أدب الديستوبيا
أدب الديستوبيا الذي غير نظرتي للحياة والبشرية والمستقبل.
add تابِعني remove_red_eye 9,130
“Dystopia” أو ديستوبيا أو أدب المدينة الفاسدة، و هناك من يسميها المجتمع غير الفاضل. الأدب الديستوبي هو نوع من الأدب يتناول المستقبل المظلم للبشر، حيث المجتمعات التي تسودها ظروف غرائبية ناتجة عن الفقر، الظلم، الجهل، الخراب والأنانية. كلمة “ديستوبيا” تعني في اللغة اليونانية “المكان الخبيث”، أي أن المجتمع الديستوبي هو مجتمع سيئ و شرير لا يُراعى فيه المشاعر الإنسانية بكل تجلياتها.
هذا النوع المهم و المظلم من الأدب هدفه أن يشير للإنسانية جمعاء وينبهها للمستقبل الذي ينتظرها إذا ما استمر التقدم التكنولوجي والعقلي للبشر دون تقدم نضجهم العاطفي أو النفسي، أن يصبح الاستهلاك والسطحية ركائز للمجتمعات، فتدمر البشرية نفسها بنفسها،
يحاول الأدب أن يقوم بدوره في وصف و تسجيل مسار الحضارات عن طريق الخيال والخيال العلمي، لن نصفه خيالًا بحتًا، فإن نظرت لبعض أحداث الروايات والقصص الديستوبية، ستكتشف أنك تعيش تلك الأحداث بشكل جزئي. لننظر مثلًا للعصر الحالي وليس لبلد معينة و لكن لننظر لجميع أنحاء العالم، أترى معي عزيزي القارئ التنميط؟ معايير الجمال الموحدة؟ كيف أن تلك المعايير جعلت كل من الرجال والنساء على حد سواء يذهبون تحت المشرط و الحقن لكي يصبحوا كلهم شكلًا واحدًا، هذا الشكل الذي يعتبرونه هو معيار الجمال الحالي؟ كالفك البارز لدى الرجال، و الشفاه الممتلئة جدًا لدي النساء. أصبح من ينادي بالاختلاف والطبيعية أمر غير مرغوب فيه، أو بأقل تقدير أصبح مُتجاهَلًا. من المميز أن ذلك النوع من الأدب هو مادة خصبة وممتازة لكي تتحول لفيلم أو مسلسل، فنرى أن الكثير من الروايات قد تم تحويلها لأفلام دون أن نعرف أن أفلام الخيال العلمي تلك هي في الحقيقة توقعات العديد من الكتَّاب للمستقبل البشري، حيث يرى معظمهم أن البشر سيتخلون عن أكثر ما يميزهم كالتفكير والعلاقات البشرية ويصبحون أقل إنسانية مقابل أشياء أخرى. و بعد أن استعرضنا سويًّا ما هو أدب الديستوبيا، إليك بعض الروايات التي قرأتها، و تنتمي لهذا النوع.
السيد من حقل السبانخ
صدرت في التسعينيات للكاتب المصري “صبري موسى”. بالنسبة لذلك الوقت، كانت مفاجأة أن يكتب أحد في الوطن العربي عن أحداث تلك الرواية، فهي تتحدث عن مجتمع تخلى عن إنسانيته بشكل كبير، وأصبحت الآلة هي المسيطر. إنسان آلي يرتب وينظف ويقود ويتحدث، كما أن الطبيعة أصبحت مشوهة من بعد الحرب النووية وسفك الدماء الذي قام به الإنسان القديم، ذلك الإنسان الذي كان يقتل ويظلم ويحب، فيبني الإنسان حوله جدرانًا، عازلًا نفسه عن كل شيء، فقط جدرانًا و آلات ويتزوج عن طريق آلة تحدد له المتطابق المتشابه لشخصه. وحين يفيق البعض لينظر حوله، ليبحث عن شجرة، أو نبتة، ليحاول أن يجد شعورًا، فلا يجد. فما الذي سيحدث؟ ومن الذي سينتصر؟ الإنسان الذي يفيق ليعود لإنسانيته القديمة؟ أم المجتمع الذي يريد أن يخطو ويقفز للفضاء دون أدنى ذرة من الشعور؟
451 فهرنهايت
نُشرت عام (1953م) قالت عنها مجلة “نيويورك تايمز” “تحمل مضامين مرعبة” إنه مبهر حقًّا ذلك العالم المجنون الذي رسمه “برادبوري”، والذي يدق أجراس الخطر لكونه يحمل ملامح كثيرة من عالمنا.
تتحدث الرواية عن مجتمع سطحي لا يدعو للتفكير، أي شخص يمتلك كتبًا، أيًّا كان نوعها يتم حرقها. أتذكر مشهدًا في الرواية أن هناك سيدة عجوز رفضت أن تترك الشقة التي تحتوي على كتبها، صعد الإطفائيون – الذين يحرقون الكتب هنا- لإقناعها بالنزول وعندما رفضت، قاموا بحرق الشقة و هي بالداخل. تخيل عزيزي القارئ هذا الموقف. هذا ما يريد “راي برادبوري” المؤلف أن يوصله إليك. إنه مجتمع يرفض أن تمسك كتابًا. كيف ستكون الحياة حين يفيق إطفائي ليمسك بدفتي كتاب ويقرأ؟ هذا ما سنعرفه، كما أن النهاية ستدهشك.
حارس سطح العالم
تبدع “بثينة العيسى” هنا، فهي لا تحرق الكتب، بل تُشيد مقاومة في قلب نظام لا يقبل بالتوقف و التفكير. سنرى أن هناك كتبًا كثيرة من المهم هنا أن نخالف أي مساس بالذات الإلهية، أي تاريخ قديم للعالم قبل الآن، أي شيء جنسي هو مخالف للآداب العامة، أي شيء عن النفس البشرية يعتبر مخالفًا لمختبرات الحكومة، أي خيال هو مناف للمنطق. لا تتخيل، لا تقرأ ما يساعدك على التفكير، إياك والتورط في المعني، فاللغة بلا تضاريس فهي سطحية لا عمق لها. وهنا أيضًا تظهر المقاومة من قلب الجهل، حيث يثور رقيب الكتب بعد أن يقرأ كتابًا مخالفًا فلا يعود كما كان.
عالم جديد شجاع
صدرت عام (1932م) وكانت من أوائل الروايات التي تتنبأ بالتكنولوجيا وقتل ما يميز الإنسان شعوريًّا مبكرًا. التنميط ثم التنميط. هنا في هذا المجتمع الشجاع الذي لم يخف من أن يقفز للأمام بصورة تعتبر لنا الآن أكثر من مرعبة. فقد أصبحوا يصنعون البشر في المعامل والتعديل الجيني لهم بحيث يكبر كل منهم في طبقة معينة بنسبة ذكاء محدودة حسب وظيفته وطبقته. فهنا الجنس هو للتسلية وليس لإقامة أسرة وأم وأب وتربية، هنا فقط هناك استهلاك وعمل ورياضيات وخوارزميات تحكم حياتنا. فلا داعي للمشاعر والحب والترابط، فهنا كل إنسان قيمته محددة مسبقًا ودوره معلوم وهو ما يزال جنينًا يتم تكوينه.
رأينا بعض الترشيحات التي ترينا الديستوبيا، فقط لاحظ معي عزيزي القارئ أن هناك غالبًا أمل يخرج من البشرية، هناك من يريد أن يعود لطبيعته. هناك من يريد أن يشعر ويحب. هناك من يقاوم ولكن هل ينجح؟
تلك كانت تجربتي مع الديستوبيا التي غيرت نظرتي للحياة.
لألّا تُصاب بالاكتئاب، اقرأ هذه المقالات:
add تابِعني remove_red_eye 9,130
link https://ziid.net/?p=70252