هل هذه نهاية عصر الكتابة في المقاهي؟
العمل الحر مازال مصطلحًا مبهمًا في مجتمعنا، خاصة أننا نعمل في ساعات غريبة ولا نثبت في مكان بل يمكننا التنقل والتجول طوال الوقت
add تابِعني remove_red_eye 414,635
- لكن الكثير من الكتاب يُقسمون بها
- كتبت (روزالي كنيخت -Rosalie Knecht) في مقالها حول هذا الموضوع وارتباطه النثري بدليل الأنثروبولوجيا:
- تجربة هارلان إليسون الفريدة
- كلمة السر: كورونا
- تأثير غياب جلسة المقاهي على حياة الكُتّاب
- ما الضرر الذي سيصيب الكُتاب إن حُرموا الجلوس في المقاهي؟
- بالنسبة لرانكورت، المقهى أكثر من مجرد مكان
- في الختام
- إليك أيضًا
اعتراف: قد لا أكون الشخص المناسب للإجابة على السؤال المطروح في العنوان. ففي نهاية المطاف، كتبت روايتي الأولى بالكامل تقريبًا من السرير. في الواقع، أنا أكتب هذا المقال من السرير الآن. مثل إديث وارتون وسيدوني غابرييل كوليت ومارسيل بروست، فأنا أكثر إبداعًا عندما أتكئ، وعندما أشعر بالراحة وعندما أكون وحيدًا، هذا فقط لأضع النقاط على الحروف وأنا لا أكتب في الأماكن العامة فالأماكن العامة هي نقيض سريري.
لكن الكثير من الكتاب يُقسمون بها
اعتبر المقهى -على وجه الخصوص- مكانًا شهيرًا للكتابة لفترة طويلة، وتحظى المقاهي بشعبية كبيرة لدرجة أنها طُبعت بمسحة كثيفة من الحنين إلى الماضي والرومانسية التي تهدد بإخفاء قيمتها الفعلية. على سبيل المثال، اشتهر جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار بارتيادهما مقهى (دي فلور-De Flore) في باريس كمكتبهما المنزلي. يقول سارتر “أقمنا هناك من الساعة التاسعة صباحًا حتى الظهر نعمل في تلك الفترة ونتناول الغداء، وفي الساعة الثانية ظهرًا نلتقي بعض الأصدقاء حتى الساعة الثامنة وبعدها نلتقي بعض الأشخاص الذين رتبنا لمقابلتهم، قد يبدو الأمر غريبًا لكننا شعرنا في دي فلور كما لو كنّا في منزلنا”.
تعليقي: يا للرومانسية! يا للخديعة! لن تضطر فعليًّا إلى الكتابة طوال اليوم لأن أصدقاءك سيمرّون بك.
بالعودة إلى صلب الموضوع، يرجع السبب في ذلك إلى حد كبير إلى إرث هذه المقاهي الأدبية الباريسية، حيث إن كتابة الرواية العظيمة القادمة -مهما كانت- أثناء ارتشافك قهوة الإسبريسو هو جزء كبير من خيال كونك كاتبًا، وهي فكرة مثالية ومثيرة للعواطف في أحسن الأحوال، كمعظم المُثل العليا.
كتبت (روزالي كنيخت -Rosalie Knecht) في مقالها حول هذا الموضوع وارتباطه النثري بدليل الأنثروبولوجيا:
يقضي الكاتب ساعات في المقاهي بين العمل والشرب، لأن المقاهي مُدفّأة على عكس شقته. ترسخت جمالية هذا الخيال بشكل دائم في الذاكرة خلال النصف الأول من القرن العشرين، في المدن -وأحيانًا المنتجعات الشاطئية قربها- في أوروبا والولايات المتحدة.
وسبب ظهور أسلوب حياة الكاتب “الخيالي” في مثل هذا الزمان والمكان المحددين هو أن الكتاب الأمريكيين في فترة ما بين الحربين العالميتين وما بعد الحرب الذين ذهبوا إلى أوروبا بحثًا عن إيجارات رخيصة قد أثروا بشكل كبير على الفكرة الأمريكية لماهيّة الأدب.
من الذي يلقي بظلاله على الروايات والمناهج الأمريكية أكثر من همنغواي وفيتزجيرالد وبالدوين؟
بسبب خصوصية ذلك الوقت -كما يشير كنخت- كان هؤلاء جميعًا كتابًا يمكنهم قضاء الوقت في المقاهي طوال اليوم وامتلاك بضع ساعات للكتابة عندما يكون هناك هدوء، وليس لديهم وظائف أخرى.
بالنسبة لمعظمنا -للأسف- مرّ ذلك الوقت منذ أمد بعيد. ومع ذلك، لا يحتكر المغتربون -إن صحت التسمية- في أوائل القرن العشرين الكتابة في المقاهي. هناك الكثير من الأمثلة المعاصرة: جو نيسبو، مالكوم جلادويل وجميع الحاصلين على ماجستير في الفنون الجميلة.
وبسبب التواجد في كل مكان، تكتسب الكتابة في المقاهي -يومًا بعد يوم- سمعة سيئة.
أوضح جلادويل، الذي يكتب في المقاهي، أن “مشكلة الكتابة في المقاهي هي أن الجميع يكره نوع الأشخاص الذين يكتبون، وخاصة أولئك الذين يكتبون في المقاهي” “ترى أحدهم قابعًا في الزاوية منحنيًا على حاسوبه ويفكر” بحق الله! اجلس في مكتب. (متناسيًا، في الوقت الحالي، أنك منحنٍ على حاسوبك أيضًا)“.
تجربة هارلان إليسون الفريدة
أشتهر هارلان إليسون (Harlan Ellison)، وهو كاتب غزير الإنتاج حقًّا، بكتابته بعض أعماله في الأماكن العامة: حيث اعتاد كتابة قصص قصيرة أمام واجهات المكتبات، من جهة كطريقة دعائية، على الرغم من أنه أنتج قصة واحدة -على الأقل- حائزة على جائزة بهذه الطريقة، ومن جهة ثانية لإزالة الغموض عن فكرة الكاتب. “أفعل ذلك لأنني أؤمن أن الجمهور، في هذا البلد تحديدًا، بعيدون جدًّا عن الأدب، ودفعتهم طريقة تلقيهم المعلومات في المدارس، إلى الاعتقاد بأن الكُتّاب هم سحرة يعتلون قمة جبل في مكان ما! وأعتقد أن هذا أحد أسباب وجود الكثير من الأمية في بلدنا. لذا، ومن خلال الكتابة في الأماكن العامة، أنا أُظهر للآخرين أنها وظيفة، مثل أن تكون سباكًا أو كهربائيًا”. من لقاء أُجري معه عام (1981م).
على الرغم من جهود إليسون، استمرت الفكرة الرومانسية “أدب المقاهي” هو مجال سياحي متكامل، أو على الأقل كان كذلك.
كلمة السر: كورونا
طردت جائحة كوفيد-19 الحياة الطبيعية خارج العديد من الأماكن العامة، وخاصة المغلقة منها، وغيرت الطريقة التي نعيش بها بشكل كبير، وكيف نسافر في جميع أنحاء العالم، وبغض النظر عما إذا كان التغيير دائمًا أو مؤقتًا. ما استجدّ الآن على الأقل بالنسبة لأولئك الأمريكيين الذين يأخذون هذه الأزمة الصحية الوطنية على محمل الجد، هو إعادة تقييم صادمة لاحتياجاتنا.
قبل الوباء، تمحورت حياتي حول أستوديو اليوجا وصالة الألعاب الرياضية والمصبغة. إضافةً للمطاعم والحانات، بل وحتى مترو الأنفاق. كنت أنظر إلي كل هذه الأشياء على أنها من أساسيات الحياة. لكن مع مرور الوقت وفي معظم الأحيان أدركت أنهم ليسوا كذلك.
يمكنني ممارسة اليوجا في غرفة نومي. وغسيل ملابسي في حوض الاستحمام، كما بإمكاني الركض خارجًا، والتحدث مع أصدقائي على الهاتف بدلًا من تناول مشروب معهم. لا تفهموني خطأ، هذا ليس أفضل لكن أجبرتني الجائحة على إدراك أيّ العادات وأيّ الطقوس هي ضرورات مصيرية، وأيها كماليات.
تأثير غياب جلسة المقاهي على حياة الكُتّاب
ما الضرر الذي سيصيب الكُتاب إن حُرموا الجلوس في المقاهي؟
ذلك يعتمد على نمط الكتاب المعنيين. إحدى المشكلات الملحوظة التي تترافق مع فقدان الأماكن العامة المجانية/الرخيصة للجلوس والكتابة -وهذا يشمل المقاهي وكذلك المكتبات وردهات محطات القطار وأي مكان آخر يمكن أن يخربش فيه المرء- هي أنه يضيّق المجال (الضيق أصلًا!) أمام من يمكنه الكتابة بالفعل، فصناعة النشر تكافح بالفعل مع النخبوية وانعدام التنوع، أخشى أنه إذا أصبحت المقاهي غير آمنة على المدى الطويل، فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم المشكلة.
استندت “كنيخت” إلى أنقاض صورة الكاتب كجزء من تصورنا الرومانسي للحياة الأدبية، ولكن في حين أن القصة المنتشرة عن كتابة ج.ك.رولينج أول كتاب من سلسلة هاري بوتر في مقهى محلي -لأنها لا تستطيع تحمل الحرارة في شقتها- تبيّن أنها شائعة لا أكثر. فليس من الصعب تخيل أن شيئًا مشابهًا ينطبق على الكثير من الكتاب -الذين لا يستطيعون تحمل تكلفة تملّك غرفة- بالمعنى الحرفي أو المجازي، وبالتالي انتقلوا للكتابة في الأماكن العامة للحصول على القليل من العزلة الوظيفية.
تعد زيادة التكاليف المنزلية الشخصية من المصاعب المحتملة الأخرى التي تسببها الجائحة بشكل عام، بالطبع. في الوقت الحالي، يبقى الكثيرون عالقين في منازلهم في منتصف الصيف، مُضطرين لتحمّل تكلفة التكييف المستمرة؛ كاتب واحد أعرفه، اعتاد الذهاب إلى المكتب خلال الأسبوع والقيام بأعمال شخصية في الحانات في عطلة نهاية الأسبوع، جازف واشترى مكيف هواء لأول مرة في حياته (كاتب واحد فحسب).
إذا فقدت وظيفتك -وحتى لو لم تفعل- فإن ارتفاع فاتورة الكهرباء يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا. حتى بالنسبة إلى الكتاب المحظوظين الذين لديهم مساحة ووقت في المنزل ولا يساورهم القلق بشأن فواتيرهم، يمكن أن يكون المقهى أداة كتابة عملية. يحتاج بعض الكتاب إلى ضوضاء في الخلفية من أجل التركيز، أعرف كاتبة تؤلف مسودات أكثر كتبها مبيعًا على ضوضاء التلفزيون، أعرف كاتبًا واحدًا لا يستطيع الكتابة ما لم يكن مرتديًا ملابس الخروج. (من الواضح أنه ليس لدي هذه المشكلة) أعرف الكثير من الكتاب –وأنا أحدهم– الذين يحصلون على أفكار من الجلوس والتنصت على محادثات الآخرين.
حتى الجانب الاجتماعي، المحبوب جدًا من قبل همنغواي و سيمون دي بوفوار من خيالنا الأدبي، قد لا يكون بالكامل بدون ميزة إنتاجية. أخبرتني الشاعرة والروائية (بريتاني كافالارو-Brittany Cavallaro) أنها استمرت -على مدى سنوات- في ضرب موعد كتابة أسبوعيًا ثابتًا مع (جاك رانكورت -Jacques J. Rancourt) في مقهى محلي في ماديسون، ويسكونسن. أخبرتني “كنا نتبادل الأخبار في النصف ساعة الأولى، وبعد ذلك نبدأ الكتابة على مدار ساعتين، لم يحفزني أي شيء على الإطلاق مثل صوت خربشة شخص آخر يكتب شيئًا ما، هناك شعور كبير بالصداقة الحميمة والمنافسة والعمل المنجز. بمجرد أن يُنهي كل منّا مسودته، نبدل أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ونعدّل عمل بعضنا البعض.
بعد بضع سنوات، يمكننا -وبثقة مطلقة- صياغة قصيدة بصوت الآخر، هذا بالضبط ما فعلناه، كل قصيدة في مجموعتي الشعرية الأولى، Girl-King، كان جاك قد رآها وعدّل عليها”
بالنسبة لرانكورت، المقهى أكثر من مجرد مكان
وعلى الرغم من أن الكتابة غالبًا ما تكون عملية فردية، فإن وجود أشخاص آخرين حولك يمكن أن يساعد في الواقع في هذه العملية. وهو ما يؤكد عليه الشاعر رانكورت: “جزء من حبي للكتابة في الأماكن العامة هو المساءلة التي أشعر بها. فعلى الرغم من أن لا أحد يهتم فعلًا أو يولي أي اهتمام لما أفعله، لكنني أشعر بضغوط خارجية للالتزام وعدم الانغماس في مواقع التواصل الاجتماعي خوفًا من أن يحكم علي الآخرون”.
في الختام
في هذه المرحلة، حتى بعد انتهاء الوباء، لا يمكنني حقًّا أن أتخيل العودة إلى مقهى مزدحم لمجرد كونه أداء الكتابة، أو الانغماس في مفاهيمي الرومانسية عن كونك كاتبًا. وبوجود لقاح أو عدمه، لا يمكننا تناسي معرفتنا الجديدة عن كل الفيروسات التي ننقلها بعضنا لبعض. ومع ذلك يمكنني تحمّل المخاطرة إذا كان هذا هو المكان الذي كتبت فيه بشكل أفضل، أو إذا كانت طقوس الخروج هي الشيء الوحيد الذي من شأنه أن ينجز العمل.
لذلك ربما يكون أحد الآثار الجانبية الصغيرة للوباء هو إلغاء الطابع الرومانسي للمقهى بالنسبة للكتاب. بالنسبة لأولئك الذين شاركوا فيه فقط من أجل الأداء، أو من أجل فكرة الكتابة في المقاهي -أو على مقاعد محطة القطار، أو في الحديقة- قد تكون هذه هي النهاية بالفعل.
بالنسبة للبقية، لا يسعني إلا أن آمل ألا يكون الأمر كذلك. آمل أن يعود أولئك الذين يقررون أن المساحة العامة ضرورة لممارسة الكتابة لديهم – وكميزة إضافية، إذا فعلوا ذلك، فمن المحتمل أن يجدوا متسعًا أكبر لهم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 414,635
مقال هام حول تأثر العمل بالتواجد في المقاهي والمنازل
link https://ziid.net/?p=66587