قراءة في كتاب “مشكلة الثقافة” لمالك بن نبي
إن مشكلة العالم الإسلامي اليوم لا تنحصر في فهم الثقافة فقط وإنما في تطبيقها، كما تصورها "مالك بن نبي"
add تابِعني remove_red_eye 35,716
في هذا الكتاب حصر المفكر “مالك بن نبي” مشكلة الثقافة من خلال تحليل مفهومها عبر العصور والحضارات وقام بطرحها بأسلوبه الفذ الذي تتميز بها كتاباته بناء على خبرته وتجربته واستقرائه لتطورات الشعوب وثقافة الحضارات المختلفة.
بداية يوضح الكاتب أنالثقافة لا تقتصر على قضية الأفكار كما يتصور ذلك الكثير%0A&&url=https://ziid.net/?p=51928&via=ziidnet"> الثقافة لا تقتصر على قضية الأفكار كما يتصور ذلك الكثير ولكنها تضم أمورًا أخرى منها أسلوب الحياة في مجتمع ما أو سلوك الفرد الاجتماعي رغم أنه يستدرك على ذلك بقوله إن أحد الدوافع الأساسية لدراسة مشكلة الثقافة هو مشكلة الأفكار حيث إن المجتمع بحركته أو ركوده، بتنظيمه أو فوضاه له علاقة وطيدة بأفكار ذلك المجتمع المنتشرة فيه فمتى تغيرت هذه الأفكار فإن كل ما يتبعه من خصائص اجتماعية وسلوكية تتعدل وفقا له.
الأمراض الاجتماعية والمجتمعية
إذ إن الأفكار على حد تعبيره تمثل جزءًا حيويًّا في تطوير أي مجتمع بل إن مراحل تطوره هي في الواقع عبارة عن أشكال مختلفة لتطوره الفكري. وقد شبه المؤلف الأمراض الاجتماعية المنتشرة بجراثيم خاصة تنقل الأفكار المعدية من جيل إلى جيل، وإن هذه الأفكار تهدم المجتمع وتعيق نموه لذا فإن الأفكار إما أن تكون عامل نهضة أو عامل إعاقة للنهضة، وعلى إثر هذا يوضح الكاتب أن من يظن خلل التخلف عن ركب النهضة يكمن في مقدار ما ينقصه من أشياء والتي سبقته به الدول المتقدمة هو خاطئ، بل إن مرد التخلف هو مستوى الأفكار وليس الأشياء مستدلًا على ذلك بقول خرشوف في إحدى مؤتمراته:
“إن النجاح الاقتصادي هو أقوم مقياس لسلامة الأفكار” أي إن الأفكار السليمة تصنع الاقتصاد الناجح وليس العكس لذا فالحلّ يكمن في نظام الأفكار لمجتمع ما
إذن ما هي الثقافة؟
يبين الكاتب اختلاف وجهات النظر نحو تحديد مفهوم الثقافة وتعدد المدارس في ذلك لكن من الممكن حصرها في مدرستين اثنتين:
المدرسة الغربية: التي ترى أن الثقافة هي ثمرة الفكر، أيْ: ثمرة الإنسان.
المدرسة الماركسية: التي ترى أن الثقافة هي ثمرة المجتمع.
ثم أورد المؤلف لكل مدرسة مفكرين اثنين ففي المدرسة الغربية ذكر “وليام أوجبرون” و “رالف لنتون” وفي المدرسة الماركسية ذكر المفكرين “كونستا نيتنون” و “ماوتسي تونغ” وهنا لا بد من التعريج على تعريف الثقافة لكل واحد منهم على حدة بشيء من الإيجاز.
أولًا: “رالف لينتون” يرى أن الثقافة كل تتداخل أجزاؤه تداخُلًا وثيقا وأن نصيب الفكر يحدد في الواقع الاجتماعي بنسبة هذا الواقع إلى الأفكار أولا أي أن الثقافة عند لينتون هي مجموعة من الأفكار.
ثانيًا: “وليام أوجبرون” يقول: إن الثقافة عبارة عن جزأين ثقافة مادية (الأشياء) وثقافة متكيفة (العقائد والتقاليد والأفكار) فيرى “أوجبرون” أن تغيّر الثقافة يبدأ في الأشياء والأدوات ثم يمتد تأثيره في المجال الاجتماعي أيْ إن الثقافة جملة من الأفكار والأشياء.
ثالثًا: “كونستا نيتنون” يقول: إن مجموعة الأفكار الاجتماعية والأديان هي انعكاس حياة المجتمع المادية.
وأخيرًا “ماوتسي تونغ” الذي يوافق “كونستا” الرأي ويعتبر أن كل ثقافة معينة هي انعكاس -من حيث شكل مفهومها- لمجتمع معين.
بعد سرد المؤلف لأقوال وتجارب المدرستين استدرك المؤلف على أحد الآراء بقوله: إن لنا في تاريخ ألمانيا عبرة حيث انهار عالم الأشياء لكن بسبب احتفاظ ألمانيا بعالم الأفكار استطاعت أن تبني كيانها من جديد كما أن ما يصلح لمجتمع ما في مرحلة تاريخية ما قد تنعدم فائدته بالنسبة له في مرحلة أخرى، فكيف باقتباسه كحلّ لمشكلة الثقافة التي تواجه العالم العربي والإسلامي والتي تختلف في أهدافها واتجاهاتها، موضحا أن من يجد الحل في عالم الأشياء لبناء ثقافة المجتمع هو حلّ لا يصلح لواقع الأمة العربية والإسلامية لعدم امتلاكها هذه الأشياء وتخلفها عن ركب الحضارة الحديثة، كما أن ولادة أيْ مجتمع وإرادته لصنع نهضة تبدأ عادة في الأفكار لأن هذا أقصى ما تملكه في تلك المرحلة.
الفرق الصريح بين الغربي والعربي
ولتقريب الصورة أكثر لتعريف الثقافة يضرب المؤلف مثالًا على “الفرق الصريح بين الغربي والعربي” بطالب طبّ مسلم ذهب إلى أوروبا ليحصل على دبلوم الطب الذي حصل عليه الطبيب الإنجليزي فرغم أنهم مشتركين في التخصص إلا أنهم مختلفين في الفاعلية الاجتماعية بسبب اختلاف سلوكهم وأسلوب حياتهم أيّ باختصار بسبب اختلاف ثقافتهم، أما لو كان طبيبًا انكليزيًّا وراعيًا انجليزيًا فرغم اختلاف المهنة إلا أن هناك تشابهًا عجيبًا في سلوكهم بسبب اتفاقهم في الثقافة.
وختاما ذكر الكاتب حديثا نبويا يصف الحالة التي يشهدها العالم العربي والإسلامي اليوم والذي استنبط الكاتب منه التدرج من الأعلى للأدنى في تصوير علاقة الفرد والمجتمع بالعلم أيْ بالأفكار والأشياء.
يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-:
“مثل ما بَعَثني الله -عزّ وجل- به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكانت منها بقعة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها بقعة أمسكت الماء فنفع الله -عزّ وجل- بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وكانت منها طائفة قيعان لا تمسك ماء ولا تُنبت كلأ”.
إليك أيضا
add تابِعني remove_red_eye 35,716
مقال يناقش الثقافة وتطبيقها من وجهة نظر "مالك بن نبي"
link https://ziid.net/?p=51928