هل الجميع بخير في ظل الجائحة؟ حسنًا، لنسأل السوشال ميديا
درس الباحثون في السلوك انطباعات الناس عبر الإنترنت لقياس الصحة العقلية العامة. ولم تكن النتائج مبشرة.
add تابِعني remove_red_eye 91,100
أيهم أتعس يوم من بينها جميعًا؟ هذا هو السؤال الذي قد تطرحه على نفسك، أثناء تفقد “حطام” عام 2020 حتى الآن. هناك الكثير من المتنافسين الذين يجب أخذهم في الحسبان: هل كان ذلك يوم الخميس، (12) مارس (آذار)، في اليوم التالي لإعلان توم هانكس إصابته بالجائحة؟ هل كان يوم 4 أغسطس (آب)، عندما انفجر مرفأ بيروت مخلّفًا خسائر مادية وبشرية ونفسية فادحة؟
في الواقع، لم يكن أي منهما، وفقًا لمختبر القصة الحاسوبية بجامعة فيرمونت. ويقدم المختبر -عوضًا عن ذلك- هذه الإجابة: الأحد، 31 مايو. لم يكن ذلك اليوم هو أتعس يوم في عام 2020 حتى الآن، بل كان أيضًا أتعس يوم سجله المختبر في آخر 13 عامًا (أو على الأقل، أتعس يوم على تويتر).
يسميه الباحثون مقياس الهيدونوميتر. وقد اخترعه كلٌ مِن (كريس دانفورث-Chris Danforth) وشريكه (بيتر دودز-Peter Dodds)، وهما عالِمَا رياضيات وكمبيوتر متمرسان ومن المؤسسين المشاركين للمختبر. يعمل مقياس الهيدونوميتر منذ أكثر من عقد حتى الآن، حيث يقيس اختيارات الكلمات عبر ملايين التغريدات يوميًّا في جميع أنحاء العالم، للتوصل إلى مؤشر حيوي للرفاهية.
أسعد يوم على تويتر
في الواقع، في آخر مرة سألت فيها صحيفة (نيويورك تايمز) فريق الهيدونوميتر عام 2015، أطلعها الفريق على مَيْل الجميع نحو الإيجابية المطلقة على شبكات التواصل الاجتماعي. وصرّح الدكتور دانفورث بتعليق “كانت سنة 2015م واحدة من أسعد الأعوام على تويتر، على الأقل بالنسبة للغة الإنجليزية“. تبدو هذه النتيجة الآن قطعة أثرية من عصر قديم. “منذ ذلك الحين استمرّ المقياس في التراجع. إنما ما زلنا نجهل مقدار السعادة. فمن الصعب قياسها، ولا نملك الكثير من البيانات حول أداء الناس”
مختبر القصة الحاسوبية هو جزء من مجال صغير ولكنه متزايد من الباحثين الذين يحاولون تحليل صحتنا النفسية على المستوى المحليّ من خلال منظور حياتنا على الإنترنت. بعد كل شيء، لم يكن لدينا من قبل مثل هذا المخزون الهائل من البيانات في الوقت الفعلي -أو ما يُعرف بـ “الآثار الرقمية”- للاختيار من بينها.
ولم يرتفع هذا المخزون من المعلومات أبدًا كما هو الحال في صيف 2020:
في الأشهر الأولى من الوباء، أظهر موقع تويتر زيادة بنسبة 34% في متوسط زيارات المستخدم اليومية. فبدون حياتنا الاجتماعية العادية، تبدو وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا الآن أشبه بالحياة الواقعية أكثر من أي وقت مضى. منذ عام 2008م، قام مقياس الهيدونوميتر بجمع 10% من جميع التغريدات العامة، كل يوم، عبر اثنتي عشرة لغة. تقوم الأداة بعد ذلك بالبحث عن الكلمات المُصنفة من حيث دلالاتها السعيدة أو الحزينة، وتحسبها ثم تحسب نوعًا من متوسط السعادة المحلية بناءً على الكلمات المُهيمنة.
اليوم المشهود
في 31 مايو، تضمنت الكلمات الأكثر استخدامًا على موقع تويتر باللغة الإنجليزية “إرهابي” و “عنف” و “عنصري”. كان هذا بعد حوالي أسبوع من مقتل جورج فلويد، بالقرب من بداية الاحتجاجات التي استمرّت طوال الصيف.
منذ بداية الوباء، سجلت قراءات الحزن لمقياس الهيدونوميتر نتائج متعددة. يقول الدكتور دانفورث: “على مدار شهر كامل، أظهر مقياس الهيدونومتر أننا الأكثر حزنًا من يوم ماراثون بوسطن. اهتمامنا الجماعي سريع الزوال. لذلك كان من اللافت للنظر حقًّا أن الآلة -لأول مرة- أظهرت هذا المزاج المستدام والاكتئاب، ثم ازداد الأمر سوءًا، عندما بدأت الاحتجاجات”.
أصبح (جيمس بينيبيكر-James Pennebaker)، مؤسس قسم تحليل اللغة عبر الإنترنت وعالم النفس الاجتماعي بجامعة تكساس في أوستن، مهتمًا بما يكشفه اختيارنا للكلمات عن أنفسنا ومزاجنا وشخصياتنا.
قال الدكتور بينيبيكر، مؤلف كتاب “الحياة السرية للضمائر / The Secret Life of Pronouns“: “هذه الآثار الرقمية هي علامات لا علم لنا بها، ولكنها تُظهر مؤشرات تخبرنا عن درجة تجنبك للأشياء، ودرجة ارتباطك بالأشخاص، وهي تنبؤنا عن مقدار اهتمامنا بالعالم من حولنا” لكن، كما قال الدكتور بينيبيكر، فإن إحدى تحديات هذا النوع من البحث هو أن اللغة نفسها تتطور دائمًا، والخوارزميات سيئة في تمييز السياق.
لنأخذ على سبيل المثال الشتائم. يقول “لقد تغيرت الكلمات البذيئة في السنوات العشر الماضية”، مشيرًا إلى أنه بعيدًا عن أن تكون بالضرورة تعبيرًا عن الغضب، يمكن أن تكون الشتائم إما عرضية تمامًا -أو حتى إيجابية- وغالبًا ما تستخدم للتأكيد على إيماننا بنقطة معينة أو للتعبير عن الحماسة تجاه أمرٍ ما.
تفحص (مونمان دي شودري- Munmun De Choudhury)، الأستاذ في كلية الحوسبة التفاعلية في كلية جورجيا لتقنية المعلومات، البيانات الرقمية للحصول على رؤى مستنيرة حول الرفاهية. ركز عمل الدكتور دي شودري على مر السنين ليس فقط على الدراسات الجماعية، مثل مقياس الهيدونوميتر، ولكن أيضًا على الفرد.
هل يمكن التنبؤ باكتئاب ما بعد الولادة؟
في عام 2013م، وجدت هي وزملاؤها أنه من خلال تأمل منشورات الأمهات الجدد على شبكات التواصل الاجتماعي، تمكنوا من التنبؤ بأيّ منهنّ قد تصاب باكتئاب ما بعد الولادة، بناءً على منشوراتهن قبل ولادة أطفالهن. واحدة من أكثر العلامات دلالة؟ استخدام ضمائر المفرد، مثل “أنا”
قالت د. دي شودري: “إذا كنت أتحدث باستمرار عن (الأنا)، فهذا يعني أن اهتمامي ينصب على دواخلي. وفي سياق العلامات الأخرى، يمكن أن يكون ذلك مرتبطًا بمرض نفسي” ظهر هذا الاكتشاف لأول مرة في عمل الدكتورة بينيبيكر، لكن الدكتورة دي شودري قالت: إن دراسة معينة كانت “موسعة للمدارك” بالنسبة لها.
يساعد استخدام البيانات المستقاة من شبكات التواصل الاجتماعي لدراسة الصحة النفسية أيضًا في معالجة مشكلة من نوع WEIRD [اختصار يصف كيف أن أبحاث علم النفس غالبًا ما تتكون حصريًّا من موضوعات غربية ومتعلمة ومن دول صناعية وغنية وديمقراطية].
تقول د. دي شودري: “توفر وسائل التواصل الاجتماعي فائدة كبيرة لأن معظم الأبحاث المتعلقة بالصحة النفسية كُتبت استنادًا على مشاهدات شخصية، لذلك غالبًا ما كنّا نلجأ لإجراء استطلاعات. وكان الأشخاص الذين تُجرى عليهم هذه الاستطلاعات إما طلاب جامعيون أو مرضى في عيادة. نحن الآن قادرون على إلقاء نظرة على مجموعة متنوعة أكثر بكثير من تجارب الصحة النفسية”.
مدى موثوقية السوشال ميديا لمعلومات الصحة النفسية
بفحص بيانات “تويتر” خلال الشهرين الأولين من تفشي الوباء في الولايات المتحدة، بحثت د. دي شودري عن مؤشرات ليس فقط لحزن بسيط، مثل مقياس الهيدونوميتر، ولكن أيضًا القلق والاكتئاب والتوتر والأفكار الانتحارية. ومما لا يثير الدهشة، أنها وجدت أن كل هذه المستويات كانت أعلى بكثير مما كانت عليه في نفس الأشهر من العام الفائت.
قد تتساءل عما إذا كان “تويتر” يمثل حقًّا مصدرًا موثوقًا للتحقق من حالة الصحة النفسية للعامة. بعد كل شيء، يميل العديد من مستخدميه إلى وصفه بالموقع الموبوء! أظهرت بعض الدراسات أن الاستخدام المتكرر لوسائل التواصل الاجتماعي يرتبط بالاكتئاب والقلق. هل يمكننا حقًّا فهم معدلات السعادة محليًّا بالاستناد إلى هذه البيئة الرقمية الخاصة ودراسة جزء من السكان -واحد من كل خمسة في عام 2019م- الذين يستخدمون تويتر بانتظام؟
تعتقد “أنجيلا شياو-Angela Xiao Wu”، الأستاذ المساعد في الإعلام والثقافة والاتصال في جامعة نيويورك، أنه لا يمكننا ذلك. وتقول أنه في الاندفاع لتبنيّ البيانات، يتجاهل العديد من الباحثين الآثار المشوهة للمنصات نفسها.
نحن نعلم أن خوارزميات “تويتر” مصممة لإبقائنا مرتبطين بالصفحة الرئيسية، ونستثمر عاطفيًّا في المحتوى الذي نراه، والذي يُساهم في إبقائنا ضمن حالة ذهنية معينة.
في الواقع، يقرّ (يوهانس إيششتيدت-Johannes Eichstaedt)، عالم الاجتماع الحاسوبي في ستانفورد، ومؤسس مشروع World Well Being، بأن الأساليب مثل تلك التي يستخدمها مختبره بعيدة كل البعد عن الكمال. قال: “أود أن أقول إن الأمر يتعلق بلغة البرمجة، إنما -إن شئنا الدقة- فتلك البيانات ليست دقيقة، ومع ذلك.. تبقى أفضل من لا شيء.”
اقرأ أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 91,100
مقال مثير يتناول العديد من المعلومات المبهرة عن سلوك الناس بناء على قياس ما يغردونه
link https://ziid.net/?p=77830