كيف ظهر شعر امرئ القيس؟
كل ما تعرفه أنت عن هذا الشاعر أنه داعر فاجر بيديه الخمر وبجانبه النساء. لكنك هنا، ستراه إنسانًا له تاريخ يبكيه ... امرؤ القيس
add تابِعني remove_red_eye 2,365
قد نستمع إلى قصيدة فتأخذنا ولا تتركنا إلا بنهايتها. وقد نقرأ قصة أو رواية فلا يمسّنا منها إلا سطر واحد أو كلمة واحدة. لماذا يحدث هذا؟ هل – مثلًا – بكاء العرب على الأطلال يمسّنا لمجرد أنهم يبكون على الأطلال؟ مؤكد هناك شيء مشترك بيننا نحن البشر يجعلنا حين نستمع إلى شاعر عربي يبكي على الأطلال نبكي معه ونشعر شعوره. هذا الشيء المشترك هو ما يقوم عليه العمل الأدبي؛ وإلا أصبح العمل الأدبي مجرّد وصف للواقع.
العمل الأدبي يقوم على الذاتيّة. هو عملية صياغة الواقع في شكل يعبّر عن ذات قائله. أو كما يقول الأستاذ أبو قيس عن الشعر: هو حكاية لوقْع الواقع علينا دون الواقع نفسه. وهذا ما استطاع به الأستاذ أبو قيس فهم شعر امرئ القيس وإثبات أنه ليس أجزاءً نتشرّب كل جزء وحده؛ إنما هو عمل كامل، له طعم واحد، وإنما كوّنته مكونات مختلفة. وهذا ما سأعرضه.
امرؤ القيس
هو ابن ملك كندة. كندة التي كانت تحكم منتصف شبه الجزيرة العربية. ويروى عن أبيه أنه كان جبارًا ظالمًا. فلك أنت أن تتخيل ماذا يعني أن تكون ابن ملك ذي نسب وشرف وظالم في شبه جزيرة كلها صحراء وحروب؟ ستظن أنك تملك الدنيا. فستعيش في نعيم ورغد. في قوة وجلد. في عزة وغلبة. تفعل ما تشاء. وهذا ما تشهد به قصائد امرئ القيس: فهو كان يدخل إلى مكان مُنبت يحميه قومٌ أشد الحماية فلا يتعرض له أحد. وأيضًا كان يذهب إلى معشوقته في الليالي لا يهاب أحدًا ولا يستطيع إيقافه أحد. وأنه كان ينصر أصحابه حين هزيمتهم في المعارك. والشواهد كثيرة في قصائده.
انهيار الذات
أن تكون حيًّا في حياة معينة ثم تُسلب منك فجأةً على حين غرة، تفقد ذاتك. تشعر أن الدنيا بلا طعم وبلا هدف كأنك لم تعد شيئًا. وما بالك لو كانت حياة كما هي حياة امرئ القيس. فقد حصل انقلاب على أبيه فغدروا به وقتلوه. وأضاعوا ملك كندة على العرب. فضاعت حياة امرئ القيس، كل حياة النعم والترف والقوة والمهابة.
المَلِك لا يطيح
أبى امرؤ القيس أن يُقتل بأبيه أشرف رجل ممن غدروا به. وأبى أن يظل ملكًا على الكنديين. كيف يكون هو الذي كانت مملكة أبيه على العرب ملكًا على منطقة أصغر؟ لم يستطع تحمّل هذا. فعزة النفس هذه لفظت الحزن والإحساس بالعدم وقبضت على العزيمة أن يسترجع الملك على العرب فيرد الثأر ويسترجع حياته. ويكفي شاهدًا ختام قصيدته «ألا عم صباحًا»: فهو يقول إنه يسعى لاسترجاع مجد مؤثل، أي مجد دائم مستمر قديم أبدي. وليس كما يُظن ثأرًا أو حياةَ اللهو والتمتع. فحياة اللهو والتمتع هي جزء من حياته الملكية وليست هي نفسها حياته.
نشأة الشعر
هذا ما فعله الأستاذ أبو قيس ليفهم امرأ القيس. فهو قد راجع التاريخ، ثم تمثّل القصائد وأحس أنها مصبوغة بصبغة كلية. ليس كما يدعي النقّاد القدماء الذي يغرقون في البيت الواحد وينسون أن القصيدة كلها قيلت في مقام واحد من شعور واحد. فبدأ يصل إلى الروابط بين هذا التاريخ وبين القصيدة، فوجد أن أجزاءها تعبر عن هذه المعاناة التي نزلت به. فحين نرى شرحه على قصيدة قفا نبك نجد أن القصيدة كلها تدور حول الذكرى، تذكّر الحياة القديمة والسبب في هذه الذكرى هو الطلل الذي وقف عليه. وحين نرى شرح ألا عم صباحا نجد أن السبب أن سيدة مما كان يلهو بهن، استخفت بقدرته هو امرؤ القيس ابن ملك كندة الذي كان لا يهاب أحدًا يفعل ما يشاء. فراح في القصيدة يثبت قدرته بما كان يفعله في الماضي.
ما فعلته هنا هو أنني جمعتُ ورتّبت وفصّلت ما قاله الأستاذ أبو قيس في شروحه عن هذا الشاعر وما وصل إليه هو بعد عمل طويل وجهد مضنٍ. لنستطيع رؤية امرئ القيس إنسانًا له تاريخ يبكيه، دون عرض للقصائد وتفاصيلها، التي ستجعلنا نراه كشاعر ونحاول فهم قصيدته، وسندخل في سلسلة من التقييمات اللانهائية. ببساطة كنت أحاول أن أقول إنه لا يمكن فصل الإنسان عن قوله، فقوله هو تعبير عن ذاته. وهكذا ظهر شعر جد الشعراء امرئ القيس.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 2,365
التاريخ الحقيقي للشاعر إمرئ القيس
link https://ziid.net/?p=94981