لم أستطع مسك يده: مشهد مؤلم في عيادة الأسنان
حين تحدث الأزمة فنجد أنفسنا نعاني بصمت، نعاني الألم ونعاني الوحدة ونرفض حتى الإفصاح عما يدور في قلوبنا
add تابِعني remove_red_eye 446
يومًا بعد يوم تتراكم بداخلك الكثير من المشاعر المؤلمة، يبدو أن عامل السن هنا غير قاصر على مفهوم الزواج فقط ومدي تقبلي لأي شخص أيًّا كانت ماهيته وصفته، فأنا لم يعد لدي حق الاعتراض؛ إنما أيضًا وصل لحدّ الأسنان. لا داعٍ للتعجب، سأشرح لكم الأمر بالتفصيل، لكن دون مقاطعة لو تكرمتكم، فأنا بحاجة للسرد أكثر من حاجتكم للاستماع.
قرأت كثيرًا عن جراحة تنزيل الأنياب المطمورة وخاصة بعد اكتشافي أن الناب العلوي الذي سقط فجأة هو ناب لبني، وبعد الكشف وعمل بانوراما تأكدت من وجود أنياب مدفونة بالفك العلوي وكلاهما معوج، وكان لا بد من عمل تقويم للأسنان قبل الجراحة. أكثر شيء أقلقني أن عددًا من الزملاء قال لي (كلما زاد عمر المريض، كانت هناك فرصة عالية جدًّا في أن يكون السن ملتحمًا في وضعه المدفون، ولن ينفع التقويم حينئذ، والحل الوحيد هو خلع الأنياب جراحيًّا وأخذ وسيلة علاج أخرى كالتركيب أو الزراعة).
لم أُلْق بالًا لكلامهم، وخاصة بعدما سألت طبيبي المعالج وأجريت الأشعة اللازمة، في خلال عام ونصف العام تابعت وبدأت بتركيب ومتابعة التقويم وعمل أشعة كل فترة بأريحية تامة. لكن، لا وجود للأمان المطلق؛ وهذا يعني أن كل شيء في هذه الحياة بوسعه أن يهشّم حائط أمانك ويُلقيك في الفزع مرّةً بعد مرّة..
رددتها مراتٍ ومرات، أما اليوم السابع عشر من حزيران كان هو الأساس، لأنه يوم يستحق التدوين والتخليد كذكرى لا بأس بها، ربما أذكرها لأولادي يومًا كوني مررت بعملية جراحية لتنزيل أنيابٍ مدفونة استغرقت أكثر من ساعتين. قيل لي فيها كلما زاد عمر المريض كان احتمال بزوغ السن المدفون بالقوة العادية صعبة، وكذلك صعوبة وجود فراغ متاح للسن كي تثبت داخل القوس الفكي.
أضيف إلى ذلك شعورًا قاتلًا هو الشعور بالوحدة؛ لأننا نحيا مع وباءٍ من نوعٍ خاص، فيروس هدد العالم وانتشر بسرعة البرق، فكل مكانٍ نذهب إليه يتخذ إجراءات وقائية واحترازية لحمايته، ومنها أن أكون وحدي، وأخواي يجلسان في الاستراحة الخارجية، فلا مجال للتواجد بالقرب! كان الألم موجع حقًّا، الكل بالخارج إما بحضوره وإما على الهاتف للاطمئنان، وهو، أجل هو، لم يتذكر.
إبرة البينج تخترق اللثة وتضغط عليّ، صرخة كبرى، أمسك ذراع الكرسي، تنساب الدموع من بين جفني، تتكرر الإبرة فالصرخة ثم الدموع، أبتلع دمي، أرى أسلاكًا، أغمض عيني خوفًا. تتسارع دقات قلبي، داخلي الله وحده أعلم به، خاتم التسبيح لم يفارق سبابتي، لزمت الاستغفار سرًّا، كأن عقلي يردد ما يحفظه عن ظهر قلب “استغفر الله العظيم وأتوب إليه..لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
تذكرت صورته وأنا أمسك به، أعض على أنامله، ثم رجعت من حلمي بخفي حنين، لأني تذكرت نهره لي، وتذكرت أني أخبرته بموعد جراحتي، حينما تعمدت أن أخبره موعدها منذ عدة أيام ونحن نتحدث عن كيفية الحصول على إجازة خاصة كانت أو من رصيد إجازاتي، والتكاليف اللازمة إن أخذتها على حسابي الخاص، تعمدت دس معلومة عملية أسناني تلك في الحوار كي يهتم ولو قليلًا، لكن يبدو أن الأمور اختلفت كثيرًا، لم يسأل عن مدة الجراحة وأين ستُجرى، لم يتمنى لي الشفاء، لم يتابع فيما بعد، والغريب لم يعد يعجبه أسلوبي، لم يعد يعجبه الحوار.
عدت بعقلي للطبيب المعالج سألته عمّا تم بالجراحة باختصار، قال إنه عمل قطع باللثة المغطية للناب يسارًا ويمينًا ليكشف السن وأعاد تركيب قطع التقويم مع توصيل سلسلة ذهبية ملاحقة له، ويربط بينها وبين الأسلاك من أسفل المجاورة لها في الفك. أخبرته أني لا أستطيع الكلام، مخارج الحروف لم تعد كما هي، الألفاظ غابت عن وعيها مثلي تمامًا. لم يأبه على اعتبار أن الأمور ستسير على خير ما يرام في الفترة القادمة.
يبدو أن آذار لم يكن وحده من يستطيع التلاعب بي، ها هو حزيران يتقن دور آذار ويتفنن فيه، ويخبرني أن الاكتئاب سمة لا يمكن التخلي عنها بسهولة، حتى الأقرب لكِ صار مشغولًا ليل نهار لا مجال للحديث. لا أمل في اللقاء لإنه لا يدري متى الرجوع فعمله أهم وأبقى.. اخترع حجة يصمت بها لا أجد تفسيرًا، ولا أريد، مر اليوم بكثير من الوجع والكثير من الدماء، صمتٌ طويل لا أعلم له آخر.. فقط، أصلي كي لا تبتلعني خواء الأسئلة، ولا أنهار من الإهمال المتعمد، واللامبالاة مع سبق الإصرار.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 446
تجربة مؤلمة تخلط بين الألم والوحدة والصمت
link https://ziid.net/?p=65368