هل التظاهر والتجمل يمكن أن يجعلنا أشخاصًا أفضل في عيون من حولنا؟
يمكن أن يجعلنا التظاهر والتجمل أجمل في عيون من حولنا، لكن لفترة من الوقت، ولسرعان ما ستنكشف الحقائق ونظهر على حقيقتنا
add تابِعني remove_red_eye 11,872
هل التظاهر والتجمل مختلف عن الكذب؟ وهل يمكن أن يجعلنا التظاهر أشخاصًا أفضل في عيون من حولنا؟ ولماذا نتظاهر ونتجمل لكي ننال إعجاب الآخرين؟
أعتقد أن التظاهر بالفعل يمكن أن يجعلنا أشخاصًا أفضل في عيون من حولنا، سيعطي لهم انطباعًا زائفًا عن شخصية جميلة ومنمقة غير موجودة بالفعل، شخصية اختلقنا وجودها، شخصية رسمناها من وحي خيالنا، هذه الشخصية ليست ما نحن عليه في الواقع، وإنما ما نريد أن نكون عليه، أو ما نتمنى أن نكون عليه، لكنها في النهاية ليس نحن، إنها صورة خادعة غير حقيقية، وبالتالي لا يختلف التظاهر والتجمل عن الكذب في شيء، فقط الكذب لفظ ثقيل على الأذن بينما التظاهر أو التجمل هو اللفظ الأخف لنفس المعنى.
هل التظاهر يجعلنا أجمل؟
يظن المتظاهرون والمتجملون أنهم بما يفعلون يكتسبون من حولهم، ويعملون على تقوية أواصر العلاقة معهم، لكن على العكس من ذلك تمامًا، التظاهر والتجمل هو أول خطوة لتدمير علاقتك بالآخرين، فالأكاذيب هي الفعل الذي يدمر أقوى العلاقات، لماذا لا يفكر المتظاهرون والمتجملون أنهم بأكاذيبهم يجذبون الأشخاص من حولهم لشخصية وهمية غير موجودة، فيصبح من حولك يحبك بسبب ما تظهره لا لما أنت عليه في الواقع، ما الذي تظن أنه سيفعله حينما يكتشف خداعك، وسيكتشفه، فالكذب حبله قصير للغاية والتظاهر لن يستمر للأبد، الأقنعة دائمًا تقع في أشد اللحظات إيلامًا، في أكثر الأوقات التي لن تتوقع فيها أن تقع، وسيكتشف الآخرون حينها كذبك وزيفك وخداعك، وفي الغالب سينهون العلاقة معك على الفور.
ربما لن يكون واضحًا لك سوء ما تفعله، ولا ترى الخسائر الفادحة التي تتكبدها لمجرد أنك تحقق مكاسب على الأمد القريب، وللأسف لن تكتشف حجم الخسائر الهائلة إلا في النهاية، حينها لن يكون هناك طريق للتراجع وإصلاح الأمر، وهذه الخسائر لن تكون على مستوى علاقاتك مع الآخرين فقط، وإنما الأمر الأكثر إيلامًا أنها ستكون خسارة لنفسك أيضًا، ستخسر احترامك لذاتك، ستقل ثقتك بنفسك لأنك تعلم في قرارة نفسك أنك لست الشخص الذي تصوره للآخرين.
المعنى الحقيقي للتظاهر
يجب أن نفرق بين المجاملات والتظاهر، التظاهر المقصود هنا هو تزييف الحقائق عن عمد، أن أكون شخصية وأظهر للآخرين شخصية مختلفة اختلافًا جوهريًّا، اختلاف إذا كانوا يعلمونه من البداية لربما لم يدخلوا معنا في علاقة، أو لربما نظروا لنا نظرة مختلفة، أو اتخذت علاقتنا مسارًا مغايرًا، مثلًا أن أكون شخصية شكاكة وأظهر للآخر أني شخص سهل أن يثق فيّ الآخرين، أو أكون شخصًا بخيلًا وأتحدث مع الآخر عن كرمي اللامتناهي، أو أكون شخصًا يضمر في قلبه الكره والحقد لآخر وأخبره باستمرار كم أني أحبه وأتمنى له الخير، هذا هو المعنى الحقيقي للتظاهر.
أما المجاملات المتمثلة في أن يسألنا شخص كيف حالنا فنجيب أننا بخير حتى لو لم نكن كذلك، أو عندما نسمع تعليقًا سخيفًا يجرحنا فنتظاهر بعدم سماعه أو أننا لم نُلقي له بالًا ولم يزعجنا، فهي ليست كذبًا حتى لو بدت كذلك، إنها نوع من المجاملات الاجتماعية التي لا غنى عنها في الحياة، فأن يكتشف من أمامي أنني لست بخير بعد أن قلت له أني بخير، هذا لن يغير من حقيقة شخصيتي أمامه في شيء، فأنا أخفيت حالة شعورية لا تضره أو تنفعه إذا علم عنها شيئًا، ولم أخفِ عنه حقيقة جوهرية ستغير من طبيعة علاقتنا تمامًا إذا اكتشفها.
لماذا يتظاهر الناس؟
هناك أسباب عديدة يمكن أن تجتمع كلها أو بعض منها وتتسبب في تظاهر بعض الأشخاص من حولنا بغير حقيقتهم:
#1 قبح الشخصية الحقيقية
أكثر الأسباب التي تجعل الأشخاص المتظاهرين الكاذبين يتظاهرون ويكذبون هو قبح شخصيتهم الحقيقية، إنهم يعلمون أنهم أشخاص قبيحة غير جيدة، أشخاص تضمر الغل والسواد، أو أشخاص لها صفات ذميمة لن تعجب الآخرين، فيريدوا أن يجملوا الحقيقة المرة، أن يكونوا أفضل في عيون من حولهم، حتى وإن تظاهروا بشيء ليسوا عليه في الواقع، لا تهم الحقائق في هذا الوقت، بل المهم هو أن يراهم الآخرون بصورة جيدة حتى وإن كانت كذبًا.
يخدعون الآخرين بصفات ليست فيهم، وهذه الصفات ليست صفاتٍ عاديةً وإنما صفات جوهرية في صميم الشخصية، وهذا أكبر أنواع الزيف والخداع، لأنهم يتخذون الطريق الأسهل، فبدلًا من محاولة علاج مشكلاتهم، والعمل على تحسين صفاتهم القبيحة فعليًّا، يختارون التظاهر ليكون ما يبدوه لك مختلفًا عما في قلوبهم.
#2 عدم الثقة في النفس
هناك بعض الأشخاص الآخرين الذين لا يمتلكون ثقة في أنفسهم، يكون لديهم مجموعة من الصفات الشخصية والعادات ولا يعلمون هل ستعجب الآخرين أم لا، لا يهمهم حينها حقيقتهم ولا يثقون في أنفسهم ولا يحبونها، والشاغل الوحيد بالنسبة لهم يكون في نظرة الآخرين لهم، هذا ما يهمهم، يكتسبون الثقة من نظرات الآخرين الجيدة، هذا يجعلهم يتظاهرون بصفات يظنون أنها ستعجب الآخرين.
تجدهم يتلونون مثل الحرباء، فكل شخص يتظاهرون أمامه بما يحبه حتى يكتسبوا احترامه وحبه، وهذا النوع من الأشخاص لن تعرف شخصيته الحقيقية أبدًا، إنه يتلون على كل الألوان، حتى إنه يمكن أن يفقد ذاته الحقيقية من كثرة التظاهر والكذب، والأكثر إيلامًا وسخافة أنه ربما كان يمتلك صفات جيدة لا يعلم عنها شيئًا، تتوه وسط بحر الزيف والتظاهر الذي أغرق نفسه فيه.
#3 الخوف من خسارة الطرف الآخر
هناك أشخاص يتظاهرون خوفًا من خسارة شخص بعينه، يعلمون أن هذا الشخص لا يمكن أن يحب صفة ما متأصلة فيهم، فيقومون بتزييف حقيقتهم ويتظاهرون أنها ليست فيهم، بل ويفعلون العكس تمامًا أمامهم، مما يجعل الآخرين يصدقونهم وربما يبنون علاقتهم على هذا الأساس، لذا تفشل العلاقة تمامًا إذا اكتشف الطرف الآخر زيفهم وخداعهم، والأقسى من ذلك أن تزييفهم بسبب خوفهم من خسارة شخص ما تكون أول خطوة لكي يخسروا هذا الشخص بالفعل، فالأكاذيب لا تبنى عليها العلاقات، وإنما تكون مثل بيوت الرمل على الماء، مع أول موجة تأتي ستهدمها وتبيدها تمامًا.
#4 حب الزيف والكذب
هذا النوع من الزائفين منتشر بكثرة، لا يوجد أي سبب يجعله يكذب ويزيف الحقيقة ويخدع الآخرين ويتظاهر إلا أنه يحب ذلك، الزيف والكذب يجري في عروقه مجرى الدم، لا يستطيع أن يحيا دون التظاهر، حتى في المواقف التي لا تحتاج منه لأي تظاهر أو تجمل، لقد تعود على هذا، أصبح طبعه، فبالتالي يكون هو رد الفعل الأول في أي موقف مهما كان بسيطًا.
هؤلاء الأشخاص يعلمون أنهم كاذبون، لكنهم يحبون ما يقومون به، متصالحين مع أنفسهم في كونهم أشخاصًا زائفين، بل ويشعرون بالإنجاز مع كل شخص يصدق زيفهم وشخصيتهم الوهمية، أعتقد أن هذا النوع من أكثر الأنواع التي لا يمكن أن تعالج، لأنه يقوم بما يفعله بكامل وعيه وعقله حاضر ويحب ما يقوم به ولا يشعر بأي ندم حتى وإن اكتشف زيفه الأشخاص من حوله، ستجد أنه لا يشعر بأي تأنيب ضمير أنه قام بخداع من حوله، أو أنه تسبب لهم في صدمات وجروح لن تشفى بسهولة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,872
مقال مثير حول التجمل وادعاء شخصية أخرى
link https://ziid.net/?p=71058