التمييز بين الأطفال… هوةٌ نفسية عميقة، تَجنَّبي إيقاع أطفالك بها
الصحة النفسية هي الركيزة الأولى لبناء شخصية متوازنة، والتمييز بين الأطفال سواء كان عفويًّا أو مقصودًا من أهم أسباب التوتر الأسري
add تابِعني remove_red_eye 103
إن تساءلنا وبحثنا عن أكثر السلوكيات الأسرية المؤثرة سلباً على الصحة النفسية للأطفال، سنجد أن التمييز بين الأطفال يتربّع على مقدمتها، وأنّه من أكثر سلوكيات الأهل إيلاماً للطفل والتي قد تتشعب آثارها لاحقاً لفترات عمرية طويلة.
فالتمييز يخلق شرخاً واسعاً في العلاقة بين الطفل والأهل من جهة وكذلك في العلاقة بين الطفل وإخوته الذين من المفترض أن يكونوا أول الأصحاب له من جهةٍ أخرى، لذلك عزيزتي الأم سنتناول في مقالنا هذا الآثار التي يتركها سلوك التمييز بين الأطفال على الصحة النفسية لأبنائك، ثم سنناقش سوياً بعض الخطوات التي من الممكن أن تكون عوناً لك لتتجنبي إيقاع أطفالك في حالات مشابهة.
التمييز بين الأطفال.. التفسيرات والدلالات
إن التمييز يمكن أن يكون سلوكاً ممنهجاً يعتمده الأهل لإيمانهم بشكلٍ أو بآخر بأن طفلاً من أطفالهم حريٌّ بالاهتمام أكثر من باقي إخوته، كالتمييز بين طفلهم النشيط والطفل الهادئ أو التمييز بين الطفل المتفوق في دراسته والآخر غير المتمتع باهتمامات دراسية كبيرة، أو التمييز بين الأخت والأخ على حساب الجنس، والذي تكون ضحيته غالباً في مجتمعاتنا العربية هي الأخت.
كذلك يوجد التمييز العفوي غير المقصود، والذي ينتج عن ميل الوالدين لطفلٍ أكثر من غيره من أطفالهم، أو عدم القدرة على التعبير عن مشاعر الحب والاحتواء لجميع الأبناء على حدٍّ سواء. قد يكون لتصرفات الأبوين هذه جذور ضاربةٌ في طفولتهم الغابرة، فقد يكونون هم أنفسهم ممّن عانوا سابقاً من التمييز أو أنهم تربوا في وسطٍ لم يلقِ بالاً بالتأثيرات النفسية لسلوكيات الوالدين على الأطفال فنقلوا تلك السلوكيات للبيئة الأسرية التي كوَّنوها دون تصحيح أو تعديل.
تأثيرات التمييز بين الأطفال على الصحة النفسية لهم
- التسبّب بالهشاشة النفسية وقلة الثقة بالنفس عند الطفل: فليس من الغريب أن طفلاً يتربى على الاستبعاد والتجاهل وعدم الاهتمام بآرائه أو رغباته من وسطه العائلي المقرب أن ينكفئ على نفسه، ويعتبر نظراً لسنه الصغيرة أن خللاً ما حقيقياً موجوداً فيه يؤدي إلى استبعاده. لكن المرعب في الأمر أن هذا الأثر قد لا يقتصر على طفولته فقط بل يمتدّ معه إلى حالةٍ من الهشاشة النفسية في شخصيته تلازمه عندما يكبر وينخرط في مجال العمل أو معترك الحياة العاطفية والاجتماعية والمهنية.
- ازدياد حالات الاكتئاب والحزن عند الطفل المعرض للتمييز: قد يتبادر إلينا أن الاكتئاب يقتصر فقط على الكبار في السن، لكن في الحقيقة فإن نسبةً لا بأس بها من الأطفال أيضاً قد يصابون بالاكتئاب (حسب CDC فإن نسبة 4.4% تقريباً 2.7 مليون من الأطفال بأعمار تتراوح بين 3-17 شُخِّصوا بالاكتئاب بين عامي 2016 و2019، ومن أبرز الأسباب التي قد تسبّبه هي الجو الأسري غير المريح والتمييز بين الإخوة وسوء معاملة الأهل.
- برود العلاقة بين الطفل والوالدين: قد يُفاجأ الوالدان أحياناً بردود فعل غير متوقعة من أطفالهم، كالتمرد المستمر وعدم إخبار الطفل لوالديه بمشاكله بل تفضيله الغرباء عليهم، كذلك عيش الطفل لمزيج من مشاعر الحقد والضغينة تجاه الأهل.
- الغيرة الشديدة بين الإخوة والصراع الدائم: ومن الآثار الناتجة عن التمييز بين الأطفال التي قد تطرأ على علاقة الإخوة أنفسهم هي عدم قدرتهم على التناغم واللعب سويةً وبسلام، فتراهم دائمي الصراع حول ألعابهم وممتلكات كل منهم، كذلك قد يدَّعي أحدهم في خضم هذا الصراع أن الأهل يحبونه أكثر مما قد يحزن الطفل الآخر بشكل عميق، وينقسمون إلى طرفٍ يعتبر نفسه مضطهداً وطرفٍ متكبر على بقية إخوته.
- قصور مهارات الطفل وتحدُّد إمكانياته: إن التغذية النفسية والروحية تتمتع بدورٍ يوازي في الأهمية دور التغذية الجسدية، ومن غير المستغرب أن يعاني الطفل المحروم من احتواء الأهل ورعايتهم وسخاء مشاعرهم من تراجع في قدراته المعرفية والقدرة على التعامل مع البيئة الخارجية وتنمية شخصيته.
- سوء تصرفات الطفل المفضل من قبل الأهل: إن التأثيرات السلبية على الصحة النفسية للطفل ربما تكون بمعظمها من نصيب الطفل المهمَل، لكن هذا لا يعني أنه ليست هناك تأثيرات تطال الطفل المفضل من قبل الأهل، فهو وإن أُحيط بكمية كبيرة من الاهتمام والرعاية ومشاعر الحب الزائدة، قد يجد نفسه في منزلة أعلى من إخوته تلقائياً ويتصرف من هذا المنطلق بتعجرفٍ معهم ويشارك هو بدوره في هذا التمييز.
تأثير تمييز الأهل بين الأطفال على الصحة النفسية للفتيات خصوصاً:
إنه سيناريو ما زال مكرراً كثيراً في مجتمعاتنا، تكبر الفتاة وتنفتح أعينها على أفراد أسرة يصفّقون بكل طاقتهم لأفعال إخوتها الذكور، في حين لا يستطيعون أن يمنحوها ابتسامة كاملة مهما بذلت من مجهود. إنّ هذه الصورة المحزنة تتسبّب مع الوقت في دمار الصحة النفسية للطفلة أو الفتاة اليافعة.
وربما لا يدري الأهل جيداً تأثير هذا السلوك التمييزي على بناتهن، فربما قد أخذتهم العادة السائدة بإلقاء نظرات مفعمة بالانبهار على أطفالهم متناسين أن بناتهم أيضاً تحتجن القدر نفسه من الاهتمام والاحتواء، وهذا التمييز في الواقع يؤدي بهنَّ إلى مقاساة العديد من الاضطرابات كالاكتئاب والحزن الدائم، والرغبة في الانعزال، والقلق والتوتر الدائمين، وعدم الثقة بالنفس والتقليل من قيمتها.
كيف يتم حل مشكلة التمييز بين الأطفال؟
إن غالبية الأهل بعد أن يروا الصورة بهذا الوضوح قد تنتابهم مشاعر الحزن على تصرفاتهم غير المدركة من قبلهم، أو إن لم يفعلوا شيئاً مماثلاً فربما يتساءلون بلهفة أبوية وأمومية عن كيفية تجنب هذا التصرف في أسرهم وكيفية إصلاح أضراره النفسية على الأطفال. وسنقوم هنا بتوضيح هذا الأمر:
- لا بأس بجلسة مراجعة نقدية لتصرفاتكم كوالدين: قد يكون مصطلح الوالدين المثاليين على جماله بعيداً عن الواقع، فجميع الأهل لديهم عثراتهم التي قد يرتكبونها ربما نتيجة تراكم وحجم المسؤوليات الكبير، وهنا ستكون الجلسات الدورية لمناقشة تصرفاتكم كوالدين ممتازة لتقرِّبكم أكثر إلى أطفالكم وكذلك لتتفهموا مواقفهم وتراجعوا الأخطاء الملاحظة.
- من الخطوات المهمة جعل الإخوة متحابين: فعندما يوضع الإخوة في جو ودود، ويتم تربيتهم على أهمية مساعدة بعضهم البعض وعدم تعرّض أحدهم للآخر بالسوء، سيدوم ويكبر ذلك الود مع مرور الوقت، ولن يقبل الإخوة أن يكون أحدهم أقل شأناً من الآخر.
- استشارة الاختصاصيين في المجال توفّر عليكم الكثير من الجهود: إن وظيفة اختصاصي الصحة النفسية هي إرشادكم كآباء وأمهات لطريقة التعامل السليمة مع أطفالكم، وكذلك تعريفكم عن قرب أكثر بمفهوم الصحة النفسية للطفل وأركان هذه الصحة والمخاطر التي تهدّدها، فتكتمل بذلك بعد عدة استشارات الصورة لديكم وتستطيعون التعامل بمرونة أكثر مع أبنائكم.
- بدلاً من التمييز بين الأطفال، يمكنكم تحديد نقاط الضعف والعمل على معالجتها: فأحياناً يكون التمييز على حساب التفوق الدراسي، هنا يستطيع الأهل أن يشجِّعوا الطفل الأقل تفوقاً وأن يبتكروا طرقاً لمساعدته في التقدم الدراسي واكتشاف مواهبه في مجالات أخرى كذلك، وقس على ذلك جميع الأمور الأخرى التي يتم التمييز على أساسها، كذلك بدلاً من النظر إلى الفتيات نظرة انتقاص يجب على الأهل تعليم الطفلة منذ الصغر كيف تثق بنفسها وتكبر بأحلامها مثلها مثل أي من إخوتها الذكور.
- زيادة الجلسات العائلية وقضاء الوقت مع الأطفال: كلنا نعلم أن انشغال الوالدين بالعمل خارج المنزل وكذلك الواجبات المنزلية والاجتماعية تجعل من الصعب البقاء في تركيز دائم مع الأطفال والتفرغ لنشاطاتهم، لكن عندما يعلم الأهل أن ذلك من أهم الأمور التي تعزّز من الصحة النفسية لأطفالهم وتزيد من ترابط العلاقات الأسرية، فلا شك أنهم سيحاولون زيادة الوقت المخصص للأطفال.
- توكيل كل طفل ببعض المهام المتناسبة مع عمره وتقديم الدعم له لينجح فيها: إن الاعتماد على الذات لا يشترط أن يكون الشخص كبيراً بالغاً ليقوم به، فهذه خصلةٌ رائعةٌ تستوجب أن يهتم الأهل بزرعها في شخصية أطفالهم منذ الصغر لما تسهم به من تعزيزٍ للصحة النفسية للطفل، وهذا يكون عبر تخصيص بعض المهمات البسيطة لكل طفل دورياً وتنمية حس المسؤولية لديه.
- حاولي كأم أن تكوني دائمة الإصغاء لأطفالك: إن الرابطة بين الأم والطفل هي قويةٌ بلا شك منذ الولادة، لكن حين يقلّ الاهتمام ويتم التغاضي قد تتدهور هذه العلاقة لتجد الأم طفلها بعيداً جداً عنها، لذلك من الجيد أن تحافظي على تماسك هذه العلاقة وتقومي بالإصغاء لطفلك ولمشاكله وإتاحة المجال له لإبداء رأيه وكذلك إبداء رأيك بصبر وتفهّم.
ختاماً نريد أن نذكّر الأهل بأن الصحة النفسية هي الركيزة الأولى لبناء شخصية متوازنة وسوية، وإن موضوع التمييز بين الأطفال سواء كان عفوياً أو مقصوداً هو من أهم أسباب توتر العلاقات الأسرية وخلق شخصيات منسحبة وهزيلة مستقبلاً، وكذلك على الجانب الآخر شخصيات متغطرسة ومتكبرة، لذا فإنّ من المهم أن يتم الاهتمام بهذه الناحية بشكل جدي من قبل جميع الأهل وطلب الاستشارة من الاختصاصيين في المجال.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 103
يتحدث مقالنا عن مشكلة التمييز بين الأطفال من قبل الأهل، وتداعيات هذه المشكلة وتأثيراتها النفسية.
link https://ziid.net/?p=104633