحازون لمعتقداتهم وآرائهم، حينها تخرج النصيحة جامدة، تنضح بالفوقية، فلا تجد صداها لدى الشخص الآخر، لماذا؟ لأننا نكره من يشعرنا بأننا أقلّ، بأن عقولنا قاصرة، بأننا نفتقر للمعرفة، نحن لا نحب أن نكون ضعفاء، وكما يقال في المثل المصري ((ربنا وزّع الأرزاق، فمحدش عجبه رزقه، لكن لما وزع العقول كل واحد عجبه عقله)) لذلك إذا لم تتمكن من التحكم في نفسك، فعليك بذلك إذا أردت أن تنصح أحدًا.
ما غرضك من النصيحة؟
قبل أن تتفوه بكلمة، فكر، قبل أن تقول جملة فكر في مردودها، وقبل كل ذلك قبل أن تكون جملة نصيحتك، وتخبر أحدًا بها، فكر مع نفسك ما هو الغرض من النصيحة؟
- هل تشعر أنك أفضل ممن تنصحه؟
- أم تشعر بأنه الضعيف المفتقر لنصح السيد العظيم؟
- أم تشعر بأنك المكلف بتسوية الموازين المعوجة؟
- أم تنصح الشخص لأنك تحبه وتخشى عليه التهلكة؟
فإذا كانت نصيحتك بغرض الاستعلاء، أو أنك تريد أن تظهر كالعارف بكل الأمور، فأرجوك اجعل الكلمة تقف ولا تتفوه بها، لأن الناس على قدر عالٍ من الذكاء ويمكنهم التمييز بين من يهمه أمرهم بالفعل، وبين من لا يهمه سوى أن يظهر وكأنه هو الملاك والبقية هم رسل الجحيم، لذلك فقبل أيّ شيء اعرف غرضك بالفعل، وإن كان غرضك الاستعلاء فيجب عليك أن تراجع نفسك، فالغرور والاستعلاء لا ينجبان شخصًا سويًّا. بعد ذلك يأخذنا هذا إلى سؤال غاية في الأهمية.
ألا يعرف من تنصحه بذلك الذي تنصحه به؟
قبل أن تدلو بدلوك وتغترف من الكلم لتخبر أحدًا عما يتوجب عليه فعله تجاه هذا الأمر، فكر ألا يعرف هذا الشخص ما تريد أن تقوله له، ألم تمرّ عليه المعلومة. في عصر المعلومات، في ذلك العصر الذي لا تحتاج فيه أكثر من متصفح وكلمة بحث وعشر ثوان من أجل أن تعرف أيّ شيء، عن أيّ شيء في الدنيا، لذلك قبل أن تنصح أحدًا بأيّ أمر من الأمور، التي يتوجب عليها فِعْله، فكّر لثوان وستجد أنه يعرف هذا الأمر، أو مرّ عليه، أو على الأقل من الممكن أن يبحث، فإذا أردت أن تَنصحه حِينها فأَخْبره ليبحث أكثر، ثم نذهب لسؤال آخر.
هل يريدون نصيحتك؟
من هذا الشخص الذي تنصحه، هل هو قريبك أو صديقك، أم هو شخص تعرفه على وسائل التواصل الاجتماعي، أم شخص يخالفك في كل شيء؟ هل يريد هذا الشخص نصيحتك بالفعل، أم أنك تفرضها بالقوة عليه، لمجرد أنه يتواجد في محيطك؟ لأنه إذا لم يطلب أحد نصيحتك، ثم أنت تقدمت بها سيكون الأمر محرجًا لك، لأنك قد تجد ردّ فعل لم تكن لتحبه أو تتوقعه، لذلك يجب عليك ألا تتفضل بإعطاء النصائح إذ لم يطلبها أحدهم منك، وبالأخص إذا كان بعيدًا عن دائرتك المقربة التي قد تتحمل منك ما لا يتحمله غيرها.
وبالإشارة للدوائر، ففي بعض الأحيان يقص علينا أصدقاؤنا مشكلاتهم، لنفاجئهم نحن بالحلول أو النصائح وهذا هو أبعد ما يريدونه منا، لذلك إذا جاء لك أحد أن يحكي لك مشكلاته، فقدّم الدعم أولًا وأجّل النصيحة فربما لا يريدها.
ما أسلوبك وأنت تقدم النصيحة؟
ابتعد عن الاستعلاء، فإنه لن يخلّف سوى انطباع سيئ لدى من تنصحه، كذلك ابتعد عن إصدار الأحكام، لا تكن مثل المعلم في الفصل الذي يلقي الأوامر على الطلاب الفزعين الذين لا يعرفون ما الذي يتوجب عليهم فعله، ولا الرئيس الذي يلقي للآخرين الأوامر فيتجهون لتنفيذها، بل يجب عليك أن ترفق بالمنصوح، وأن تتكلم بأدب وهدوء إذا كنت مخاطبًا، أما إذا كنت تنصح من خلف شاشة، فيجب عليك أن تنأى بنفسك بعيدًا عن الاستعلاء وإصدار الأحكام.
ماذا سيحدث إن لم تقدم النصيحة؟
هل ستنهدم الدنيا فوق رأسك، أم أن موازين الكون ستختل، ما الذي سيحدث إن لم تخبر أحد بنصيحتك الفذّة، لن يحدث أي شيء، على العكس إن لم تخبر أحد عن نصائحك، فربما تتجنب أمرًا محرجًا، أو كلمات تغضبك، يقولها أحد لك.
لا تنصح أحد أمام أحد آخر
على الرغم مما قلته سابقًا، إنني أحب النصائح، لكن صودف مرة أن نصحتني صديقتي في الملأ، على شبكة فيسبوك، حينها شعرت بالغضب وأخبرتها أنني حزينة، وربما حتى الآن أتذكر تلك الحادثة، قالوا قديمًا ((النصيحة على ملأ فضيحة)) لذلك إذا أردت أن تنصح أحدًا، مهما كانت النصيحة فيجب عليك أن تختار وقتًا للانفراد به، أو على الأقل استخدم الرسائل الخاصة.
قد توضع في سلة المحذوفات فلا تبتئس
ضع في حسبانك أن نصيحتك قد توضع في سلة المحذوفات، فلا يعمل بها أحد، ولا تتجاوز سوى المرور من الأذن، فلا تحزن ولا تغضب، حتى لو أنك لم تتطوع بالنصيحة بل طلبها أحدهم منك، إنها مشورة، له أن يعمل بها، وله أن يستغني عنها، ولا يهتم بها حقًّا، فنصائحك هي بنت تجربتك أنت ومعتقداتك وأفكارك، فلا تناسب الجميع مثلما تناسبك.
لا تعطني سمكة علمني كيفية الصيد
هناك بعض النصائح المعلبة والجاهزة وهي بالمناسبة لا تفيد، لذلك إذا أراد أحد منك أن تنصحه فيجب عليك، أن تجتهد في النصيحة، وكذلك لو نصحت أحدًا من دائرتك المقربة، أن تقول له كيف يفعل ما يتوجب عليه فعله، فإذا رأيت أحدًا يهمك يتخبط في أمر معين، أرشده للطريق، دُلَّه كيف يفعل ما يسأل عنه، كيف يبحث عما يريد البحث عنه.
عندما أخبر أحدًا أنه لا يتوجب عليك أن تنصح الناس، فاحتفظ بنصيحتك لنفسك، خاصة في القضايا الدينية، أول ما يقال هو أننا ننصح من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أمر ديني، لكن الدين قد وضع قواعد للنصيحة، ومن أهمها:
- أن يكون الدافع لها محبته لأخيه المسلم.
- أن يبتغي بها وجه الله لا الاستعلاء عليه.
- أن تكون خالية من الغش والخيانة.
- أن تغلب فيها لغة المودة والرحمة لا التعنت والتشدد.
- ألا يريد بها التعيير والتبكيت.
- أن تكون في السر لا أن يفضحه على رؤوس الأشهاد.
- أن يختار الوقت المناسب للنصيحة.
فالله لم يضع لنا الشرائع من أجل أن يثقل علينا، أو يعقد حياتنا، بل وضعها من أجل التيسير علينا، وامتحاننا، فلذلك ليس من الصحيح أبدًا، أن نتخذ من شريعته ذريعة لنضايق الغير، أو نستعلي عليهم من أجل أن نشعر بأننا الأفضل.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 61,969
للنصيحة آداب يجب مراعاتها، وشروط يجب أن تتحقق فيها، فما هي تلك الشروط، وكيف يتقبل الآخرون نصيحتك.
link https://ziid.net/?p=65291