التعليم الإلكتروني سيغيّر أدمغة أطفالنا، فهل نحن جاهزون؟
add تابِعني remove_red_eye 91,100
يغيّر تعلم القراءة والكتابة دماغ الإنسان حرفيًا، وتؤدي عملية تعلم القراءة إلى تغيير دماغنا، وكذلك ما نقرأه وكيف نقرأه ووسيط القراءة ذاته (كلمات مطبوعة، قارئ إلكتروني، هاتف ذكي، كمبيوتر محمول).
الحديث حول هذا مهم -خاصةً- في واقعنا الجديد، عندما يرتبط العديد من الأشخاص بشاشات متعددة في كل لحظة. ونظرًا لأن معظم العالم يعمل عن بعد، ويتعلم الملايين من الطلاب في المنزل، فإن تطوير عقل ثنائي -يتكيف مع كلٍّ من محو الأمية الرقمية والتقليدية- لم يكن أكثر أهمية في أي وقت مضى.
تأثير تعدد وسائل التعلم على القدرة التعليمية
تنبئ الشاعر تي. إس. إليوت بالمستقبل حين سأل:
“أين المعرفة في معلوماتنا؟ أين الحكمة في معرفتنا؟”
واليوم، يطرح علماء الأعصاب والمعلمون أسئلة مماثلة: هل تُراها الوسائط المختلفة ستفيد أم تضر قدرتنا على الحصول على المعلومات؟ وهل تمييز ما هو حقيقي، وتعريض أنفسنا لوجهات نظر الآخرين، وتحويل المعلومات إلى معرفة، هي مقدمات للحكمة؟
ستؤثر الإجابات بعمق في تشكيل التطور الفكري والاجتماعي والعاطفي والأخلاقي للأطفال والحفاظ على تطورنا.
ما زلنا في المراحل الأولى من فهم تأثير التعلم الرقمي على تنمية مهارات القراءة لدى الأطفال، وعلى الحفاظ على الأخيرة لدى البالغين. يتطلب تحويل المعلومات الجديدة إلى معرفة مرسّخة في خلايا الدماغ لارتباطات متعددة بمهارات التفكير المجرد، كل منها يتطلب نوعًا من الوقت والاهتمام اللذين غالبًا ما يكونان غائبين في القراءة الرقمية.
لنعترف بذلك: لقد مسح الكثير منكم بصريًّا الجملة الكثيفة الأخيرة، أو ربما كل شيء حتى الآن!
لقد سعيتم للحصول على المعلومات بسرعة دون قضاء وقت إضافي في التفكير أكثر. إذا كان الأمر كذلك، فقد فاتتكم فرصتان: التأكد من منطقية العبارات، وحثّ أفكارك. هذا لأنك -عزيزي القارئ- تمرّ ببصرك أو تتصفح أو تخمّن المعنى دون قراءة الكلمات، دون أن تدرك أن عقلك بدأ بالفعل في التغيير، تمامًا كما سيتغير دماغ طفلك الأكثر مرونة.
“المسح البصري كطريقة لاكتساب المعلومات”
هذا هو المعيار الجديد للقراءة. وما نفتقده هنا هو عمليات القراءة العميقة التي تتطلب الاهتمام، معرضين أنفسنا للخطر بشكل متزايد في ثقافة وعلى وسيط يؤدي فيه الإلهاء المستمر إلى تشعب انتباهنا. تتضمن هذه العمليات ربط المعرفة الأساسية بالمعلومات الجديدة، وإجراء مقارنات، ورسم استنتاجات، واختبار قيمة الحقيقة، إضافةً لاستكشاف وجهات نظر الآخرين (وبالتالي، توسيع التعاطف والمعرفة)، ودمج كل ذلك في إطار من التحليل النقدي.
القراءة العميقة هي الجسر الذي يربط بين جنسنا البشري والبصيرة والفكر الموسوعي.
تتطلب الاستفادة من هذه العمليات التفاعلية مهارات فك رموز تلقائية واهتمامًا هادفًا ينقلنا، كما يقول عالم النفس الأمريكي ويليام جيمس، من “الطيران إلى المجاثم*” للتفكير. يمكن أن تؤدي التوقفات غير المحسوسة في القراءة إلى قفزات سريعة في حدود تفكيرنا.
على النقيض من ذلك، عندما نمسح النص بأبصارنا، فذاك يحرمنا -حرفيًّا- من الوقت اللازم للتفكير أو الشعور. توضح أبحاث التصوير الدماغي (العصبي) التي أجراها ريموند مار وآخرون كيف تنشط القراءة بعمق المناطق المستخدمة عادةً للشعور وحتى الحركة. منغمسين فيما وصفه المؤلف (تا-نيهيسي كوتس – Ta-Nehisi Coates) بالهروب من الخطر الكامن بين العالم وكينونتنا. مجددًا: الفرق بين المسح بصريًّا والقراءة بكل حواسنا هو الفرق بين دماغ القراءة النشطة بالكامل ونُسخة ذات دائرة استيعاب قصيرة وباهتة.
هل أدمغتنا مهيأة للقراءة عبر الشاشات؟
تؤدي أزمات اليوم (وخاصةً كورونا) إلى تفاقم خطر انتشار الأمية، هذا لأن الإنسان لا يولد بقدرة فطرية على القراءة. حيث تتطلب معرفة القراءة والكتابة شبكة دماغية مرنة جديدة. تسمح المرونة للشبكة الدماغية بالتكيف مع أي نظام كتابة وأي وسيط. المهم هو أن الدوائر تعكس خصائص الوسط، مهما كانت.
يتميز الوسيط المطبوع بمعالجة أبطأ، وتحتاج للمزيد من التركيز والوقت. في حين يتميز الوسيط الرقمي بالعمليات السريعة وتعدد المهام، وكلاهما يصلح تمامًا للمسح البصري لطوفان المعلومات اليومي. تحقق بنفسك. هل تقرأ السطر الأول من الصفحة غالبًا وتتعرج إلى أسفل؟ أم تقرأ السطر الأول ثم المقطع الأوسط وأخيرًا نهاية الصفحة؟ يسمي باحثو حركة العين هذه الأنماط (Z و F). يكمن الضائع بين السطور: التفاصيل في الحبكة، جمال لغة المؤلف، الانغماس في وجهات نظر الآخرين. تتدرج عواقب هذه الخسائر من انحدار التعاطف والتحليل النقدي إلى قابلية تصديق الأخبار المزيفة والغوغائية وتأثيرها على المجتمع.
المشكلة في كل فصل دراسي ومنزل هو ما إذا كان شبابنا سيطورون محو أميّة تامًّا، في حال تعلموا على شاشات تشجع على التصفح اللحظي. وجدت الأبحاث التي أجراها باحثون مثل “نعومي بارون” و”آن مانغن” و”لالو سالميرون” انخفاضًا في فهم الطلاب عند قراءة نفس المعلومات على الشاشات بدلًا من الكتب المطبوعة. ومع ذلك، كان القراء يعتقدون العكس لأن تلقيّ المعلومات من على الشاشات كان “أسرع”. يرى أكثر من (80%) من مدرسي الجامعات تأثيرًا “ضحلًا” للشاشات على فهم القراءة لدى طلابهم، وفقًا لبحث قدمته “نعومي بارون”. وجد “تامي كاتسير” و”مريت برزلاي “تصورات ونتائج مماثلة لدى تلاميذ الصف الخامس والسادس. يبدو حتى الأطفال في سن الثالثة أقل قدرة على التعامل مع المزيد من المواد المجردة عند الاستماع إلى القصص على الشاشات مقابل الكتب.
لماذا تنخفض قدرتنا التعلمية خلف الشاشات؟
الأسباب متعددة، لكن ليس لأن القراءة العميقة مستحيلة على الشاشة. الأمر ببساطة أعقد، لأن الشاشات مرتبطة بالإلهاء، مما يؤدي إلى ما وصفته الباحثة “ليندا ستون” بالاهتمام الجزئي المستمر. وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل الوقت المخصص للفكر التجريدي. كلما زاد الوقت الذي تقضيه على الشاشات، زادت ترسخ الارتباطات بجمع المعلومات بسرعة وسطحية والتحقق المستمر من المعلومات الجديدة (المشتتة للانتباه). هذا الأخير هو “منعكس الحداثة” المتجذر في جيناتنا.
يتمثل التحدي الأكبر الآن في تعلم كيفية استخدام الوسائط المطبوعة والرقمية على حدٍ سواء لصالح الجميع. إن العبارة الشهيرة لإميلي ديكنسون “يكمن النجاح في الدوائر الكهربائية” يمكن أن توجه جهودنا.
بالنسبة للأطفال في الوباء الذين لم يطوروا القراءة الأساسية مطلقًا، من الأهمية بمكان بناء هذه المهارات لدائرة القراءة الأولى. تمامًا كما قبل وقت الجائحة، نحتاج إلى مناهج واضحة ومنهجية قائمة على الأدلة للمهارات التأسيسية.
قبل الوباء، ركز بحثي على فكرة الدماغ المتقلب، حيث يتعلم الأطفال القراءة فقط من خلال المطبوعات فقط، بينما تم تعلم المهارات المعرفية الأساسية مثل البرمجة على الشاشات الرقمية. بعد إنشاء مهارات القراءة الأساسية والعميقة، سيقوم المعلمون بتدريس مهارات القراءة العميقة بشكل صريح على الشاشات.
وقد أدى الوباء إلى تعقيد هذا النهج. جزئيًّا بدافع الضرورة، أصبحت الوسائط الرقمية الآن أداة لممارسة المهارات الرئيسية وبناء المعرفة الأساسية، بينما تُستخدم الكتب المطبوعة لبناء قدرة الأطفال على إثبات الوجود والتفكير فيما يقرؤون للصفوف الابتدائية. ومع ذلك، فإن منح الأولية لتنمية مهارة القراءة هو أكثر أهمية من جعل الآباء ومقدمي الرعاية والمعلمين يقرؤون الكتب للأطفال. يجب أن تكون عبارة “اقرأ وتحدث وغنِّ” هي الشعار منذ الطفولة حتى الوقت الذي يكون فيه للأطفال عالم القراءة الداخلي الخاص بهم. يجب ألا يضيع ملاذ الطفولة هذا، الذي وصفه بروست في كل الأوقات. في الواقع، قد يكون عالم القراءة هو أفضل ترياق للأطفال (وعالمنا) لتحويل “الوقت الضائع” إلى أماكن سرية حيث يمكننا أن نرى أنفسنا ونشعر بأنفسنا -والآخرين- يفكرون.
دور الآباء
كمجتمع، يجب أن نضمن وجود كتب دائمًا بجوار الأجهزة الرقمية لأطفالنا. لا يهم ما إذا كانت الكتب جديدة أو قديمة، مملوكة أو مستعارة من المكتبة. ما يهم هو أن تكون موجودة هناك، ويُشجع الأطفال على قراءتها. علاوة على ذلك، يجب أن تكون الكتب -وليس الأجهزة الرقمية- هي خيار القراءة الوحيد في غرف نوم الأطفال.
اقرأ أيضًا:
- كتب للأطفال: ترشيحات ليتعود الأطفال القراءة
- كيف كانت القراءة في الصغر خير داعم في مرحلة الأمومة؟
- 10 نصائح لتكتب قصص موجهة للأطفال بنفسك
===
هامش:
* جَثَم الإِنسانُ: لزم مكانَهُ فلم يَبْرَحْ، أَو الَتصِقَ بالأَرضِ
add تابِعني remove_red_eye 91,100
link https://ziid.net/?p=69443