بين الضرر والمنفعة، كيف تأثرت بكتب التنمية البشرية؟
الآن أنا لا أخجل من أي شعور يراودني، أتعامل معه وأحاول تصحيحه وأسعى لخلق وسائل مساعدة ذاتية للأحاسيس التي ارغب ألا أعلق بها كثيرًا
add تابِعني remove_red_eye 4,323
كان عمري لا يتجاوز العاشرة عندما أمسكت بأول كتاب قرأته في حياتي ولم يكن من الكتب الدراسية، كنت في إجازة آخر العام للصف الثالث الابتدائي، اضطرت أمي أن تودعني مع أخي في إحدى المؤسسات الاجتماعية التي تضم أنشطة لتقضية وقت الصباح الذي تذهب فيه إلى عملها، انضممت إلى المكتبة، قرأت حينها كتبًا كثيرة ثم أصبحت القراءة جزءًا من روتيني المدرسي، أذهب في فترة الفسحة المدرسية للمكتبة.
صارت الأحوال على هذا المنوال طوال المرحلة الابتدائية، في المراحل التعليمية التالية اختلف الأمر تمامًا، هجرت القراءة ولم أطلع سوى على المناهج التعليمية ولم أقرأ خارجها سوى القرآن الكريم.
عدت للقراءة وأصبحت شغفي بعدما تخرجت من الجامعة، تحديدًا في الرابعة والعشرين. كانت اختياراتي للكتب دائمًا من زاوية واحدة-أكرهها الآن- وهي الكتب الأكثر مبيعًا، من بينها دائمًا كنت تجد عددًا لا بأس به مما يطلق عليه “كتب التنمية البشرية”. وقتها ابتعت عددًا لا بأس به من تلك الكتب.
من خبرتي الخاصة في القراءة في ذلك الفرع، يمكننا تقسيم تلك الكتب إلى نوعين:
النوع الأول
يمكن أن تتذكر بعد الانتهاء منه ما غناه محمد منير “حبة صبر حبة حماس يبقى الحلم صورة وصوت” كتب علمية تقدم لك تفسيرًا واضحًا وحقيقيًّا وعمليًّا لعملية التفكير، وتنظيمها وتساعدك على الاعتراف بأخطائك وتعلمك بأساليب واضحة وبنقاط متتالية كيفية الاعتراف بفشلك وتساعدك على تجاوزه، كما يوضح عدد لا بأس به من تلك الكتب الفروق الفردية بين تفكير الرجال والنساء وأحيانًا العادات التي امتلكها الناجحون والمتميزون ليساعدك على تنميتها.
ما يميز تلك الكتب بالنسبة لي هو أنها تعترف بالفروق الفردية وتتمتع برحابة تجعلها تؤمن بكل التجارب على تنوعها وتضادها في بعض الأحيان، والأهم أنها لا تنكر عليك أية مشاعر تصادفك في أي وقت.
النوع الثاني
يمكن أن نسميها كتب “الدنيا حلوة” كتب تمجد في كل لحظات الحياة وتنكر الاعتراف بالمشاعر السلبية كالحزن والإحباط وفقدان الشغف، تلك الكتب ترى دائمًا وبصورة مثيرة للغثيان أن عليك أن تحيا مبتسمًا دائمًا، تكرر عليك قصص نجاح منقوصة ومبتورة كنوع من التحفيز، كما نسميه نحن باللغة المصرية العامية “أغبى منك ووصلوا”.
مشكلتي الشخصية مع هذا النوع
- ينكر عليك الاعتراف بأي مشاعر سلبية -في الحقيقة ليس هناك مشاعر سلبية في ذاتها فالحزن مثلًا ضروري ويعبر عن إحساس الشخص تجاه موقف حياتي معين وتجاهل ذلك الشعور دليل حي على كون الشخص مريضًا- مما يضعك دائمًا تحت ضغط إما لاستنكارك نفسك فيما تشعر به أو محاولتك الدائمة تجاهل مشاعرك وتسميتها بغير اسمها مما يضع حالتك النفسية.
- مشكلة أخرى وهو جعل الشخص نفسه سببًا للفشل وعدم الاعتراف بالمعوقات في الطريق، هو لا يساعدك على تجاوز العقبات هو لا يعترف بها من الأساس.
هل الاعتراف بالمشاعر ومعايشتها أفضل أم نكرانها؟
طبقًا للنوع الثاني من كتب التنمية البشرية -كما ورد في السطور السابقة- فإنه يجب عليك أن ترى الإيجاب في كل موقف يمر بك دون أن تعبر عن مشاعرك كما تريد، مثلا عندما تفقد وظيفة لأنك لا تمتلك واسطة بينما يحوز عليها آخر أقل منك في الإمكانيات والمؤهلات، عليك أن تطوي الصفحة تمامًا دون أن تفكر به ودون أن تحزن.
بالطبع فالإنسان ليس آلة بضغطة زر يمكن أن تمحوها من ذاكرتها ما تريد، بل ما يحدث فإن الإنسان يخبئ ذلك الوجع في مكان ما من ذاكرته لينفجر في وقت لاحق، وقت قد لا يستدعي ذلك الانفجار من الأساس.
مشكلة أخرى في ذلك النوع، هو عدم الاعتراف بالفروق الفردية والميول الشخصية، ولأقصّ عليك تجربة شخصية، طوال عمري يرى جميع معلمي أنني تلميذة شاطرة، هذا معناه في مصر أن تلتحق إما بكلية الطب أو الهندسة أو إجمالًا ما يسمونه “كليات القمة” تبعًا لكلام التنمية البشرية فإنني يمكنني تحقيق أي شيء، لم أتمكن من الالتحاق بالكلية فترسخ داخلي إحساس عظيم بالفشل وعدم الاستحقاق استلزم سنوات للتخلص منه.
ماذا أفعل الآن “تجربتي الذاتية”؟
عشت سنوات طوالًا أحاول بشتى الطرق ألا أعترف بمشاعري، وحينما تغير الحال وفي لحظات كثيرة من عدم النضج للأسف اتخذت الجانب الآخر فأصبحت مشاعري مرئية للجميع. الآن أنا لا أخجل من أي شعور يراودني، أتعامل معه، وأحاول تصحيحه وأسعى لخلق وسائل مساعدة ذاتية للأحاسيس التي أرغب ألا أعلق بها كثيرًا. فقد بدأت كتابة تلك السطور وأنا أبكي وفي النهاية أشعر بأنني أخف.
أخيرًا، اعترفوا بمشاعركم فأنتم من بني آدم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 4,323
ككل الكتب لها وجهان، تجربتي الشخصية مع كتب التنمية الذاتية
link https://ziid.net/?p=83123