الكورونا تجعل من العالم قرية صغيرة
كنا نتوهم فروقًا شاسعة تفصلنا عن دول العالم الأول، ولكن الكورونا أثبتت أننا جميعًا متساوين والخطر لا يفرق بين دول عالم أول وثالث
add تابِعني remove_red_eye 159
اليوم هو العشرين من نيسان للعام العشرين بعد الألفية الثانية. وقد أصبح العالم أصغر وأصغر. أصبح مكانًا واحدًا لدرجة أن الهواء الذي يتنفسه الشعوب في جميع أرجاء العالم قد أصبح هواءً واحدًا رغم اختلاف المكان والظروف البيئية. حيث إن هنالك عدوًّا واحدًا نواجهه جميعًا موجود في كل مكان.
البداية
بدأ في مقاطعة صغيرة في بلد ظنه الجميع نائيًا عنها حتى انتشر في جميع بقاع الأرض، أو لنقل في جميع بقاع الأرض المعروفة. فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19 قد أصبح الآن خطرًا يهدد العالم أجمع. لا يفرق بين عرقٍ أو سن، ولا بين تقدمٍ أو تخلف. لا يفرق بين شعبٍ وشعب. يجتاح العالم في رعب حتى أجبر الناس على المكوث في بيوتها، وأجبر الحكومات على فرض حظر تجوال في بعض المناطق وفرض الحجر الصحي على العالم كله.
العالم هشّ وقد يأتي شيء صغير كهذا، شيء لا يرى بالعين المجردة، ولكنه شرس ولسوء الحظ يستطيع أن يكون قاتلًا متى شاء، قد يأتي ويدمر كل شيء. يفسد كل الخطط، يسقط منظمات وقطاعات صحية كاملة كانت قد صنفت من قبل من أقوى المؤسسات في العالم.
على أيّ أساس توضع المعايير؟
وهذا ينقلنا إلى نقطة مهمة، وضع المعايير والمقاييس. على أي أساس توضع المعايير؟ على أي أساس يدرج اسم قطاع صحي لبلدٍ ما من ضمن أقوى المنظمات الصحية في العالم وهي لم تواجه خطرًا كهذا من قبل؟ هل عندما جاء الطاعون ظهرت تلك المعايير؟ أم أن الأسى والحزن خيم على جزء كبير، وكبير جدًّا من العالم؟ الكوليرا عندما اجتاحت الكرة الأرضية وأزهقت أرواح الكثيرين كان هناك سبب وجيه لذلك، وهو انعدام الثقافة واختفاء التعليم وانتشار الجهل. لو كان العالم حينها أو على الأقل يملك خُمس ما يملكه الآن من تقدم أو تطور في المجال الصحي لانتهت الكوليرا على الفور وبأقل الخسائر الممكنة.
القطاعات الصحية في الوقت الحالي تبطيء كثيرًا من هجوم (كوفيد-19) وهذا ما لا شك فيه. لولا تلك الرعاية الصحية الممتازة والقوانين الصارمة في البلاد، بالرغم من انعدام الصرامة في مناطق أخرى وكما نرى الكارثة تأتي بلا هوادة، فإن الضرر سيكون بالغًا والاجتياح سيكون أكثر ضراوة. كانت الصين هي مركز الوباء ولكن كيف تعاملت الصين مع الموقف وهي التي تضم أكثر من مليار وربع المليار نسمة؟ استطاعت الصين بامتياز وحزم تخطي ذلك الموقف الصعب بأفضل الطرق وبأقل الخسائر الممكنة رغم تسجيلها العدد الأكبر من الإصابات إلى وقت قريب.
الوعي سبيل النجاة
ثقافة الشعب وقوانين الحكومة ووعي المنظومتين مع تقدم الرعاية الصحية كانت عوامل فاعلة وفعالة في تجاوز الموقف والقضاء على (كوفيد-19) على الصعيد الآخر انظر إلى الشعوب الأوروبية التي من المفترض أن تكون أكثر تقدمًا وثقافةً وأكثر منطقيةً في التعامل مع مثل تلك المواقف. ماذا فعلت الشعوب الأوروبية؟ استهتار تامّ بخطورة الموقف وعدم الانصياع للقوانين التي قد جاءت متأخرة جدًّا من الحكومات وهذا خطأ آخر. لم يستمعوا حتى للنصائح والإرشادات التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية والتعليمات التي أصدرتها الصين في التعامل مع الموقف. انظر كيف تزايدت الأعداد بالآلاف في القارة العجوز التي كانت بؤرة المرض قبل دخول الولايات المتحدة في السباق.
الشعوب العربية في الحقيقة لا نعلم مدى مصداقية الأعداد بها ولكن نأمل أن تكون الأعداد المذكورة هي الأعداد الصحيحة وأن الوضع تحت السيطرة بالفعل. وأبسط مثال تعامل الحكومة المصرية مع الوضع الراهن، هو ليس تعاملًا مثاليًا خاليًا من أي أخطاء، ولكن يمكننا القول بأنه تعامل ممتاز حتى الآن رغم قلة الإمكانيات المتاحة وقلة الوعي والثقافة عند الشعب المصري. بالإضافة إلى الاستهتار الموجود لا محالة والتهاون في التعامل مع قوانين الحجر الصحي من قبل المجتمع المصري العنيد بطبعه. كما أن هناك قرارات كان لا بد منها ولكنها جاءت متأخرة، وقرارات أخرى لم تأت حتى الآن، وقرارات قد اتُخذت في توقيت مناسب وقد تم تنفيذها على مستوى عالٍ من الجدية للأمانة.
الفرق هنا بين البلاد هو الوعي. الوعي الذي سيمنع انتشار مرض مثل هذا بين الناس. تطبيق الحجر الصحي على نفسك وعلى كافة أفراد أسرتك لن يحميك أنت فقط، بل سيحمي المئات من حولك، وسيساعد كثيرًا منظمات القطاع الصحي في التعامل مع الحالات المصابة التي ستقل تدريجيًّا نظرًا لقلة مخالطة المصابين بأشخاص آخرين. سيساعد ذلك كثيرًا في الحد من انتشار المرض.
رحلة الإصابة بفيروس كورونا من البداية حتى التعافي
سيأتي الربيع يومًا ما
هذا حدث من أكثر الأحداث المأساوية التي مرت على البشرية. مثله مثل الحروب والأوبئة السابقة. وفي العصر الحديث لم نشهد حدثًا جللًا قد أرعب العالم ككل من بعد الحرب العالمية الثانية حتى ظهر ذلك الوباء. كما أن الخسائر كبيرة نسبيًا وتعتبر واحدة من أكبر الخسائر التي مرت على العرق البشري في العصر الحديث.
القرارات العنترية كما حدث في الحربين العالمية الأولى والثانية والحروب الصغيرة والحروب الأهلية على مر الزمان، وفي التعامل مع أوبئة وجائحات أخرى هي التي تكلف العرق البشري الكثير. تذهب أرواح الناس سدى بسبب الجهل الشديد والتهاون في التعامل مع الأزمات. وهذا يُتبع بإنهاك شديد لكافة الاتجاهات، سواء اقتصادية، صحية، سياسية أو حياتية. بالتبعية كل شيء سيتأثر بعد أن تمر الأزمة. على الجميع أن يلتزم ويتبع قوانين منظمة الصحة الدولية والقوانين المحلية التي تفرضها البلاد في مثل هذه الظروف لنجتاز هذه الأزمة المأساوية بسلام وبأقل الخسائر الممكنة.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- “تداووا، فإن الله -عزّ وجل- لم يضع داء إلا وضع له دواء، غير داء واحد، الهرم” وله روايات أخرى. في الأخير فإن هذه الأزمة ستمر وسيأتي الربيع يومًا ما. ولكن نريدها أن تمر بأقل الخسائر الممكنة، والالتزام بالحجر الصحي هو الحل الأسلم والأوقع في مثل هذه الظروف. عافانا الله وعافاكم.
add تابِعني remove_red_eye 159
مقال يتناول الكورونا من وجهة نظر شيقة ومثيرة
link https://ziid.net/?p=53229