علي الوردي معجزة العراق الحديث
علي الوردي رائد الفكر التنويري، ومَعْلم من معالم الفكر الاجتماعي، بما يمكن تصوّرهُ وتتبعهُ أن هذا الفاتح الثقافي والانقلابي
add تابِعني remove_red_eye 95
علي الوردي.. الكاتب العراقي الأشهر، والذي عرف بآرائه وأفكاره الفريدة التي جاءت في مؤلفاته، وخاصة فيما يتعلق بالأفكار الاجتماعية، وقد حرص الملايين على تتبع مؤلفاته وقراءتها، حتى في الخارج حظي بشعبية كبيرة، ويعتبر الكاتب الأكثر مبيعًا بين كتاب العراق طوال القرن المنصرم.
رائد الفكر التنويري ، ومَعْلم من معالم الفكر الاجتماعي، بما يمكن تصوّرهُ و تتبعهُ أن هذا الفاتح الثقافي والانقلابي الخطير كان شاهدًا على أحداث قرنٍ تقريبًا، فتح عينيه مع بدايات الحرب العالمية الأولى، اختار اسم (سينما بغداد) على سيرة حياته، وفي اختياره هذا طرفةٌ أدبيةُ، كتبها بدقة و أعطى رأيّه الصريح في كل ما شاهده من أمور و لكن هذه المخطوطة النّادرة اختفتْ معه إلى الأبد، أبو علم الاجتماع العراقي و العربيّ معًا، ملأ الدنيا وشغل النّاس وصار بكتاباته مرجعًا في المجتمع العراقي بالدرجة الأولى، والعربي بالدرجة الثانية.
حياته
سجل والده يوم ولادته بالأشهر الهجريّة على الصفحة الأولى من نسخة للقرآن الكريم وأطلق عليه اسم (علي) تيمنًا بالمولود الذي جاء عشية عيد الأضحى ولكن أكثر ما كان يثير في طفولته هو شخصية والده الصارمة التي خذلتها الحياة مبكرًا، فأخذت منه الأمراض جميع فلذات كبده، ولم يبق لديه من الأولاد إلا ولد واحد (علي)، و كان الأبُ ينتظر من ابنه الوقوف معه في الشدائد والحفاظ على موروثهم الوحيد (محل العطّارة)، فجدّ الأسرة السيد امتهن مع بعض أبنائه حرفة تقطير ماء الورد ومن مهنته هذه جاء اللقب، والدكتور علي الوردي كان أول من أضاف ياء النسبة على لقبه.
إلا أن عليًّا الصغير شعر ومنذ نعومة أظفاره بأنّه لم يُخلق لكي يدير محلًّا للعطارة، فشاكس والده كثيرًا، وقد شكلت هذه الأبوة الصارمة أزمةً نفسيّةً لشخصية (علي) الطفل، فوصف فترة البيع في محل العطارة على أنّها أكثر مراحل حياته مرارةً.
ومن الأقدار التي كانت تريد للوردي أن يصبح عالم اجتماع، ولادته في بيت تطل كل جهةٍ منه على طريقة حياة وأسلوب عيش، حيث باب البيت يفتح على محلة الشيوخ وشبابيكه على محلة الأنباريين، بما يعني أنّه كان على حدود عالَميْن، فنشأ مع أطفال المحلتين، وعاش طفولته على أعرافٍ وتقاليد متناقضة، سرعان ما اكتملت معالم الصورة حين فُرض عليه اعتمار العمة وهو ابن الخمس سنوات.
المراهقة والشباب
وقد كان في صباه مولعًا بقراءة الكتب والمجلات والتّردد على سوق السرايّ ببغداد للتفتيش عن الكتب الجديدة والتّراثية النّادرة، وكان لحضوره المناسبات الدّينيّة في الجوامع والحسينّيات والمواليد النبوية، وجلوسه في المقاهي الشعبية ومجالسة كبار السن والاستماع إلى أحاديثهم وذكرياتهم وقصصهم الشعبية تأثيرًا كبيرًا في تكوينه الفكري والاجتماعي، وتشكيل شخصيته العلمية ونزعته الشعبية الساخرة، فذهب الطفل دون إذن والده وسجل في مدرسة ابتدائية افتُتحت حديثًا في الكاظمية، وكان هذا التحول الأكبر في حياته.
وفي انتقاله من مرحلة الدراسة المتوسطة انتقالٌ حمل في طياته معانيَ كثيرة وتغيّرًا في الرؤى و المفاهيم ، إلى أن حدث الحادث الأهم في الإعدادية المركزية حين رشحته وزارة المعارف لتدريس مادة (أحوال العراق الاجتماعية) رغم اعتراض الوردي على قَدرِه ورفضه تدريسها، فقد كانت مدخله العريض إلى علم الاجتماع وحصوله على مبتغاه حين أعلنت وزارة المعارف العراقية عام 1939م عن بعثةٍ دراسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، و لكن باختصاص التجارة والاقتصاد، إلا أن روحه المتمردة تبحث المجد في مكان آخر، فقد رشحته وزارة المعارف مرةً أخرى لبعثةٍ دراسية لكن هذه المرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولحسن حظ الوردي أن التقديرات الإلهيّة أو ما يسميّها هو الصدفة أدخلتهُ إلى أعرق وأشهر الجامعات، جامعة أوستن في تكساس واحدةً من أضخم الجامعات الأمريكية وأغناها، وفي الثامن والعشرين من أغسطس آب عام 1948م نال درجة الماجستير بتفوقٍ عام، ومنح شهادة الدكتوراه بتقدير امتياز وحصل على شهادته رسميًّا بتاريخ 27/ 7/ 1950م .
أسباب التميز
كان الوردي سهلًا في أسلوبه، بسيطًا في أفكاره وحواراته، لَبِقًا في نقده وفي سخريته، يستشهدُ بالأمثلة الشعبية والقصص والأساطير، إذ كان يضرب بها على أوتار حساسة، صاحب نكتةٍ، سريع البديهة، حاضر الذهن. ومن مشاركته للبسطاء من الناس، تركّبت شخصيته تركيّبًا نفسيًّا واجتماعيًّا، فأيقظوا فيه رغبة النقد والسخرية مما لا يعجبه ويرضيّه من ظواهر اجتماعية، على أنّ نزعة الشك والتشكيك وعدم اليقين فيما يحصل عليه من معرفة، قد ولّدتْ لديه اتجاهًا نحو نسبيّة اجتماعية خاصة به، و مراوغةً من أجل إثارة شجون الآخرين وتحريك ضمائرهم. فوصَفهُ البعض بأنه «يدس السم في العسل».
و قد اعترف بهذا لكنّه سمٌ خفيف يدسه في ثنايا ما يكتبه أو يقوله، في محاولةٍ منه لتغيير طريقة تفكير الأفراد وسلوكهم، وهذه الطريقة كان قد اتخذها فولتير و ديل كارنيجي الذي كتب في الثلاثينات من القرن الماضي كتابه المعروف (كيف تكسب الأصدقاء) ومن الطريف أن الوردي عندما قرأ الكتاب شعر بأنه يسير في الطريق الخطأ وقال حينذاك: «حقًّا لقد كنت حمارًا ولا أدري».
وكانت أولُ ثوراته في كتابه “شخصية الفرد العراقي”، وسَبّبَ هذا الكتاب هجمةً من النقاد اتهمتْهُ فيه بالعمالة لأنه اتهم الفرد العراقي بازدواج الشخصية. وبدأت كتبه وثوراته، واحدةً بعد الأخرى وبدأت كتبه واحدة بعد الأخرى.
بلغت مؤلفاته ثمانية عشر مجلدًا وعشرات الدراسات والبحوث ومئات المقالات والتعليقات والردود في الصحف والمجلات العربية والأجنبية. وقد تُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الألمانية والإنكليزية والفارسية والبولونية والتركية.
وفي الخمسينات اشتد الهجوم عليه وعلى كتبه وأفكاره، و هاجمه أئمة الجمعة في خطبهم حتى قال أحدهم: إن أسباب الفساد في البلد ثلاثة: الخمر، والميسر، وعلي الوردي.
وقد صدر ضده أكثر من ستة عشر كتابًا ومئات المقالات والرسائل والتعليقات الصحفية وكانت خمسة كتب منها ضد كتابه المشهور (وعاظ السلاطين) الذي صدر عام ١٩٥٤م، وثلاثة كتب ضد كتابه (أسطورة الأدب الرفيع).
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 95
سيرة ذاتية للدكتور عليّ الوردي.. عالم الاجتماع الشّهير
link https://ziid.net/?p=81848