من زلمة إلى ريَّال: لماذا تختلف اللهجات؟
اللهجات واللكنات ليست مادة للسخرية ولكنها تعبر عن التطور اللغوي للمجتمع ولتفرد كل مجتمع وما فيه من ثقافة شعبية
add تابِعني remove_red_eye 62,087
- ما اللهجة؟
- ماذا يعني هذا الكلام الذي قد يبدو أكاديميًّا جدًّا؟
- هل اللهجة قديمة أم حديثة؟
- ولكن ما الذي يؤدي إلى انقسام اللغة وتشعبها إلى لهجات؟
- اختلاف البيئات الجغرافية
- تنوع الظروف الاجتماعية
- الحروب وفرض ثقافة المستعمر
- البعد الزمني
- مظاهر الاختلاف اللهجي من التراث
- الاختلاف الصوتي
- الاختلاف الصرفي
- الاختلاف النحوي
- الاختلاف الدلالي
- إليك أيضًا
في الألسنة العربية تختلف الكلمات، فمثلًا كلمة “رجل” تنطق في سوريا “زلمة” وتنطق في الكويت “ريَّال” على الرغم من كونها لغةً واحدة وهي اللغة العربية، ولكنها تختلف من قُطْر لقُطْر، والتغيّر ليس فقط من حيث نطق الكلمة أو بناؤها اللغوي وإنما يمتد لأن تتغير الكلمة الواحدة إلى أكثر من معنى بحسب بلدتها، ففي فلسطين حينما يسلم أحدهم عليك سيقول لك (يعطيك العافية) إذا كنت مصريًّا أو أردنيًّا أو أي جنسية أخرى ستشعر بالسعادة.
ولكن إن صودف وقيلت لمغربيّ سيغضب ويثور لأن (العافية) في اللهجة المغربية تعني (النار)، لم يتوقف الأمر عند اختلاف الدول فحسب، بل تعدى لأفراد البلد الواحد، ففي بلدي مصر تنطق كلمة (رجل) في القاهرة بالجيم غير المعطشة، وفي بعض قرى الصعيد يبدلون الجيم دال فتصبح (ردل) وفي الريف تنطق بالجيم المعطشة، قد تسأل نفسك: لما تتعرض اللغة لتلك الانقسامات؟
قبل أن أجيب يجب أن أوضح أن وظيفة اللغة هي التواصل بين الأفراد، وإذا انعدمت وظيفتها تلك، ماتت واندثرت لذلك تتطور اللغات لتؤدي وظيفتها فيهمل الصعب والغريب ويجري على الألسنة ما يسهل تناوله، وتستجيب اللغة بالعوامل الداخلة على المحيط فتتشعب إلى لهجات.
ما اللهجة؟
عرفها د. “إبراهيم أنيس” بأنها: مجموعة من الصفات اللغوية تنتمي إلى بيئة خاصة ويشترك في هذه الصفات جميع أفراد هذه البيئة، وبيئة اللهجة هي جزء من بيئة أوسع وأشمل تضم عدة لهجات.
ماذا يعني هذا الكلام الذي قد يبدو أكاديميًّا جدًّا؟
تلك الصفات اللغوية هي مثلًا: الاختلافات الصوتية في نطق بعض الكلمات، مثل: النطق المختلف لكلمة رجل ما بين الجيم المعطشة، والجيم غير المعطشة، والبيئة التي تنتمي إليها هي مصر، وتجمع بين أفراد هذه البيئة وبيئة تلك اللهجة جزء من اللغة العربية ككل. الاختلافات لم تعد صوتية فقط بل هناك اختلافات في الكلمات التي تعبر عن معنى واحد مثل زلمة، وريَّال ورجل.
هل اللهجة قديمة أم حديثة؟
اللهجات قديمة قِدم اللغة العربية، وقد عرفت عند العرب باسم اللغات أو اللحن فقد روي عن أعرابي قال في معرض الحديث عن مسألة نحوية (ليس هذا من لحني ولا من لحن قومي)، واللغة كانت تُعرف باللسان ويذكر د.”إبراهيم أنيس” في كتابه في اللهجات العربية (وقد يستأنس لهذا الرأي بما جاء في القرآن الكريم من استعمال كلمة اللسان وحدها في معنى اللغة نحو (8) مرات).
ولكن ما الذي يؤدي إلى انقسام اللغة وتشعبها إلى لهجات؟
اختلاف البيئات الجغرافية
فالأرض الفسيحة التي نعيش فيها وتحتضننا مختلفة الجغرافيا، فمن المناطق الوعرة إلى السهول والوديان والرياض، إلى المدن المزدحمة مختلطة الألسن، وذلك من العوامل المؤثرة على اللهجات، فقد يؤدي قلة الاندماج بين أبناء اللغة الواحدة أن يصبح لكل منه لهجته الخاصة التي لا تشبه الآخر، ففي مدينة القاهرة المزدحمة بالبشر من كل الصنوف، والتي تسبح في المدنية تجد لغة رقيقة، بينما في بعض المناطق من الريف والصعيد تجد اللغة الأشد من حيث نطق الأحرف وإبانتها.
تنوع الظروف الاجتماعية
هذه الفروق تراها واضحة بين النظم الاجتماعية والعرف والتقاليد ومناهل الثقافة، والوجدان ومناحي التفكير، وهذا الاختلاف الفكري يتردد صداه في أداة التعبير وهي اللغة، فالمجتمع الواحد ينقسم إلى طبقات، فالعامة لغتهم تختلف عن لغة المثقفين، عن لغة العمال، أو الطبقة الارستقراطية، ومثل ذلك فالبدو الذين ينتقلون من مكان لمكان ويتعرضون إلى لسان غير لسانهم، فإنهم يختلفون عن المستقرين في مكان واحد لا يرحلون ولا يختلطون بغيرهم.
الحروب وفرض ثقافة المستعمر
حينما تنشب حربٌ بين بلدين لا يكتفي المستعمر بفرض سيطرته على مؤسستها واحتلاها فحسب، بل يسعى إلى طمس الهوية وتحويل البلاد إلى جزء من بلده، وأول ما يصل بين البلاد وهويتها هو لغتها، فحينما يقضي على اللغة يمكنه حينها طمس هوية الدولة كيفما يشاء، حدث هذا مع اتساع رقعة الدولة الإسلامية واجتياحها العالم الغربي فاختفت القبطية من مصر، والآرمية من العراق والشام والبربرية من المغرب، ثم كاد أن يحدث مرة أخرى للغة العربية حينما احتلت فرنسا دول المغرب العربي، وجرَّمت تدريس العربية وأغلقت مدارسها، ولتعدد الحكم في مصر وتغيرها من الفتح الإسلامي للمماليك، والأيوبيين، والأسرة العلوية، وصولًا للاحتلال الفرنسي والإنجليزي، تجد لهجات المصريين كثيرة وكلماتهم المستعملة من لغات أخرى كثيرة.
البعد الزمني
من العوامل المهمة في تشعب اللغة إلى لهجات عامل الزمن، طول الزمن، وتعاقب الأمم، فكلما توالت القرون وبعدت الشقة بين اللغة وأهلها في العصور التالية لعصورها الأولى مما يساعد على انقسامها وتعددها، وهذا هو القاسم المشترك بين العوامل الأخرى، بل وهو عامل ملموس منا لا يحتاج إلى برهنة، فاللغة السامية الأولى انقسمت بمرور الزمن إلى لغاتها المعروفة كالعربية والعبرية والحبشية، ثم اللغة العربية انقسمت إلى لهجاتها المعروفة قبل الإسلام، ثم اليوم انقسمت اللغة العربية وتبدلت تبعًا لظروف مر بها كل قطر من الأقطار العربية، فتجد اللغة العربية في مصر تختلف عن سوريا عن العراق عن السعودية.
مظاهر الاختلاف اللهجي من التراث
الاختلاف الصوتي
- من لغة قضاعة أنهم كانوا يبدلون الياء جيمًا، لأن الجيم أظهر في النطق من الياء فيقول الشاعر:
خالي عويف وأبو علج .. المطعمان اللحم بالعشج
- (علج) المقصود بها علي، و(العشج) العشي، والمقصود بالبيت أن عويف وعلي يصنعان اللحم على العشاء، ويسمى ذلك التغيير بالعجعجة.
الاختلاف الصرفي
في التذكير والتأنيث مثلًا ورد عن العرب أن هناك ألفاظًا تُذَّكر عند قبيلة وتُؤنّث عند غيرهم، ومن ذلك كلمة “الزوج” حيث تقع على المرأة والرجل لدى أهل الحجاز فيقال للرجل زوج وللمرأة كذلك، أما قبيلة بنو تميم فإنهم يقولون للرجل زوج وللمرأة زوجة.
الاختلاف النحوي
من أسماء الأفعال (هلم) وهي بمعنى (أقبل) وهي باتفاق أهل العلم فعل عند أهل الحجاز، وهي عندهم مفردة ولا تلحقها الضمائر فتقول هلم يا محمد، وهلم يا رجال، وهلم يا نسوة، بينما عند بني تميم فإن الضمائر تلحقها فتقول: هلم يا محمد، هلمي يا فاطمة.
الاختلاف الدلالي
تتغير معنى الألفاظ تبعًا لتغير اللهجات فترى اللفظ الواحد بمعنى عند قبيلة، وبمعنى آخر عند قبيلة أخرى وهو ما يسمى بالمشترك اللفظي، وأحيانًا تجد اللفظ يحمل المعنى عند قبيلة وعند الأخرى يحمل المعنى المضاد له وهو المتضاد، أو يكون للمسمى أكثر من لفظ وهو المترادف.
- المتضاد مثل: لفظ “السدفة” فهي عند بني تميم بمعنى الظلمة وعند قبيلة قيس بمعنى الضوء.
- المشترك اللفظي مثل: “العين” وهي تطلق على العين التي تبصر، وعين الماء والجاسوس.
- المترادف مثل: “العرم” بلهجة اليمن تعنى السد بينما بلهجة أهل الحجاز المسناه.
لم تكن اللهجات لتصبح مبعث سخرية أو خلاف، إنما هي تطور لغوي من تطورات اللغة ليجعلها تؤدي وظيفتها على أكمل وجه، وتساعد في حماية نفسها لكنه ليس مبررًا لأن تتغير اللغة ببشاعة فتصبح غريبة لا نعرفها، وهو ما يحدث الآن، لذلك لا بد لنا أن نتعلم العربية، وأن نتعرف إليها، لأن لغتنا هي هويتنا، التي إن ضيعناها، ضعنا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,087
تتغير الكلمات العربية من لسان إلى لسان تبعًا للأقطار المختلفة فما سر ذلك الاختلاف.
link https://ziid.net/?p=63920