كيف أدهشنا الجاحظ بظرافة البخلاء؟
كتاب البخلاء الذي ألفه الجاحظ قبل مئات السنين لن يدهشك بطرافة قصص بخلائه وصنوف بخلهم بل بآداب الكسب والإنفاق أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 12,274
من هو الجاحظ؟ هو أبو عثمان عمرو بن بحر، له مؤلفات عدة تميزت مواضيعه بالإدهاش والغرابة، فقد تناول الحيوانات في كتابه “الحيوان” وحياة البخلاء في كتابه “البخلاء” ويغرينا هذا الكتاب بالغوص في بحره الزاخر بالطرافة والذي لا يخلو من التأديب والتهذيب، فمنذ الصفحات الأولى يدخلنا في عالمٍ مدهش، فمنذ البداية يرد على منتقديه الذين عابوا على كتابه الذي تناول حياة البخلاء بغير استحقاق، حيث الأوْلى لثقافة ذلك العصر أن يتناول سير أصحاب السلطان والأمراء والعلماء من أكابر القوم.
فإذا به يصول ويجول في عالم البخلاء ويكشف عن طرافة ذلك الجانب المهمش في المجتمع ويقول: إذا أردتَ أن ترى العيوب جمة فتأمل عيّابًا فإنه يعيب بفضل ما فيه من العيب، ويقول: إن من أعظم الشقوة وأبعد من السعادة أن يتذكر زلل المعلمين ويتناسى سوء استماع المتعلمين.
مدخل في اقتصاد الكسب والإنفاق
مدخل في (اقتصاد الكسب والإنفاق) بهذا يمكن أن نصف مقدمة كتاب البخلاء التي تصدّرت صفحاته التي تجاوزت خمسمئة صفحة ويقول في هذا المدخل: “من لم يعرف مواقع السرف (التبذير) في الموجود الرخيص لم يعرف مواقع الاقتصاد (التوفير) في الممتنع الغالي” كأني به يشن حربًا على البذخ والتبذير بقصد الشهرة الذي ساد في عصره مقابل تزايد الفقر والعوز، ويسبقنا بأفكاره في التنمية البشرية إذ يقول “قلة العيال أحد اليسارين” ويؤكد “من لم يعرف للغنى قدره فقد أذن بالفقر وطاب نفسًا بالذل”.
وإن كسب الحلال مضمون بالإنفاق في الحلال، وينقل عن معاوية قوله: “لم أرَ تبذيرًا -قط- إلا وإلى جانبه حق مضيع” وقال الحسن: “إذا أردتم أن تعرفوا من أين أصاب ماله فانظروا في أي شيء ينفقه فإن المال الخبيث ينفق في السرف”
ويقول الجاحظ: “إن للغنى سُكرًا، وإن للمال نزوة، فمن لم يحفظ الغنى من سكر الغنى فقد أضاعه، ومن لم يرتبط المال بخوف الفقر فقد أهمله، وليس أحد أفقر من غني آمن الفقر” ويقول: “إني أقدّم المال على العلم لأنه به نبات العالم قبل أن نعرف فضيلة العلم” وفي سؤال أيهما أفضل العلماء أم الأغنياء؟ فقيل: العلماء، فردّ: ما بال العلماء يأتون أبواب الأغنياء أكثر من مجيء الأغنياء أبواب العلماء؟ ويجيب الجاحظ: “ذلك لمعرفة العلماء بفضل الغنى ولجهل الأغنياء بفضل العلم” وعن فضل الادخار يقول: أنه يجمع من الصغار الكبار، فالدراهم هي قراريط وغيره، بعد هذا المدخل (النظري يمهّد لدخول عالم البخلاء الطريف.
البخلاء الظرفاء
يدخل الجاحظ صلب الكتاب عبر قصص طريفة تبين البخل والشح الذي اتصف به أهل “مرو” في “خراسان” وهو الطبع المتأصل فيهم ولا يخجلون به، إذ يقول المروزي للزائر هل تغدّيت فإن قال نعم قال: “لولا أنك تغديت لغديتك بغداءٍ أطيب، وإن قال: لا، قال له: لو كنت تغديت لسقيتك خمسة أقداح”.
وينقل الجاحظ عن أحدهم قوله: “لم أرَ الديك في بلدةٍ -قط- إلا وهو يأخذ الحبة بمنقاره ثم يلفظها قدام الدجاجة إلا ديكة “مرو” فإني أراها تسلب الدجاج ما في مناقيرها من الحب” وينقل عن شيخ من أهل “مرو” له صبي يلعب فجاء أحدهم يمازحه فقال له: “أطعمني من خبزكم، فقال الصبي: خبزنا مُر، وقال: اسقني من مائكم، فقال الصبي: ماؤنا مالح، وكلما طلب الرجل شيئا وصفه الصبي بصفةٍ قبيحة، فضحك والده الشيخ وقال: هذا ما تعلّمه الولد”
وهذا عدد من رجال “مرو” يسكنون معًا في بيت وقد تشاركوا على مصباح يضيء لهم في الليل، إلا أن أحدهم رفض دفع ما عليه فكانوا إذا أشعلوا المصباح عصبوا عينيه بمنديل حتى لا يرى النور وحين يطفئوا المصباح يفكوا المنديل.
ويتابع الجاحظ وصف شحّ المروزيين وبخلهم حتى إنهم إذا اشتروا لحمًا قسموه وربطوا كل حصة بخيط وعلّموا الخيط بعلامة ثم طبخوها معًا في قدرٍ واحد وكل شخص يعرف خيطه فيأخذ حصته ثم يتقاسمون المرق وهم يشتركون في القدر توفيرًا للحطب والثوم والتوابل.
وعن أحدهم أنه طلب من جاره مقلاته فاعتذر، فلجأ إلى آخر فأعاره وبدأ يطبخ لحمًا، فلما شمّ الجار الأول اللحم هرع إلى جاره وقال له لو قلت لي أنك ستطبخ لحمًا به لأعطيتك مقلاتي ولكانت عادت مع بعض الشحم على قعرها ما لم تعهده منذ سنين، ورجل منهم انتقد جاره حين رآه يرتدي ثوب الشتاء قبل أوانه بشهر خشية أن يتقدم موعد بلائه.
ويثني الجاحظ على الحرص المحمود فيتحدث عن زوجةٍ فقيرة لا تملك المال لكنها حين زفّت ابنتها استطاعت أن تكسيها الحرير والذهب، فسألها زوجها عن مصدر هذا المال، فقالت له: كنت منذ ولادتها أخبئ من كل عجنة حفنة طحين وأجمعها وأبيعها، حتى جمعت هذا المبلغ.
أثار الكتاب الكثير من القضايا الجدلية منذ أن تم تأليفه إلى الآن، حيث يجد كل من يقرؤه ضالته فيه، فهو يعد حتى الآن من أكثر الكتب قراءة ودراسة وتحليلًا وإن موضوعه بالرغم من مرور مئات السنين لا يزال يثير الاهتمام لدى المختصين والقرّاء العاديين.
add تابِعني remove_red_eye 12,274
ملخص لكتاب البخلاء للجاحظ
link https://ziid.net/?p=28380