القضية الغريبة لسلحفاة “برمودا” الغامضة
هناك العديد من المخلوقات حول العالم التي تعتبر مهددة بالانقراض ومهمتنا في هذا العالم أن نحافظ عليها ونحميها ونؤمن لها بيئة صالحة
add تابِعني remove_red_eye 275
تعود جهود استعادة السلاحف من مثلث برمودا إلى عام (1963)، وذلك عندما بدأ العالم “ديفيد وينجيت” وهو أول مسئول في الحفاظ على برمودا، خطة جريئة لاستعادة التلال الصخرية الساحلية والغابات لجزيرة “نونستش”، يبلغ حجم “نونستش” تسعة أحياء مدنية تقريبًا، وتقع في الزاوية الشمالية الشرقية من أرخبيل برمودا.
وكان “وينجيت” الذي درس علم الحيوان في جامعة كورنيل في ولاية نيويورك قبل أن يعود إلى مسقط رأسه برمودا، يأمل في تحويل الجزيرة إلى متحف حي (إعادة خلق لما كانت عليه البؤرة الاستيطانية قبل أن يلتهم المستوطنون البريطانيون الطيور البحرية)
على مدى عقود تمكن “وينجيت” من القضاء على القوارض المنتشرة، وزرع النباتات المحلية، وساعد في إعادة ظهور أنواع الكائنات كانت على وشك الانقراض: من طائر المالك الحزين إلى الحلزون المتألق المسمى بـ “The West Indian top shell”.
ولكن بالنسبة إلى “وينجيت” وزميله من برمودا، ظل المتحف الحي لجزيرة “نونستش” غير مكتمل بدون واحد من أكثر سكانها السابقين جاذبية: سلحفاة البحر الخضراء.
لحسن الحظ، لم يكن “وينجيت” عالم الأحياء الوحيد الذي كان يحاول إعادة الزواحف البحرية التي اختفت.
مؤسسة الحفظ الكاريبي
في عام (1959) بدأ عالم أسطوري آخر “آرشي كار” مشروعه الطموح للاستعادة ضمن عملية السلحفاة الخضراء، لمؤسسة الحفظ الكاريبي (المعروفة الآن باسم حفظ السلاحف البحرية) وتحت رعاية الخطة، على مدى (10) سنوات جمع كار (130) ألف سلحفاة خضراء صغيرة في “تورتوغيرو” وهو امتداد غني بالسلاحف على ساحل كوستاريكا، ونقلهم إلى بربادوس وهندوراس وبليز وبورتوريكو وسواحل أخرى سلبت منها السلاحف، كما ساعدته البحرية الأمريكية بالتبرع بعدة طائرات برمائية لنقل الحيوانات.
كان “كار” على أمل أن السلاحف سوف تعتاد منازلها الجديدة، وبعد ذلك بعدة سنوات، تعود إلى مواقع نشأتها لوضع البيض، وبعد مرور عدة سنوات من العمل على المشروع، بالمصادفة، كتب “وينغات” إلى “كار” رسالة يدعو فيها إلى إعادة توطين السلاحف إلى متحفه الحي.
طريقة تفكير مختلفة
عندما وصف “كار” عملية السلحفاة الخضراء لزميله من برمودا، أدرك “وينجيت” أنه وجد الحل لإعادة إحياء شواطئ جزيرة “نونسوتش” وبحلول ذلك الوقت، كان “كار” قد توصل إلى الاعتقاد بأن صغار السلاحف كبيرة جدًّا على الاعتياد على الشواطئ غير المألوفة، لذلك قرر نقل البيض بدلًا من حديثي الولادة، سافر العلماء على نحو متكرر إلى “تورتوغويرو” الذين يتأرجحون خلف أمهات السلاحف ونقل صغارها التي وضعتها حديثا بحذر إلى صناديق الستايروفوم، بعد أن صادرت البحرية طائراتها العسكرية من أجل حرب فيتنام عام (1968م) أصبحت رحلات الجميع محفوفة بالمخاطر.
في إحدى المرات، كانت طائرة “وينجيت” الصغيرة المستأجرة مكدسة بالبيض حيث كانت زوجته “أنيتا” تجلس مرتفعة على حضنه. وتذكر “وينجيت” قائلا: “أتذكر أن الطيار يقوم بعلامة الصليب عندما كان ينطلق من على المدرج العشبي ومنظر الغابات المطرية يلوح في الأفق” تنتظر طائرة تابعة للبحرية الأمريكية في نهر “تورتوجويرو” بجوار محطة التفريخ التابعة لمؤسسة الحفظ الكاريبي لحمولة كبيرة من السلاحف الخضراء.
نجا “وينجيت” من تلك الرحلة وغيرها الكثير، قضى سنوات في حفر الأعشاش ودفن البيض في جزيرة “نونسوتش” وكذلك على قطاع شاطئ خاص يملكه هنري كلاي فريك الثاني، الحفيد المحب للأعمال الخيرية لرجل الأعمال الشهير الذي يحمل نفس الاسم “كار”، وينغاتس، وابنة فريك، جين، كانوا يخيمون على الشاطئ لعدة أسابيع، منتظرين كل فقسة بيض، عندما ظهر المواليد الجدد، أحد ابنتي وينجيت الشابات كانت في بعض الأحيان تسبح إلى البحر جنبا إلى جنب مع صغار السلاحف، للدفاع عنها من الأسماك والنوارس. ومعا أنتج المشروع أكثر من (16,000) من الفقس، كان العمل نابعا من حبنا للزواحف.
المأساة!
لكن حدثت مأساة قطعت جهود “وينجيت” في عام (1973م) توفيت أنيتا في حريق منزل –”محطمةً حياتي”- كما قال وينجيت، وقد كلف عالم الأحياء، الذي أصيب بالحزن، بتربية ابنتيه وحده، وفي العام نفسه، ألغت حكومة كوستاريكا تصريحه لجمع البيض، وتوقفت عمليات النقل، وبعد مرور عدة سنوات، وقعت كارثة عندما انتحرت جين فريك، وبحلول الوقت الذي توفي فيه “كار” في عام (1987م) لم يستعد شاطئ واحد السلاحف الخضراء، وهكذا انتهت عملية السلحفاة الخضراء، مخطط آخر للحفظ مصيره الفشل على كوكب مقور بالانقراض، ندبة أخرى على عالم جريح.
في صباح اكتشاف “فرانك بورشال” كان ديفيد “وينغات” البالغ من العمر (80) عاما، يراقب الطيور بالقرب من سانت جورج، على بعد (10) دقائق بالسيارة من المكان الذي عبرت فيه السلحفاة الصغيرة طريق باري. وقد نبهه أحد المحافظين على البيئة المحليين على الاكتشاف في حوالى الساعة (10:00ص)، جاعلا “وينجيت” يسرع لشاطئ بيلدنجز باي، حيث هرع “ريان تاكلين” وموظفو الأكواريوم الآخرون للبحث عن المزيد من الفقس.
رحبت نظرية الفوضى بالعالم المتقاعد: وظهر بالفعل المزيد من صغار السلاحف الحديثة في الليلة السابقة، إلا أن أضواء المدينة قد أضلتهم العشرات قد اتخذوا ملجأ في ظلال الشجيرات القريبة من زمرة من السكان، منساقين خلف الضجة بحثوا في الغطاء النباتي للعثور على السلاحف الضالة، “كان الناس يزحفون على ركبتيهم في أرجاء المكان فوق الحشائش” تتذكر “آن ميلان” وهي عالمة الأحياء للسلاحف البحرية في فلوريدا، والذي حدث أنها كانت تُجري بحثا في برمودا هذا الأسبوع. “لقد أثار هذا شعورًا بالدهشة” كان المجتمع منذهلًا.
نجاح رغم صعوبة المحنة
أطلق العلماء الفقس في المحيط، على الرغم من أن ثلاثة لم ينجوا من المحنة: تاكلين وآخرون، خيموا على الشاطئ في تلك الليلة، وأرشدوا اثنتين أخرتين من السلاحف التائهة إلى البحر، وافقت شركة الكهرباء المحلية على إطفاء أضواء الشوارع القريبة، بعد ثلاثة أيام، جثا عاملو الأكواريوم في الرمال، وحفروا بأيديهم وسط فجوة عش عميقة، وجدوا في أسفل التجويف اثنتين أخرتين من الفقس الحي، وأربعة من البيض غير المخصب، و (86) من بقايا البيض المفقس. وإجمالا، اختفى ما يقرب الـ (100) من صغار السلاحف الخضراء في البحر.
بدأت التكهنات على الفور: هل يمكن لهذا الفقس أن يكون نتاج عملية نقل السلاحف الخضراء؟
وقد مر ما يقرب من الأربعة عقود منذ أن نقل وينجيت آخر مجموعة من بيض السلاحف في حين أن معظم إناث السلاحف الخضراء تصل إلى النضج الجنسي بين (25) و (35) سنة، لم يكن حصول ذلك لأول مرة لدى سلحفاة تبلغ من العمر (40) عاما غير وارد الحدوث.
ومع ذلك، كانت ميلان متشككة. كانت تشتبه في أن الأم الغامضة قد جاءت من فلوريدا، حيث إن جهود الحفظ، وخاصة حماية شواطئ التعشيش الرئيسية، قد أنتجت مؤخرا ثورة حامية. في عام (2015م) حفرت السلاحف الخضراء (37,341) عش في ولاية الشمس المشرقة – الأكثر منذ بدء حفظ السجلات، ربما سلحفاة تائهة من الغالبية من فلوريدا وأرمادا قد قطعت (1,000) كيلو متر بالطبع، جمعت ميلان صغار السلاحف الثلاثة الميتة، وقطعت شظايا الأنسجة من الزعانف والكتفين، وشحن العينات إلى خبير في علم الوراثة في جامعة جورجيا، بالتأكيد أن الضوء القارص البارد لاختبار (DNA) سيكشف الجواب.
ومع ذلك فإن التحليل أثبت عدم وضوحه، ووفقا للاختبارات الجينية الغير المنشورة، فإن احتمالية انحدار سلحفاة برمودا من سلالة فلوريدا أو الكوستاريكية أقل من (10) في المائة، فرضية ميلان الحالية هي أن المهاجر وصل من المكسيك، التي استضافت أيضا محصول السلاحف الوفير في عام (2015م) التقنيات الجينية الجديدة قد تقدم في يوم من الأيام الإجابة النهائية، ولكن تقول ميلان: “إن أصل السلحفاة الأنثى سيظل لغزا في الوقت الراهن”.
الأنثى اللغز
إذا كان هذا القرار يبدو محبطًا، حسنًا، ليس كل لغز علمي يتم حله، وبطريقة ما فمعرفة أصول العش المذهل ليست بقدر أهمية معرفة حقيقة ظهوره، ويعتقد كثير من العلماء أن السلاحف البحرية مخلصة جدًّا لشواطئ أسلافهم من أجل نقلها على نحو فعال، وتعتقد ميلان أن السلاحف لديها معرفة جينية صلبة بالخريطة الجيومغناطيسية التي تقودها إلى شواطئ أجدادها.
وبالنظر إلى الحساب الدقيق للمخلوقات المتواجدة، فإن حقيقة ظهور سلحفاة خضراء متنقلة في برمودا على الإطلاق هو أمر جدير بالملاحظة، ليس هناك دليل على أن عملية السلحفاة الخضراء أعادت السلاحف في منطقة البحر الكاريبي أو الشواطئ المجاورة، وتحذر ميلان ضد المزيد من المحاولات لنقل مواقع السلاحف دون أدلة.
وهناك جهد آخر على الأقل يشير إلى أن نقل السلاحف هو ممكن في بعض الظروف، في بداية التسعينات تمكن العلماء من إعادة إنشاء السلاحف البحرية “ردلي كيمب” في جزيرة بادري، تكساس، لحماية الأنواع المتناقصة من الانقراض. الجهد المبذول بهذا المشروع جعل من العمل الشاق في عملية السلحفاة الخضراء يبدو ضئيلا، ابتداء من عام (1978م) جمع علماء الأحياء بيض سلحفاة “ردلي كيمب” في المكسيك، وحضنتهم في ظروف خاضعة للرقابة، والسماح للفقس بالزحف إلى أمواج جزيرة بادري.
بعد هيجان سريع في الأمواج، تم انتشال صغار السلاحف بشبكة الغطس ثم نقلهم إلى “غالفستون” في تكساس، ليتم تنشئتهم في رعاية المختبر لمدة عام قبل الإفراج عنهم نجح عمل الإجراء المدروس ما يقرب من عقدين من الزمن بعد أن أطلق سراح أول سلاحف كيمب ردلي، وظهرت الإناث الموسومة على جزيرة بادري لإيداع الجيل القادم، وبحلول عام (2012م) تم حفر أكثر من (200) عش في تكساس سنويا.
ولتحسين معدلات النجاة، أجرت مؤسسة الحفظ في منطقة البحر الكاريبي تجربة على “تورتوغيرو” بإطلاق سراح السلاحف الأكبر سنًّا قليلًا، ثم عادت المجموعة في وقت لاحق للإفراج عن الفقس لعملية السلحفاة الخضراء، ستخبرنا السنوات المقبلة ما إذا كانت السلاحف الخضراء قد عادت بالطريقة المعتادة إلى برمودا، أو ما إذا كان عش الصيف الماضي وعدا كاذبا؟ في الوقت الراهن على الرغم من أن الفقس المحير يوفر سببًا للاعتقاد بأن اختفاء السلاحف الخضراء من الشواطئ قد لا يكون نهائيًا.
هذا الاحتمال هو أكثر تأثيرًا لوينجيت، الرجل الذي سعى لعقود لاستعادة الحيوانات الأصلية للجزيرة، وتحمل مأساة شخصية لا يمكن تصورها، وعاش لرؤية عش سلحفاة خضراء في برمودا للمرة الأولى في (80) عامًا.
وقال “وينجيت”:
سواء كان ذلك عن طريق النقل أو لا، فهذا الحدث له أهمية عالمية هائلة. هذا يعني أن فقدان السلاحف على شاطئ التعشيش ليست بقضية خاسرة تماما. على الرغم من أن الطموحات الكبرى لعملية السلحفاة الخضراء قد لا تتحقق أبدا، يبدو أن الاستعمار التلقائي للسلاحف، بدون مساعدة إنسانية مباشرة، أمر يمكن تصوره الآن. ويضيف “وينجيت” وصوته مليء بالعاطفة: “هناك دائما أمل” بالنسبة لأبرز المحافظين على البيئة في برمودا، هذا إرث كاف.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 275
قصة سلحفاة فاجأت العالِم "وينجيت" بعد أن رأى أن مجهوداته ذهبت سدى
link https://ziid.net/?p=39701