تأسيس نادي قراءة باللغة الانجليزية: تجربة شخصية
نادي القراءة من الأفكار المدهشة التي قد تساعدك على زيادة معدل القراءة وتساعدك في فتح آفاق جديدة لنفسك عن طريق النقاشات
add تابِعني remove_red_eye 1,860
الانضمام لنادي قراءة حلمٌ ظل يراودني لسنوات طويلة، منذُ سنوات دراستي الأولى في قسم اللغة الانجليزية وآدابها في كلية الآداب بجامعة الملك سعود، وبعد مضي خمسة عشر عاماً تحقق ذلك الحلم! نعم، لستُ أبالغ إن وصفته بالحلم الذي بقي يظهر أحياناً ثم يخبو أحياناً أخرى، ولكنه هدفٌ ظللت أنشد تحقيقه حتى تحقق أخيراً!
معوقات محتملة
لعل أول عائق لانضمامي لأي من أندية القراءة كان رغبتي في الانضمام لنادي قراءة باللغة الانجليزية في بلدٍ قلّما تجد من يتقن اللغة الانجليزية، ناهيك عن العثور على أشخاص شغوفين بالقراءة بتلك اللغة! وكان من الأجدر أن تتوفر مثل هذه الأنشطة في الأندية الأدبية والجامعات، ولكنها للأسف لم تكن! وأعتقد أن ذلك أصبح من الماضي الآن، حيث يوجد في معظم جامعاتنا أندية قراءة باللغتين العربية والإنجليزية، للبنين والبنات أيضاً.
أمر حتمي
زادت تلك الرغبة ونمت في داخلي حتى أصبحت واقعاً لابد من فرضه، خصوصاً مع إدراكي لأهمية القراءة ليس فقط للرقي على المستوى الشخصي والثقافي ولكن على المستوى المهني أيضاً. حيث إن من أساسيات عملي كمترجم إجادة اللغتين العربية والانجليزية، والقراءة بنهم من أنجع الطرق لتقوية الحصيلة اللغوية للمترجم. فكان لزاماً علي أن أجِد من يتوافقون معي ويشاركونني الاهتمام، فأخذت زمام المبادرة وأنشأت مع عدد من الأصدقاء نادي قراءة باللغة الانجليزية يهتم غالباً بالأدب الانجليزي والعالمي المُترجم للغة الانجليزية، وبعض الكتب في التخصصات الأخرى في أحيانٍ قليلة، حيث أننا ما نلبث أن ننحرف عن قراءة الروايات وكتب الأدب لكسر الرتابة حتى نعود لها مرة أخرى. وكانت البداية بالفعل قبل ثلاثة أعوام ونيف، حيث بدأنا في جنبات نادينا نخوض تجربتنا الأولى في معترك صفحات أفضل الروايات العالمية المكتوبة أو المترجمة للغة الانجليزية.
لماذا الرواية ؟
وقد يتساءل القارئ، لماذا قراءة الرواية عن غيرها من العلوم؟ وعليه أجيب، ناهيك عن المتعة في قراءة مثل هذه الكتب، حيث إنها أفضل بعشرات المرات من مشاهدة أحد أفلام هوليوود؛ حيث المشاهد، وإن كانت خيالية ومبدعة، إلا أنها محدودة بما تراه العين، على عكس العقل البشري الذي لا حدود لخياله. وهنا أذكر قراءتي لرواية عن الحرب الأهلية الأمريكية بعنوان (The Killer Angels: A Novel of the Civil War) للروائي الأمريكي مايكل شارا، وكيف تخيلت المعارك عنيفة تتطاير فيها الأطراف وتختلط صرخات النصر بالألم، وبعد انتهائي من القراءة قررت مشاهدة الفلم الذي فاز بجائزة (الآمي) لأفضل فلم واقعي وهو من إخراج رونالد ماكسويل وبطولة ماران شين وجيف دانييلز. والحقيقة أن أملي قد خاب مما شاهدت، ولم يصدق المثل “ليس من رأى كمن سمع”! فكانت متعة قراءة الرواية أفضل من مشاهدتها بمراحل.
تجاربنا
وأزيدُ على المتعة، الثقافة. حيث قرأنا أكثر من ٤٠ كتابا، منها ما هو عن الحياة الأرستقراطية في بريطانيا في القرن التاسع عشر، وصراع الطبقة الكادحة في روسيا الوسطى أو ما يسمى الآن أوكرانيا مع رموز السلطة، وعلاقات الغرام والخيانة الفرنسية، وعبثية الحرب، وعدد من قصص الفلكلور الروسي والخرافات الشعبية التي لا تخلو من الدروس والعِبر! والحياة الاجتماعية في ألمانيا وصراع الفرد في الحياة المدنية، وعن قسوة الحياة والشتاء في الريف البريطاني والنشء في دير الفتيات بين الرهبان والراهبات، والفكر الغربي بعد الحربين العالمية الأولى والثانية، والحرب الأهلية بين الكونفدرالية والاتحادية في الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، وعن العنصرية الإمبريالية ونفاقها في التعاطي مع الزنوج في أوج ازدهار الحضارة الأمريكية الحديثة ومدى فساد النظام القضائي “الديمقراطي”! ولا أنسى حياة الشباب المراهق في الستينيات والسبعينيات في الولايات المتحدة، وغيرها الكثير من الشخصيات والثقافات والسلوكيات التي تتعمق في سبر غور النفس البشرية في محاولة لفهم وتحليل العلاقات الاجتماعية المعقدة والشخصيات المتنوعة، وبالتالي فهم أفضل للحياة التي نعيشها اليوم، وقدرة فريدة في التعايش مع الآخرين باختلاف خلفياتهم وتنوعها! وما من تعبير عن هذا أصدق مما ذكره الأديب والشاعر المصري الكبير عباس محمود العقاد حين قال إن “القراءة وحدها هي التي تُعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة؛ لأنها تزيد هذه الحياة عمقًا، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب”.
كيف أثر هذا في حياتنا ؟
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن كل كتاب أو حكاية تثري حصيلتك المعرفية واللغوية وتزيد من خبراتك في الحياة وتختصر عليك سنين وأعماراً مديدة من تجارب الآخرين. وهنا على الشخص معرفة صفاته الشخصية والبحث عما يشجعه على الاستمرار في القراءة، فبعضهم قد يفضّل القراءة منفرداً حتى يختار بنفسه ما يناسبه فقط حتى لا يضطر إلى قراءة كتب اختارها له الأعضاء الآخرون في النادي، والبعض الآخر يحتاج لمثل هذه الأندية لتحفيزه على الاستمرار على القراءة. ولا مفر من قراءة كتاب ممل أو لا يستهوي أحد الأعضاء، ولهذا فمن المهم تحري الدقة والتمحيص عند اختيار الكتاب، وكذلك الاتفاق منذ البداية على الموضوع العام الذي يفضله الجميع سواء فلسفة، أو أدب، أو سياسة، أو دين، أو غيره.
وقبل ذلك، لابد من تحديد الهدف من إنشاء أو الانضمام لمثل هذه الأندية حتى لا يحيد أحد الأعضاء عن الهدف الرئيس الذي بدأ من أجله النادي، فغالباً ما يأتي الأعضاء الجدد بأفكار جديدة قد لا تتناسب مع الهدف العام، ولهذا من المهم وضع الأهداف الرئيسة وكتابتها ثم تقديمها لكل من يرغب في الانضمام لتحديد مدى ملاءمة موضوع النادي وظروفه من عدمه. فعلى سبيل المثال، حددنا “تحسين اللغة الإنجليزية” هدفاً لنا، وعليه رفضنا كل الاقتراحات لقراءة كتب أو روايات باللغة العربية مهما كانت مغرية، وهذا لا يعني عدم قراءتنا لها، ولكن من رغب في القراءة باللغة العربية فعليه بذلك في وقته الخاص ولا نناقشها أيضاً في اجتماعات نادي القراءة. وكذلك لابد من تحديد الخطوط العريضة التي يجب على باقي الأعضاء مراعاتها مثل الاتفاق على قراءة عدد معين من الصفحات في كل أسبوع، وحثّ الجميع على الالتزام بالقراءة وعدم التوقف في حال لم يقرأ أحد الأعضاء، وكذلك اختيار شخص لإدارة الحوار في كل جلسة حتى تُتاح الفرصة للجميع لطرح آرائهم ومناقشتها، بالإضافة إلى أمور أخرى عامة تشترك فيها جميع أندية القراءة، كمناسبة المكان، وتوفر الطعام والشراب، ودورات المياه، وتحديد الحد الأعلى لعدد الأعضاء الذين يمكن انضمامهم وخلفياتهم الثقافية والتعليمية، فمن غير الممكن مثلاً أن ينضم شخص لا يجيد اللغة الانجليزية لنادي قراءة باللغة الانجليزية؛ فهذا من شأنه خفض مستوى القراءة والنقاش.
مزيد من التحديات التي تواجه أندية القراءة
ومن التحديات أيضاً التي تواجهها أندية القراءة باللغات الأجنبية صعوبة العثور على أعضاء ملتزمين بالقراءة ويجيدون التحدث بتلك اللغات بطلاقة، ولهذا ينبغي الاستمرار في القراءة والمناقشة في العالم الافتراضي إن لم يتسنَ اللقاء في العالم الواقعي. ويُستحسن أيضاً أن يوجد نادي القراءة على منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر و(Goodreads) وغيرها ليسهل على المهتمين بالقراءة الوصول للنادي والتواصل مع أعضائه.
والأهم دائماً هو التذكير بأهمية القراءة وما لها من فوائد جمة للفرد على جميع الأصعدة، ويكفي القول إن أول ما نزل من القرآن الكريم قوله تعالي (اقرأ باسم ربك الذي خلق) لبيان أهمية القراءة وطلب العلم.
وفي الختام، أشكرك عزيزي القارئ على تخصيص جزء من وقتك الثمين لقراءة هذه الأسطر والتي أسأل الله أن ينفع بها، وهي نتاج خبرة وتجربة شخصية للعبد الفقير إلى الله، ومما لا شك فيه أن مثل هذه التجارب الشخصية قد لا تنجح مع الجميع، وبلا شك أن ما ورد أعلاه يحتمل الخطأ والصواب، فالمرء مهما علا وقرأ لن يبلغ العلم منتهاه. ولهذا يجب عليك عزيزي القارئ البحث عما يناسبك ويستهويك لتبني تجربتك وخبرتك الشخصية وتصبح القراءة سهلة ممتعة لا عناء ولا تكلف فيها.
add تابِعني remove_red_eye 1,860
مقال مدهش يروي تجربة شخصية لتأسيس نادي للقراءة
link https://ziid.net/?p=18200