خطر السوشل ميديا على الشخص والمجتمع
فحديث أشخاص من غير ذوي الاختصاص في أمور الدولة مثلًا يؤدي إلى بلبلة، وخلق هوة من عدم الثقة بين الحكومة والشعوب
add تابِعني remove_red_eye 3,704
من غير الممكن تصور حياتنا بلا الإنترنت، كل يوم يزيد الاعتماد عليه، وعلى ما يقدمه من خدمات، يسرت وَذَلَّلت الصعاب في كل مناحي الحياة، غير أنه لا يوجد خير محض، ولا شر مجرد.
تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي إحدى خدمات الإنترنت، وقد صممت لغرض التواصل والتعارف وتبادل الآراء. هذه الخدمة التي قد تبدو بريئة، ولكن لها تأثيرات وانعكاسات من الخطورة بمكان. فمما لا شك فيه، أن هذه المواقع تؤثر على ذوقنا وأولوياتنا، فما كان من المنكرات، أصبح من ضمن الحريات الشخصية، وما غير وارد الآن حتى التفكير فيه، سيصبح في المستقبل واقعًا يتم التعامل معه بتلقائية.
يقول إدوارد توفته: “لا توجد سوى صناعتين اللتين يطلق على عملائهما اسم المستخدمين، المخدرات غير المشروعة والبرامج”.
هل نحن مستهدفون؟
يقول الدكتور عبد الكريم بمار في كتابه أولادنا ووسائل التواصل الاجتماعي: “كل ما نشاهده من مواقع تواصل اجتماعي، وأدوات اتصال على مستوى العالم، هو في حقيقته شكل من أشكال العولمة التي هي أساسًا ظاهرة اقتصادية، ولكن كثيرًا ما يتحالف الاقتصاد والتقنية ضد الثقافة، فنحن لسنا مستهدَفين بالمعنى الدقيق، لكن تلك الشركات تنتج منتجات لا تراعي فيه ثقافتنا، بقدر ما تراعي فيه الربح”. وبناء على ذلك فقد تستخدمنا الشركات للترويج لبضاعتها بدون مراعاة لثقافتنا.
إن المهندسين المسؤولين عن تصميم البرامج، يعتمدون على “تكنولوجيا الإقناع”، وهي عبارة عن نوع من التصميم الذي يكون هدفه الأساسي لفت انتباه المستخدم، وضمان تعلقه بالمواقع والبرامج. وهو ما يسمى في علم النفس “تعزيزًا متقطعًا إيجابيًّا”، والهدف هو خلق عادة غير واعية من قبل المستخدمين، تجعلهم دائمي التعلق بأجهزيتهم. ولأن السوشل ميديا ليست أداة تنتظر أن تُستخدم، بل لديها أهدافها الخاصة ووسائلها غير البريئة، فهي تعتمد سياسة “النمو السريع”، وهو فريق من المهندسين وظيفتهم اختراق سيكولوجية الجماهير للحصول على مستخدمين جُدد.
ومن هنا جاءت فكرة “نظام التوصيات”، وهي سياسية تستخدمها الفيس بوك، لهدف استقطاب أكثر عدد ممكن من البشر، ويتم ذلك عن طريق فهم احتياجاتهم، من خلال دراسة تحركاتهم على الفيس، ووضع كل ما له علاقة بأشياء قام المستخدم بوضع زر الإعجاب عليها، أو مشاهدة فيديو بخصوصها، كل تلك السياسات تقودنا إلى ما يعرف بإدمان استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
إدمان استخدامها وعلاماته
الإدمان هو الشعور بالعوز لممارسة سلوك معين، ويعتبر ضغط على إرادة الشخص التي من المفترض أنه تكون حرة، ومن علامات إدمان السوشل ميديا الآتي:
- الشعور بالقلق والتوتر الشديدَيْن في حالة البعد عن الهاتف، والشعور بالنقيض والسعادة العارمة بمجرد الإمساك به، وقد يصل بالبعض الشعور بالفرح لمجرد النظر إلى الهاتف فقط.
- المدمن يتفقد هاتفه بشكل مستمر.
- يميل إلى العزلة وغالبًا يترك الجلسات العائلية ليخلو بجهازه.
- يصبح استخدامها على حساب النوم والأكل.
تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي.
لا يخفى على أحد تأثيرات هذه المواقع في الجانب النفسي والاجتماعي، حيث أصبحت الأسر أقل تماسكًا، وأصبح التشتت هو الموقف العام والسائد، وهذا ما لفت إليه “جارون لانير”، مؤلف كتاب “10 أسباب تستدعي التخلص من السوشل ميديا”، وعلي وجه السرعة، وقبل أن نناقش هذه النقاط نورد اعترافًا لأول رئيس للفيسبوك “شون باركر” يقول: “نعتمد في عملنا على المستخدمين، وهذا ما يجعل ضرورة استقطاب أكثر عدد منهم ملحة للغاية، فاعتمدنا على ما يعرف “بدوبامين hit”، أي ضربة الدوبامين، التي تُشعر الشخص بالسعادة لمجرد وصول الإشعارات والرسائل، وأي تفاعل من الناس على منشوراتهم”.
يُجمل “جارون لانير” مخاطر السوشل ميديا في العشر نقاط التالية:
- تفقد الإرادة الحرة، وتتحكم بك الشركات عن طريق تجميع بياناتك وإجراء التجارب عليها.
- تُحولك هذه المواقع إلى أحمق، تغير رأيك بخصوص القضايا بسرعة، بعد تأثرك بحملات تلك الشركات وعلى حسب توجهها، وقد يصل بك الأمر إلى تملق أحد الشخصيات، فقط لأنه يمثل الطيف السياسي الذي تميل إليه.
- تُسفه الشخصيات المحترمة، عن طريق تضييع كلامها بين زحام التفاهات، ومهاجمتها بفيديوهات مزيفة مناهضة لتلك الشخصيات، حتى لا يُسمع صوتهم مجددًا.
- تدمّر القدرة على التسامح، لما تنشره من أكاذيب وزيف، الغرض منها الفتنة وإثارة البلبلة في المجتمعات.
- تتسبب هذه المواقع في حالة اكتئاب تصيب كل مَن أدمن عليها، وتشعره دومًا بالسخط وعدم الرضا عن النفس.
- تُنمي الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، لما ينشره الناس على صفحاتهم من ممتلكات وأحداث.
- لها تأثير بالغ على طمأنينة الروح، بسبب النقاشات التي تنطوي على هجوم على المعتقدات، والدخول في جدالات طويلة عقيمة تأخذ من طاقة الروح وتتلف الأعصاب.
- تصبح السياسة شبه مستحيلة بسبب الصدامات اليومية التي تستغلها تلك المواقع من أجل نشر الفضائح، بالإضافة إلى اختراق الانتخابات وغيرها.
- تجذب بالحقائق التي يتم تجزئتها وتمرير الكثير من التزييف من خلالها.
- تحتكر الإنسان ووقته لأنه لا توجد بدائل عنه، ويعتبر جارون أن مسح كل هذه المواقع هي محاولة أخيرة للمقاومة ضد هذا المدّ المخيف الذي أسماه “امبراطورية التعديل السلوكي”.
إذًا وبناءً على كل ما سبق، أصبح الأمر يمس حياتنا الشخصية ومستقبلنا جميعًا، بل أصبح من المخاطر المحدقة التي يجب الوقوف في وجهها.
يرصد الفيلسوف والروائي الإيطالي «أمبرتو إيكو»، ظاهرة أخرى تسهم في خلق المشاكل سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي، حيث يقول في مقابلة له مع صحيفة لاستامبا الإيطالية: “إن أدوات مثل تويتر وليسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن يثرثرون في الحانات فقط، دون أن يتسببوا بأيّ ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورًا، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل مَنْ يحملون جائزة نوبل. إنه غزو الحمقى”.
فحديث أشخاص من غير ذوي الاختصاص في أمور الدولة مثلًا يؤدي إلى بلبلة، وخلق هوة من عدم الثقة بين الحكومة والشعوب، وهذا يفتح باب العصيان وانتشار الإشاعات التي لا تخدم أحدًا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
السوشل ميديا و مخاطرها و تأثيرها على حياتنا
link https://ziid.net/?p=90264