طبيبة تخبركم لماذا يبدو بعض الأطباء بلا رحمة ولا مشاعر
الطبيب إنسان ولكن أمام الحالة التي يساعدها لابد أن يضع مشاعره جانبًا وأن يركز في عمله وليس في المشاعر التي قد تعطله
add تابِعني remove_red_eye 77,822
لماذا يبدو بعض الأطباء بلا رحمة ولا يشعرون بالمريض؟ إن الإجابة على هذا السؤال صعبة، سأحاول في هذا المقال أن أريك المنظر العام وكيف يبدو حقيقة… أولاً لنجب عن سؤال، هل فعلاً الأطباء بلا رحمة؟ لا يفقد الإنسان الرحمة، هي جزء من إنسانيته، اللهم إلا من بعض أنواع البشر.
حسناً، هل إذاً لا يشعرون بالمريض أم أنت من يبدو عليك ذلك؟ كلاهما صحيح، في بعض الحالات نحن نشعر ونتألم ولكن نركز أكثر في عملنا، في البحث عن طريقة أفضل للمعالجة. نعم أتذكر والدي المتوفى في وجوه بعض المرضى، أتذكر بعض أحبائي المبتلين بالمرض في عيون من أفحص وأعالج، أتذكر كم تبدو بعض الحالات قاسية وصعبة. وأحياناً لا يشعر الأطباء بالمريض فعلاً، إليك أبرز أسباب ذلك…
1. نرى كثيراً من الحالات السيئة والأسوأ
نرى في الطب الكثير جداً جداً من الحالات، من أحسنها إلى أسوأها، من أشيعها إلى أندرها، نرى الحالات السيئة جداً المتراكبة مع عدة أمراض مع بعضها، لذا قد تبدو الشكايات البسيطة إلى المتوسطة وحتى الخطيرة الخفيفة بالنسبة لنا أقل تحفيزاً للمشاعر والتعاطف، فمريض القولنج الكلوي على ألمه الشديد يبدو عادياً أمام مريض تشمع كبد الذي تطور إلى فقد وعي، أو مريض أجرى إلى الآن ٤ أو ٧ عمليات جراحية وما زلنا نقاتل مع مرضه، يبدو لنا مريض الربو الشاب عادياً أمام مريض احتشاء قلب حضر الآن إلى الإسعاف ونعجل سريعاً في علاجه.
رؤية الكثير يجعلنا نقارن الآلام وربما نقلل من بعضها مقارنة بما نعرفه أشد، وهذا يحدث في الكثير من أمور الحياة فعندما ترى كثيراً تنظر للأمور بنظرة مختلفة، فمثلاً أنت بالتأكيد رأيت أشخاصاً أقل منك كفاحاً في الحياة وتقول كم هؤلاء رقيقون لا يعرفون عن تعب الحياة وآلامها وكيف يبالغون ببعض الأمور، لقد رأيت أنت بعضاً من الأمور جعلتك تقارن.
كل إنسان يرى ألمه أصعب شيء، مع أنه قد يكون جزءاً من آلام يتكابدها آخر أضعافاً، أظل أرى بتقدير الألم لصحابه، مع الجور عليه شيئاً إن كان مبالغاً ناكراً للنعمة فاجراً في النقمة، ويظل الفصل في هذه النقطة محيراً بعض الشيء.
2. نركز على العمل وكل أصحاب المهن يفعلون ذلك
إن جل ما ينصب عليه تركيزنا في المريض هو أن نشخص مرضه بأسرع وقت ونعطيه العلاج الأفضل، نفكر كيف قد يتداخل هذا الدواء مع غيره، نفكر هل هذا المريض قريب من حدوث صدمة توقف القلب أم لا، لم لا يبدو بحالة جيدة، وهكذا.
نفكر أكثر بأن نقوم بعملنا على أكمل وجه لإخلاء مسؤوليتنا، فمسؤولية حياة إنسان صعبة للغاية، نفكر كثيراً جداً بمستقبل هذا المرض وماذا درسنا عن تطوراته الممكنة، وفي كثير من الأحيان لا يعرف المريض ذلك، لا يعرف أننا نراه ونرى خلفه شكلاً آخر يمثل التطور السيء للمرض ونحاول الدفاع عن ذلك.
إن التركيز في هذه الأمور يجعلنا نفكر أكثر في التحاليل والصور والأعراض والمرض وبدرجة أقل بالمريض نفسه كإنسان ومشاعر ومخاوف ورغائب، إن الجانب النفسي لديه غالباً يكون أقل أهمية بالنسبة لنا، وبدرجة أقل بكثير لأهل المريض، يتزايد هذا الأثر مع صعوبة الحالة التي أمامنا، هل هي واضحة أم مبهمة.
3- إن الشعور بكل المرضى استنزاف كبير للطبيب
إن الحالات القاسية والصعبة تمر بنا يومياً وإن التعاطف معها كلها استنزاف نفسي كبير للطبيب، ذكر لي أحد الزملاء من أطباء العناية المركزة منذ عدة أسبابيع قصته مع أحد المرضى الذي كان يوماً في قسم العناية لديه.
يقول أنه كان من المرضى المحظوظين الذين تحسنت حالته وبدأ يتكلم هو وإياه وأصبحا أصدقاء، ثم تعرف إلى أهله فأصبحوا جميعاً صحبة، كانت أمور المرض مستقرة لحوالي شهر، ثم في ذات يوم تطور لدى المريض انتكاسة غير متوقعة وغير مفهومة وللأسف توفي، يقول زميلنا أنه فعلاً تأثر كثيراً لفقده، لا يدري ولكنه احتاج عدة أسابيع بعدها للتعافي ونسيان الأمر والعودة للعمل بشكل طبيعي، ينصح أنه يجب عليك أن تبقى على حدود بينك وبين المرضى.
الآلام في هذه الحياة كثيراً جداً، وكل منا لديه ألمه الخاص، وأشك أن أي إنسان إلا أن يكون مرحوماً وهو مبتلى، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. إن الطبيب إنسان، وقد يكون مريضاً بالمناسبة، ولديه عائلة وأطفال، وربما أب وأم يهتم بهم والكثير جداً كما كل إنسان، يعطي جرعة تفاؤل وأمل قدراً ما.
4. المرض مؤلم، وقلة التعاطف ليس هو سبب عدم توقف الألم
المرض ورحلة المرض كلاهما مؤلم، وتحمل كل ذلك صبر مرٌ فعلاً، وعلى الرغم من كل العلاجات الممكنة والمقدمة إلا إن الصبر والألم يبقيان في الكثير من الأحيان، الصبر على الدواء ومشاق المرض وأعراضه وكل ذلك. يلقى بعض الناس اللوم على الطبيب وكأنه يجب أن يزيل كل شيء ويمحو خارطة المرض ولكن هذا غير ممكن دائماً، هناك حدود للعلاج وهناك صبر على العلاج وهناك الكثير من الأشياء.
كما أن تألم المريض أو تعبه أو قلة نفع العلاج معه أمر مرهق للطبيب، ولكن ليس بإمكان الطب والطبيب فعل كل شيء ولا إزالة كل ألم نفسي أو حقيقي موجود، أخبرني كيف أزلت ألم فقد أب لك أو أم أو ابن أو ابنة أو زوج أو زوجة أو أي عزيز، هل أفلحت؟.
5. الألم لا يؤلم إلا صاحبه
إن نسبة أن يشعر الإنسان بألم لم يجربه من قبل قليل جداً، هذا ليس خطأً، أنت أيضاً لا تشعر بآلام كثيرة لم تجربها، لم تجرب مثلاً أن تهجّر من بيتك الذي يتم سرقته بعدها وسرقة كل ممتلكاته ثم هدمه كما حدث للكثير ممن حولي هنا في سوريا، و ولن تستوعب ناطقها بسهولة، حيث قد تقلل من قيمتها وقد لا تدري عن تفاصيلها.
يشكو العديد من الناس قلة تقدير آلامهم، تابع مقالي القادم حول: ” لماذا لا يشعر الناس بألمي”.
في الختام، عليك أن تعلم أن التعاطف مع المريض بالنسبة لي أمر بحاجة إلى مجاهدة نفس لفعله، إنه ليس انفعالياً سهلاً بسبب الأسباب التي ذكرتها لك، وإني أدعوك وأدعو نفسي وكل إنسان أن يتمسك يبذل الخير من إنسانيته لغيره، فكلنا وإن كنا ندعي القوة إلا أننا في الحقيقة من ضعف.
دمت بخير وسلامة.
add تابِعني remove_red_eye 77,822
مقال يساعدك في الإجابة على السؤال لماذا يبدو بعض الأطباء بلا رحمة ولا يشعرون بالمريض ؟
link https://ziid.net/?p=43140