اسعَدْ لسعادة غيرِك تَسعَد
شعور السعادة مرتبط لدينا بالآخر، سعادتنا للغير تؤثر بنا إيجابيًا وتنعكس علينا لنسعد نحن، لا تكن أنانيًا لأن سعادتك حينها بلا قيمة
add تابِعني remove_red_eye 23,048
تمنِّي السعادة للغير يكشف لك حقًا من أنت، فعندما تبتهج لبهجة الآخرين وتتجرَّد تمامًا من مشاعر الحسد والاستياء فأنتَ شخصٌ لا يعرف للأنانية طريق، بل إن تمنِّيك السعادة لغيرك من شأنه أن يجلبَ لك السعادة أيضًا، إلا أنك قد تقابلُ أحيانًا أُناسًا لسان حالهم: (أتمنى لكَ السعادة ولكن دون أن تفوق سعادتك سعادتي) وهو ما يعتبر بلا شك منافيًا لطبيعة العلاقة الإنسانـيَّة السليمة، ولا بُدَّ أنك قد تعرضت لتجارب مثيلة، كأنْ تسارع لمشاركة أخبارك السعيدة مع من تهتمُّ لأمره فتتفاجأ بتوترٍ لا مُتوقَّع، أو ردة ِفعلٍ مزيفةٍ، أو شيءٍ من عدم الارتياح والذي يوحي بنتوءٍ في علاقتكما معًا، شيء أشبه ما يكون بتضاربِ المشاعر.
في شعورِك بالانزعاج من سعادةِ الغيرِ إشارة إلى خصلةٍ مُظلمةٍ تفُوقُ ظلمة الحسد، ألا وهي ثقتُك المهزوزة بنفسِك، إذ يصعُب على الشخص مهزوز الثِّقة أن يسعد بسعادةِ غيره وهو يرى نجاحهم وتحقيقهم لأهدافِهم بينما هو غارقٌ يتخبَّط في ديمومةِ شعورهِ بعدم الأمان والإحباط.
علاوةً على القيم الأخلاقيّة والدينيّة نجدُ من زاويةٍ أخرى في السعادة لأجلِ الآخرين والابتهاجِ لبهجتهم دلالةً واضحةً على صحةِ الشخصِ النفسيةِ وسلامةِ صدره، فقد أثبت علمُ النفس هذه الحقيقة النفسية المُثيرة للاهتمام وفسَّرها علميًا.
“المحبة حالةٌ شعورية تنُصُّ على أنَّ سعادة الآخر هي عنصرٌ أساسيٌّ لسعادتك”. – روبرت هينلين
سعادتك للغير ونبذ الأنانية يعزِّزان من صحَّتك القلبية
في بداية العام الحالي أظهرت جامعة ولاية أيوا دراسةً مثيرةً للاهتمام أجراها الدكتور دوغلاس جِنتايل مع فريقه في قسم علم النفس، وقد كان اختيارُ عيِّنة الدراسة مقصودًا حيث تضمَّنت أشخاصًا يعانون من اضطرابات القلقِ والتوتر بعد أن طُلِب منهم اتباع روتين يومي تبيّنت فاعليّته لاحقًا بعد ملاحظة التحسُّن في النتائج.
هذا الروتين بِبساطة تضمّن الالتزام بالمشي لمدةٍ تتراوح بين 15 إلى 20 دقيقة كل يوم مع ضرورة ممارسة أسلوب (كينهين للتأمل) إبَّان المشي والجري والتمرّن، كما طَلب منهم القائمون على الدراسة أن يستحضروا بداخلهم مشاعر اللُّطفِ والاطمئنانِ وسلامةِ الصدر طيلة فترة مشيهم، ولاستحضارِ هذه الأحاسيس أخبرَهُم الفريقُ بأن يتمنَّوا السعادة لكلِّ شخصٍ يلتقونه في طريقهم.
وبهذهِ الطريقة الإيجابية البسيطة المتمثِّلة في تمنِّي الخير للغير اكتشفوا أنَّ الشعور بالسعادة بدأ أيضًا يدبُّ داخليًا فيهم بعد أن تقلَّصَت كميةُ الهواجس ودواعي القلق وتحوّلَ تركيزهم عنها لينصَبَّ على العاطفة تجاه الآخرين ممَّا منحهُم شعورًا بالراحةِ والرضا والسلامِ الداخلي.
نقِّ أفكارك وكن لطيفًا مع الغير
من خلال هذه الدراسة أثبتَ الدكتور جِنتايل عدة أمور، أولها أن انخفاض مُعدلات التوترِ والقلقِ بشكلٍ ملحوظٍ لا يُعزى إلى ممارسةِ أفراد عينة الدراسة للرياضة وحسب، بل يعُزى أيضًا إلى التغيير الذي طرأ على حواراتهم الداخلية وتحويلِ محور تركيزهم العاطفيِّ من سلبيةٍ مقيتةٍ إلى عقليةٍ متحفّزة للتلطُّف بالآخرين.
كما ثبتَ أنَّ شعورهم بالسعادة لأجلِ الآخرين حتى ولو كانوا غرباءً كان كفيلًا بمُضاعفة شعورهم بالوئامِ والترابط الاجتماعي، حيث ازدادت على غير العادة ملاحظتُهم لوجوهِ العابرين كما ازداد انفتاحُهم على العالم الخارجي ومن فيه -على نحوٍ خاص- أكثر من ذي قبل.
شعورُك بسعادة الآخرين يعزِّزُ الشعور بالحُرية
قد تُفضِيِ بعضُ الأحداثِ والأقوالِ والأفكارِ إلى نتائج يُطلق عليها في علمِ النفسِ مبدأ تأثير بوميرانغ أو ما يسمى بمبدأ الارتداد (وهو مبدأ مبنيٌّ في جوهره على أنَّ كل عملٍ تقدِّمه حسَنًا كان أو قبيحًا سيرتدُّ عليك لا محالة) واعتمادًا على هذه النظريَّة وجد هؤلاء الأشخاص أثرًا إيجابيًا في حياتهم بمُجرَّد تمنِّيهم الخير للغير.
ثمَّة ثمرة شعورية مُرتدَّة تعودُ إلى المرءِ عندما يقومُ بأيِّ عمل، لذا يجب علينا وضعُ ذلك دومًا بالحُسبان. تخيَّل مثلًا أن لك زميلًا حسودًا جدًا في العمل وعينُه تحدِّق في كلِّ من هم حوله وينزعج عند رؤيتك تُبلي بلاءً حسنًا. كيف ستُعامله حينها؟ إن عاملته بالمثل فإنَّ هذه السلبية ستنتقل إليك وتُنمِّي فيك شعورًا بالاستياء والتوتر، وفي المقابل إن تمنَّيتَ له الخير فسينتابُك شعورٌ بالطَّمأنينة. تقبُّلك لفكرة أن كُل شخصٍ يمثِّل نفسه إضافةً إلى شعورك بالسعادة لأجل الغير كافيان لتحريرك من قيود السلبية ونيل راحة البال.
قياسًا على المقولة الإنجليزية (افعل الصَّواب مهما يحدث) نقول: (تَمَنَّ الخيرَ للغَيرِ مهما يحدُث) لأنَّ تمنِّي الخير شعورٌ طيِّبٌ من شأنِه أن يغيِّر حواراتك الداخلية مع نفسِك، ويجعلك منفتِحًا على الآخرين. طبِّقْ هذه النصيحة البسيطة لتُحسِّن من صِحتك النفسِية وأواصِرِك الإنسانية.
(أن لا تعرفَ طريقًا لحسدِ الآخرين على النِّعم التي أنعم الله بها عليهم هي النِّعمة بعينِها). – روبي كاور
add تابِعني remove_red_eye 23,048
link https://ziid.net/?p=37136