لماذا يتظاهر بعض الناس بعدم الحاجة إلى الآخرين؟
فقط عندما يصبح ألم الوحدة والحزن لا يُطاق، يبحث الأنطوائيون عن حلول، ويستعدون لتحمُّل مخاطر التواصل العاطفي مع شخصٍ يثقون به
add تابِعني remove_red_eye 835
لقد قابل معظمنا هذا الشخص الذي يتجنَّب شتى أنواع التواصل العاطفي، والذي يدَّعي بأنَّه سعيدٌ للغاية في ظلِّ وحدته؛ فهل الأمر كذلك حقاً؟ في الواقع، لا؛ إذا تبيَّن أنَّ معظم الأشخاص الذين ينأون بأنفسهم عن الجميع ويحاولون تجنُّب الدخول في علاقات، كالحبِّ والصداقةِ وما إلى ذلك، يعانون من آلام داخلية جارفة. تقول الطبيبة النفسية “راندي جانثر” (Randi Gunthe) أنَّ مثل هؤلاء الأشخاص يحاولون الإمساك بزمام عواطفهم من خلال بناء الجدران حول مشاعرهم، اعتقاداً أنَّه السبيل الوحيد للبقاء على قيدِ الحياة؛ لذا يحاول شركاؤهم – إن وُجِدوا – اكتساب ثقتهم واختراق هذه الجدران المنيعة. ولكن في مرحلةٍ ما، يستسلم الشركاء ويقررون إنهاء العلاقة ويتركونهم للوحدةِ مرةً أخرى.
بمرور السنوات، يدرك هؤلاء الأشخاص أنَّهم أسرى السجون التي بنوها بأيديهم، وأنَّ ادِّعائهم بالرغبة في الانعزال الدائم لم يودِ بهم إلى أي مكان؛ فلماذا يفعلون ذلك إذاً؟
إليك أربعة أسباب توِّضح أسباب التصرُّف على هذه الشاكلة:
1. المرور بمواقف صادمة أو قاسية
لقد كان الأشخاص المتظاهرون بالرغبة في الوحدة على هذا النحو منذ الطفولة؛ إذ ينشأ الأطفال على هذه الشاكلة عند مرورهم بظروف مؤلمة لم يقووا فيها على الاعتماد سوى على أنفسهم، أو بعد أوقات اضطروا فيها إلى الاعتناء الذاتي في ظل الخوف أو الخطر الشديدين، دون أن يمدُّ لهم أحد يدَ العون عندما كانوا في أمسِّ الحاجة إليها. يفتقر بعض الأطفال إلى امرئٍ يصغي إليهم أو يهتم بهم أو يلبي احتياجاتهم، وربما يتعرضوا للإذلال من أجل تلبية هذه الاحتياجات؛ فيتجنَّبون فيما بعد طلب أي نوع من المساعدة.
بالإضافة إلى التعرض إلى العنف الجسدي أو الجنسي أو العاطفي، والذي يجبرهم على تحمُّل الألم دون مقاومته أو التعبير عنه؛ لأنَّهم يعتقدون أنَّ الشكوى ستعرِّضهم إلى مزيدٍ من المشكلات؛ مما يجعلهم يتظاهرون وكأنَّ لا شيء يزعجهم، في محاولة بائسة للتظاهر بالقوة.
2. السمات الوراثية
لقد وُلِد بعض الأشخاص انطوائيين بصورة استثنائية؛ فيصعُب عليهم التعبير عن أنفسهم أو إيجاد الكلمات المناسبة لوصفِ عواطفهم. يشعر هؤلاء الأشخاص غالباً بالحساسية المُفرطة تجاه الرفض أو التخلِّي، ولا يخاطروا بمحاولة إبداء مشاعرهم حتى لا يظهرون ضعفاء أو غير جذَّابين. يميل هؤلاء الأشخاص عادةً إلى شركاء يحبُّون تولِّي السيطرة والتحكُّم في العلاقة من أجل تجنُّب الصراع. ومع ذلك، يؤلمهم ذلك داخلياً؛ لأنَّه يجعلهم حبيسي عوالمهم الداخلية ويحرمهم من التعبير عمَّا يشعرون به.
3. الخوف من الاقتراب
ثمَّة نوعية من الناس يخشون التقرُّب إلى الآخرين، ولا يتحملون الهجر في الوقت نفسه؛ لذا نجد أنَّهم يقتربون من شركائهم حينٍ ويدفعونهم حين، وهكذا دواليك؛ ممَّا يجعلهم غير قريبين، وغير بعيدين. سواء كانوا يفعلون ذلك عن وعيٍ أو لا، نعلم جميعًا أنَّ العلاقات لا تستمر بهذه الطريقة، وحتى إذا نجح الأمر لبعض الوقت، فهو لن يطول بالتأكيد. من المؤسف أنَّ هؤلاء الأشخاص يدخلون في حلقة مفرغة من الألم نتيجة لذلك؛ لأنَّه بعدما يهجرهم شركاؤهم، تنخفض ثقتهم بالآخرين أكثر فأكثر؛ ممَّا يعرِّضهم إلى مزيدٍ من تفضيل آلام الوحدة. وفي النهاية، يصبح الأمر مكلفاً للغاية.
4. الخوف من إبداء الضعف
ربما أصبح الأشخاص المنغلقون على هذه الشاكلة نظرًا لتجاهل ضعفهم وغضبهم وخوفهم في الماضي أو السخرية منهم؛ فأدَّى هذا إلى برمجة استجابة لهذا الرفض بالصمتِ والحذر، حتى عندما يحملون الكثير بداخلهم. في الواقع، يفضِّل هؤلاء الأشخاص الاختباء تحت ذريعة حب العزلة بدلًا من إبداء أحاسيسهم، حتى لو كان ذلك مؤلمًا، فهم يختارون أسى الكتمان بدلًا من ألم التعرُّض لمثل هذه الجراح القديمة ثانيًا.
متى يتحرَّك الأشخاص المنعزلون عاطفيًّا؟
فقط عندما يصبح ألم الوحدة والحزن لا يُطاق، يبحث هؤلاء الأشخاص عن حلول، ويستعدون لتحمُّل مخاطر التواصل العاطفي مع شخصٍ يثقون به، أو ربما يتخذون خطوة صائبة ويخضعون للعلاج النفسي لفهم صراعاتهم الداخلية وتعلُّم طلب المساعدة عندما يحتاجون إليها. يتطلَّب مثل هؤلاء الأشخاص شريكًا صبورًا يتسلل إلى قلوبهم، ويصغي إليهم، ويتفهَّم آلامهم وصراعاتهم الداخلية. وإذا اشتعلت بداخلهم الرغبة في التحسُّن، فسوف تكون الخطوة الأولى والأهم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 835
إليك أربعة أسباب توضِّح ادِّعاء البعض بالسعادة في الوِحدة رغم ألمهم الشديد
link https://ziid.net/?p=96304