قصة سليمان الراجحي الملياردير الذي صنع ثروته ثم حطمها

تتعدد قصص النجاح القائمة على الكفاح الذاتي لأشخاص عصاميين انطلقوا من الصفر، متحدّين ظروفهم الصعبة، ومتسلحين بالعزيمة والمثابرة والإصرار على ارتقاء سلم النجاح، وبلوغ درجات عالية من الثراء والشهرة. ولا شك أن هذه القصص تخلق لدى الكثيرين الدافع والطموح والسعي الحثيث للوصول إلى أهدافهم بلا كلل أو ملل.

سنعرض في هذا المقال قصة نجاح فريدة من نوعها لرجل عصامي بدأ حياته من الصفر، واستطاع أن يتحول إلى ملياردير ذائع الصيت، ليس على مستوى العالم العربي فحسب، بل على مستوى العالم كله. ولم يكن لهذا كله أن يتحقق لولا الشجاعة والعزيمة والتفاني في العمل التي كان بطل قصتنا يتمتع بها؛ مما مكَّنه من تخطّي كافة العقبات التي وقفت في طريقه.

البداية :

وُلِد الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي عام ١٩٢٩ لأسرة فقيرة كانت تقطن في قرية البكيرية في منطقة القصيم، وسط المملكة العربية السعودية. وسعيًا وراء لقمة العيش، فقد انتقل مع والده إلى مدينة الرياض، حينما كان لا يزال طفلا. وقد تميز سليمان الراجحي بحبه للعمل والتجارة منذ طفولته، وكان ذا عزيمة قوية في السعي خلف رزقه. كما تميز بانفتاحه وقابليته للتعلُم والاستفادة من خبرات الآخرين.

وحينما كان في التاسعة من عمره، بدأ مشواره في الكفاح وطلب الرزق؛ حيث عمل في بيع حقائب التسوق لرواد سوق الخضار في مدينة الرياض. ويُحكى أنه وجد ذات مرة أن الأطفال يتهافتون على شراء الطائرات الورقية، فاشترى واحدة منها بآخر قرش كان في جيبه، لا لكي يلعب بها، بل لكي يُفكَكها ويتوصل إلى كيفية صنعها. ثم جمع سعف النخل وصنع منها طائرات مشابهة ليبيعها بعد ذلك بنصف قرش للطائرة الواحدة.

وفي سن الثانية عشرة من عمره، بدأ سليمان الراجحي في جمع البلح لأصحاب مزارع النخيل، الذين كانوا يدفعون له ستة ريالات (أقل من دولارين) شهريا لقاء ما يقوم به من عمل. ثم تقلَّب في العمل بوظائف بسيطة مختلفة؛ فعمل كناسا وحمالا وحارسا وطباخا، ولم يكن يتكبر أو يتردد بالقيام بأي عمل مهما كان بسيطا؛ الأمر الذي أكسبه خبرة واحتكاكا مع الناس. كما عمل في البناء، واكتسب خبرة جيدة بالسوق وأساليب التعامل مع فئات المجتمع المختلفة. وحينما بلغ عامه الخامس عشر كان يَدّخر القرش على القرش – على حد قوله في أحد اللقاءات الصحفية – حتى تمكَّن من إنشاء دُكّان بسيط خاص به، يبيع فيه بعض السلع الاستهلاكية كالشاي والسكر والحلوى والكبريت.

ولكي يكون مميزا عن غيره ممن يملكون دكاكين أو محلات بِقالة، فقد كان يعرض أنواعا من الحلوى التي لا تباع إلا في دكانه. وعندما وصل إلى سن الزواج اضطر إلى بيع دكانه من أجل دفع ما يترتب عليه من نفقات، حتى أنه ذكر أنه دفع كل ما يدّخره من مال لإتمام مراسم الزواج.

التميز في حياة سليمان الراجحي

بدأ سليمان الراجحي بالعمل مع شقيقه صالح في مؤسسة صرف العملات، التي افتتح فرعا ثانيا لها في عام ١٩٥٦. وإلى جانب عمله في الصرافة، فقد كان يعمل – في وقت فراغه – في بيع مواد البناء والأقفال بهدف تحسين دخله.

وقد قام سليمان بافتتاح شركة خاصة به لتبادل العملات في عام ١٩٧٠ بعد أن انفصل عن أخيه صالح. وقد استهل عمله في صرف العملات مع الحُجَّاج، ثم ما لبثت أن توسعت أعماله وحقق نجاحا باهرا، وتنامت ثروته واستثماراته التي شهدت توسعا منقطع النظير؛ حيث بلغ عدد فروع شركته ثلاثين فرعا موزعة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعداه إلى العديد من دول العالم العربي من بينها مصر والأردن ولبنان؛ الأمر الذي أدى إلى تحقيق مكاسب ضخمة نتيجة توسيع نطاق عمله.

نجاح سليمان الراجحي

أسس الشيخ سليمان الراجحي “مصرف الراجحي” ليكون أول مصرف إسلامي في السعودية وأحد المصارف الإسلامية الكبرى في العالم. ويمتلك سليمان عددا ضخما من الشركات المساهمة في التنمية الزراعية والصناعية ومختلف القطاعات الغذائية كالدواجن والأسماك. ولم ينحصر عمل مصرف الراجحي في السعودية، بل تجاوزها إلى دول عربية وإسلامية (الأردن والكويت وماليزيا).

ويُذكَر أن سليمان الراجحي قسّم ثروته بين أولاده في حياته، بعد أن تبرع بجزء كبير منها لصالح الأعمال الخيرية لإنفاقها في وجوه الخير على الأرامل والأيتام والفقراء، ولم يُبقِ لنفسه سوى بيت متواضع، يقضي فيه ما تبقى له من العمر.