البروباجندا والرأسمالية وطرقهما نحو تحطيمنا
نحن لا نمثل قيمة في نظر الشركات الرأسمالية، سوى أننا سخرة تستخدمنا وتستغلنا وفي النهاية تستبدلنا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
في عالم تحول كل شيء فيه إلى جزء هش يسهل كسره، ابتدعت الشركات الكبرى طرقًا جديدة باستخدام الحملات الإعلامية وعارضات الأزياء والأصوات الأكثر شعبية من المغنين والممثلين لبيع منتجاتها بسهولة وعلى نطاق واسع.
فمنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحول العالم لمريض يحاول تضميد جراحه، استهدفت الحملات الإعلامية النقاط الأكثر ضعفًا في نفوس الأفراد، وسلوكه البديهي القائم على التقليد لجعله يستهلك منتجاتها بشكل مبالغ لدرجة تصل إلى تحطيم ذاته، فما زالت لعنة الرجل الأبيض تطردنا أينما حللنا، فمثلا رغم أن مصر دولة في قارة أفريقيا ويغلب على أكثر سكانها البشرة الغامقة، إلا أن الشركات تروج بشراسة لمنتجات تفتيح البشرة (والتي بالمناسبة تسبب أمراضًا سرطانية علي المدى البعيد) فتبدأ الشركات بوضع المعايير العامة للجمال والتي تلتزم بها المجتمعات سريعًا، تبعًا لرواسب خضوع نتيجة احتلال قديم ما زال في أعماق أرواحهم يطفو من حين إلى آخر دون أن يدروا بها.
لعنة الشركات التي تدمرنا
لا يهم الشركات المصنعة لمنتجات التجميل سوى أن تستنزف مالَك حتى آخر قرش، ومن هنا عزيزي المواطن الأفريقي ذو البشرة السمراء، يجب أن تصبح بشرتك بيضاء، فتشتري منتجات باهظة لتحقيق الغرض المطلوب، ثم تحتاج أن يكون جسدك رياضيًّا يحتاج المكملات الغذائية بداعٍ وبدون داعٍ، فتشتري، وبالطبع لن يكتمل الجسد الرائع دون ملابس غالية من ماركات عالمية تقتل عمالتها الرخيصة في باكستان والهند، وبعدها بعدة أشهر أو أقل تكتسح موضة جديدة عالمك، تشعرك بأن ملابسك الزاهية التي لم تغسل سوى مرتين أصبحت رثة، ولأجل أن تعيد الثقة في نفسك مجددًا، عليك أن تشتري مجددًا وهكذا، تحشر في دائرة تكون فيها الفأر المتعب التائه الذي لا يكف عن الحركة.
ثم تأتي شركات الأدوية كبطل خارق، يعطيك وعود الإنقاذ بأدويته المهدئة، ودائرة لا تنتهي من البؤس لا تسببه سوى الشركات الرأسمالية.
صالونات التجميل (أنت قبيحة)
الآن أصبحت إعلانات صالونات التجميل التي تعدك بشعر ناعم كالحرير في كل مكان، ولن نقف عند هذا الحد سَنَهَبُك “ميكب أب” ثابت على بشرتك لمدة عام كامل لن يستطيع الماء إزالته، استيقظي كل صباح ببشرة لا تشيخ مليئة بالنضارة والجمال، سيُجنّ زوجك بك. لديك حبوب في وجهك القبيح، سنتخلص منها بوسائل مذهلة ستكوي وجهك ولكن لا يهم، فلدينا عروض لنفخ شفاهك الرقيقة الغبية، ونفخ خدود وجهك الصغير، ما هذا؟! شعر في جسدك يا للقرف، سنحولك لباربي التي تحبينها، لا تقلقي، فقط ادفعي. فنحن ليس لدينا الحق في أن نرى سنين العمر الذي حملناها على ظهورنا تظهر بخطوط رقيقة على وجوهنا، فيجب إخفاؤها أو محوها.
منذ عدة أيام ذهبت مع صديقتي التي لم تعد تشعر بالراحة مع شعرها الجميل إلى إحدى صالونات التجميل المشهورة، فهي عروس جديد وترغب أن تشبه عارضات الأزياء الجذابات، فبعد أن تفحصت المرأة المسئولة هناك شعر صديقتي بازدراء، وأطلقت بعض النكات السخيفة، اتفقت معها على مبلغ هائل من المال نظير بعض المنتجات السخيفة، ووافقت صديقتي بحماس جعلها تجلس لما يزيد عن عشر ساعات لتحصل على المظهر المطلوب.
لسنا قبيحات نحن فتيات
نحن حقا لسن قبيحات، كل ما تروج له البلوجرات على مواقع التواصل الاجتماعي من منتجات، تضغط على المناطق غير الآمنة في أرواحنا، ليست إلا محض هراء إعلامي يرغب باستغلالنا. تجعلنا دائمًا موضوع مقارنة، تنبثق أفكار في عقولنا تجعلنا نشمئز من أنفسنا ونكرهها، دهوني متراكمة في كل جسدي، أنا نحيفة أكثر من اللازم، لست جميلة بما يكفي ليحبني أحدهم، شعري مجعد.. إلخ.
ندفع نحو كره أجسادنا وبشرتنا، نخاف التجاعيد، ننظر إليها بقبح، وكأنها ليست من المفترض أن تخطو في بشرتنا الملائكية، نهرع نحو كريمات بأسعار خيالية لنقاوم لعنة الزمان، لنكن دائمًا أصغر، موضع الاهتمام، مرغوبين من الجنس الآخر، واثقين في أنفسنا. ولكن الحقيقة نحن بشر نتقدم في العمر حتى نصل للنهاية، نحن مختلفات في الجسد والبشرة والشعر، وعلينا تقبل ما نراه في عيوننا نواقص، نحاول أن ننظر لأنفسنا بشكل مختلف، نحبها ونتوقف عن المقارنة الملعونة. لا داعي لأن نكون نسخة مزيفة من أحدهم، لا داعي لأن نخسر أنفسنا، لنفوز باهتمام عابر من أحدهم.
عندما نتواصل لاتفاقية سلام مع وضعنا وشكل أجسادنا، سنعمل على تطويرها، وصقلها بكل ما يجعلنا أفضل وأجمل في عيوننا نحن، فأنا لا أروج أن نتوقف عن العناية بأنفسنا عن طريق شراء بعض المنتجات، ولكن ما أقوله أن نحب أنفسنا كما وهبت لنا، فنحن لسن محشورات في صورة نمطية يجب تحقيقها، ولا يجب أن نستمد ثقتنا من أشياء مادية متغيرة، ولكن من جوهر روحنا الذي نصقله بالمعرفة والحب.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مقال مثير حول الشركات الرأسمالية وطريقة تعاملها مع جمهور المستهلكين
link https://ziid.net/?p=76401