الغزو الثقافي.. هل نحن مستهدفون؟

قبل التعرف على الغزو الثقافي يجب توضيح مفهوم الثقافة ودوره في حفظ هوية الأمم، فالثقافة هي مجموعة المعارف والعلوم التي تؤثر في الحضارة البشرية. أي نتاج الأمة من الفكر، والأدب، والمعرفة. والغزو الثقافي هو إيجاد مرجعية جديدة للمسلمين -لتحل محل العقيدة الإسلامية- متخذة الفكر الغربي كقاعدة للانطلاق إلى جميع مناحي الحياة التي تمس الإنسان والكون.

إننا كأمة نعيش أضعف مراحلنا، من الناحية الثقافية، والاجتماعية، والفكرية، والأخلاقية أيضًا. وتكمن خطورة الغزو الثقافي، بأنه يتخذ من التحريف وتخريب العقول منهجًا ثابتًا وإن تغيَّر مظهره، مدفوعًا بهدف عقيدي إنْ صح التعبير، ألا وهو أن يستبقوا على الشعوب خاضعة تابعة لهم. ولأن الجميع يعرف أن الثقافة هي عمود الأمم، فهذا النوع من الغزو يستهدف مناهج التعليم وكل ما مِن شأنه فصل الشعوب عن تاريخها ولغتها.

ومن أكثر الموروثات استهدافًا هي اللغة، ولأن لغتنا العربية تحمل خصوصية معينة، باعتبار أنّها لغة التشريع وتفسير القرآن، فإذا ما خلقنا حالة من عدم الاعتزاز بها، والاستنقاص منها، سنحصل على جيل كاملٍ لا يفهم دينه، ويجد صعوبة في فهم نصوصه، مما يؤدي إلى تأويله على غير مراد الله، وصعوبة استخراج الأحكام الفقهية.

يقول السياسي الإنجليزي وليام إيوارت غلادستون: “ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان”. ونفس الفكرة صرح بها المبشر ويليام غيفورد بالغريف: “متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه”، بالطبع هم لا يقصدون اختفاءه كنصوص، بل كفهم صحيح وعقيدة ثابتة.

ومن مظاهر محاولات ضرب اللغة العربية هي اكتساح الأسماء الإنجليزية وتربعها على لافتات المحلات التجارية. أيضًا إيجاد فنون وآداب جديدة مثل الشعر الحر -الشعر العمودي- الخالي من القواعد وضوابط اللغة. وادعائهم بأنها لغة عاجزة، وعقيمة لا تساير الحضارة، فأدخلوا عليها كلمات علمية عجمية لتصبح بعد فترة هي الأصل وتنسى الترجمة العربية لها وتندثر.

يقول الرافعي: “ما ذلّت لغة قوم وانحطت، إلا ذلّ وكان أمره في ذهاب وإدبار”. اللغة هي قاعدة هرم هوية الأمه، إذا ما هُدم يسقط كيان الأمة بأكمله، وتذوب في أمم أخرى لا تقيم لوجودها وزنًا واعتبارًا.

إن تلك الهالة التي صنعها الغرب لنفسه، عن طريق الترويج لأفكاره وثقافته، عن طريق آلة إعلامية ضخمة، تحركها الأحقاد، والحنين للغزوات الصليبية، أدَّى إلى تأثر عدد كبير من المثقفين المحسوبين على المسلمين، بل تحولوا إلى أسلحة موجّهة ضدنا، ومن بني جلدتنا. ووصل الكثير منهم إلى حالة استرقاق، يقول فهمي هويدي: “وهذا العصر يشهد نوعًا من الأرقاء، يمكن أن نسميهم بالأرقاء الجدد”. ويظهر عمل هؤلاء الأرقاء في تصريحاتهم المتهجمة علينا، حتى يخال لك أنهم لا ينتمون لنا، وقد جسّدوا أفكارهم التبعية في كتاباتهم ورواياتهم التي توضح بما لا يدع مجالًا للشكّ انسلاخهم التامّ عنا، وعن قيمنا، عن طريق ترويج الإسفاف في أعمالهم.

نجح الغزو الثقافي عن طريق حملاته الإعلامية، وغرس أفكاره، إلى جذب عدد كبير من المثقفين المسلمين، فتكفّلوا بمحاربتنا نيابة عن أعدائنا. أيضًا تغير الترتيب الاجتماعي، فالعلماء، والمفكرون في أسفل السلم الاجتماعي، تأرجحهم رياح النسيان بلا رحمة، بينما نجوم السينما والرياضة يتم تكريمهم والاحتفال بهم. وكذلك إشاعة روح السطحية وعدم المبالاة، وهدم القيم والأخلاق وما يترتب عليهما من نتائج لا تتماشى وتركيبة مجتمعاتنا المحافظة.

يجب علينا أن نخرج أنفسنا من حالة الجمود الفكري، وأن نكسر حلقة العزلة التي أحطنا أنفسنا بها، والرجوع إلى ديننا والتمسك بهويتنا وثقافتنا والاعتزاز بهما.