بين الحزن الإنساني الطبيعي والاكتئاب المرضي خلط كبير في المفاهيم، يشكل الاكتئاب المرضي ثالث سبب عالمياً في العبأ المرضي في عام 2004 ويتوقع أن يقفز للمرتبة الأولى بحلول 2030 حسب تقرير منظمة الصحة العالمية. الاكتئاب مرض حقيقي وهو أكثر من مجرد الشعور بالحزن لعدة أيام، هو شعور متواصل بالهبوط والحزن والانهزامية واليأس لمدة أسابيع أو أشهر، يمكن أن تقول إنه فقدان الشهية للحياة.
لا تفوت مقالي: “5 معتقدات خاطئة شائعة عن الأمراض النفسية”.
لكن الناس تخلط في ذلك كثيراً، فيتعبرون حزنهم أو ألمهم لظرف مر بهم هو نفسه الاكتئاب المرضي، ولكنه ليس كذلك، فبمجرد أن تكون قادراً على الشعور بالمتعة اليوم التالي أو الذي يليه فالأمر بعيد عن الوصف المرضي، وبمجرد أن تجد الحزن يذهب خلال يومين فالأمر بعيد كذلك. ولكن كيف تفرق حقيقة؟
ما هي أهم الأعراض المرضية؟
1- الحزن واحد من أعراض الاكتئاب:
الاكتئاب المرضي مجموعة من الأعراض والحزن مجرد واحد منها، من أعراضه الهامة التعب المستمر، الانسحاب الاجتماعي، البقاء وحيداً، فقدان المتعة، الآلام الجسدية، اضطراب النوم مثل صعوبة النوم أو النوم الشديد، القلق، اضطراب الشهية إما فقدان الشهية للطعام أو زيادتها، الشعور بالذنب وعدم القيمة، البكاء المستمر أحياناً بدون سبب واضح، فقدان الهدف، الأفكار الانتحارية أو أفكار إيذاء الذات، وبحسب كمية الأعراض يوصف المرض من متوسط لشديد.
ورغم أنك قد تطابق العديد من هذه الأعراض على نفسك ولكن يصعب أن تفهم تماماً الشكل المرضي لها، فشرح الاكتئاب يبدو صعباً أحياناً لشخص لم يختبر الأعراض حقيقة. كان أحد الأطباء النفسيين من أمريكا يميز الاكتئاب المرضي بفقدان المتعة، وهو أشياء كنت تستمع بها من قبل مثل البيتزا ونزهة الحديقة لم تعد ممتعة كالسابق، ويميزه آخرون باستمرار الأعراض لفترة طويلة، كما يقول لك آخرون أن المرضى عادة يعانون من هذه الأعراض صباحاً أكثر، ويتحسن الأمر في الليل، حيث يشعر المريض عندما يستيقظ أنه يتمنى لو لم يأت اليوم.
2- تستمر الأعراض مدة طويلة:
يجب أن تستمر الأعراض لمدة أسبوعين فما فوق حتى تعتبر مرضية، وعموماً المصاب بالاكتئاب قد يعيش شهوراً فيه، وربما سنوات بحسب درجة الاكتئاب لديه.
3- المريض يحاول إخفاء أعراضه ويشعر بالخجل من نفسه:
قد يميز بأن المريض يصعب عليه الاعتراف بالأمر، فهو يخفي أعراضه وقد لا يبدو عليه الاكتئاب أمام الآخرين، يشعر بأنه المخطئ للإحساس بذلك، فالشعور بالذنب من أحد أعراضه،
أتذكر الآن قصة مريضة اكتئاب كانت تقول بلسانها أنها كانت الأولى على المدرسة وكانت متفوقة ومحظوظة للغاية والجميع يهتف بها، وتقول في أحد الأيام نلت المرتبة الأولى والجميع ينظر لي، لا أحد عرف أنني في الحقيقة عدت ذلك اليوم إلى المنزل وكنت حزينة للغاية وأبكي، كانت تشعر أنها حقاً يجب ألا تكون حزينة، ولا سبب للحزن، لكنها لا تعرف لماذا هي غير سعيدة.
دخلت في العلاج ضمن أحد أنواعه وهو العلاج الجماعي، أي حضور اجتماعات تضم أشخاصاً يحملون نفس المرض، وتقول أنها بدأت تتخاطب مع آخرين من مثلها وعرفت أنها ليست الوحيدة التي تمر بذلك، وهذا هو مبدأ العلاج الجماعي في الطب النفسي.
4- الأعراض معممة:
الحزن وفقدان الأمل والهبوط شعور معمم على كل حياة المريض، هي لا تتعلق بمكان معين أو ظرف معين أو أشخاص معينين، هي أعراض تسبب تلون الأيام بشكل عام بلون هامد. ابحث على اليوتيوب تحت عنوان “كيف تبدو الحياة مع مرض الاكتئاب” ستسمع الكثير من القصص، وكذلك: “How is it like to have depression”.
5- أحياناً لا يكون الاكتئاب المرضي ذو سبب سابق:
مثل القصة السابقة لا يجب أن يحدث الاكتئاب مع سبب، قد يحدث بدون سبب، مع أن الأسباب والصدمات قد تحرض نوبة اكتئاب، يلاحظ أن الوراثة أحياناً تلعب دوراً في وجود تربة نفسية للمريض.
6- الاكتئاب المرضي أحياناً معطل عن الحياة:
القيام من السرير يبدو صعباً للمريض، الخروج من الغرفة مأساة، قد يحدث شعور دائم بعدم الرغبة بمغادرة المنزل، وعدم القيام بأي شيء حتى أحياناً الاهتمام بالنظافة الشخصية، قد لا يستطيع المريض الذهاب للعمل أو الجامعة، ويفوت مواعيده لأنه غير قادر على الذهاب. إن تفويت مواعيد العمل والدراسة قد تسبب تراجعاً للمريض في أداءه وسمعته، لذا فإن وجود أعراض معطلة عن أداء النشاطات اليومية يشير إلى أعراض الاكتئاب المرضي.
7- مقولات كن سعيداً مرهقة أكثر:
إن محاولات الآخرين التي يقومون بها من مثل كن سعيداً، ولا يجب أن تكون ضعيفاً تزيد المشكلة أحياناً، فمريض الاكتئاب هو أصلاً يشعر الذنب، وإن قيام أحد ما بإشعاره بالمزيد من الذنب لا يحل المشكلة، بل يزداد شعوره بأنه لا يستطيع مقاومة ما يحدث له، وأنه سيء، وجود مثل هذه العلامات تزيد نسبة كون الأعراض مرضية وليست حزناً عابراً.
8- فكرة الاكتئاب الوجودي:
أحد الأطباء المتمرسين في الطب النفسي في أمريكا وهو بالأصل عربي يذكر هذا الصنف، حيث يذكر نوعاً للاكتئاب حدث في العصر الحديث يتعلق بهوية الإنسان وأهدافه، فأصبح كل شخص يبحث عن إنجازه وعندما ينعدم الإنجاز لديه يشعر بالاكتئاب، وهي فكرة واقتراح. هذا الفيديو عن هذه الفكرة من هذا الرابط.
نصيحتي لك في الختام:
التمييز بين الاكتئاب المرضي والحزن العابر أحياناً يكون صعباً، فهناك تداخل كبير بين الأعراض وتفاوت في شدتها، وتداخل بين الحقائق التي ذكرناها، يمكنك زيارة الطبيب النفسي إذا وجدت أن بعضاً من هذا الكلام ينطبق عليك.
وأذكر لك قصة في النهاية عن تجربة نقلها أحد زملائي من الأطباء النفسيين يذكر فيها قصة مريضة مصابة بسرطان في الثدي وجاءت لديه لتتعالج من الاكتئاب، فعندما تحسنت قالت جملة له: الحمد لله الذي عافاني من هذا، كان مرعباً، فظن الطبيب أنها تقصد السرطان لكنها قالت له إنه الاكتئاب، فدهش كيف كان الاكتئاب بالنسبة لها أفظع من السرطان بحد ذاته!
تعرف في هذا المقال على الفرق بين الحزن العابر والاكتئاب المرضي
link https://ziid.net/?p=45188