رحلة مع “ستيفن لاندسبيرج” وكتابه (فيلسوف الاقتصاد)
علم الاقتصاد علم واسع ومثير ويشبه الأحاجي التي تحتاج منك إلى تفكير وتحليل ووعي بمختلف أنواع الظروف المحيطة لتصل إلى أصح تفسير
add تابِعني remove_red_eye 35,716
لقد بدأت الفكرة حينما كان “ستيفن” يجتمع مع زملائه على طاولة الغداء في أحد المطاعم، فيطرح أحدهم السؤال ويبدئون بنقاش الفكرة كمحاولة لإيجاد حل أو تفسير لهذه الظاهرة، حتى اجتمع لديه الكثير من الأجوبة لهذه الأسئلة فأفردها في هذا الكتاب الذي أسماه (فيلسوف الاقتصاد: الاقتصاد والحياة اليومية) لينشرها للناس، وقد بدأ كتابه بذكر مثال وهو مبدأ قوة التحفيز والذي اعتبره المؤلف بأنه يمثل الجزء الأكبر من علم الاقتصاد.
وذكر المؤلف مثالًا يوضح فيه هذا المبدأ وهو (خوف شخص ما من حادث سيارة) فإن ذلك يُعد حافزًا له ليقود مركبته باجتناب السرعة، أما الأشخاص الذين يضعون حزام الأمان لا يخشون من خطر الحوادث بنفس الدرجة، مما يعني قيادتهم للمركبة تكون أقل حذرًا، وبالتالي ارتفاع عدد الحوادث. ثم يناقش المؤلف في الفصول التالية بعض الألغاز والمواقف الحياتية التي حيرته لفترة طويلة من الزمن، مثلًا: لماذا لا يرفع أصحاب الحفلات سعر تذاكر الدخول عند وجود طابور طويل من الشباب المنتظر لشرائها رغم أن ذلك لن يؤثر إطلاقا على حجم المبيعات إن تم رفعها؟
بعض أهم الأفكار الورادة في الكتاب
- كانت من ضمن الإجابات المقنعة التي تبينت له أن ظهور هذه الطوابير الطويلة في نشرة الأخبار هو نوع من الدعاية المجانية للحفل؛ لذا لا يريد أصحاب التذاكر التفريط بهذا المكسب البعيد لقاء أجر إضافي.
- أيضا يتناول المؤلف في كتابه سبب تهرب الناس من دفع الضرائب معتمدًا في طرحه الأسلوب الفلسفي الذي اعتدنا عليه في كتابه، فيقول: إن التهرب من الضرائب يؤدي إلى خسائر كثيرة من الناحية الاقتصادية، فمثلًا لو كان سعر قميص ما (20$) وأُضيف إليه (5$) كضريبة لشرائه فقد يرفض الشخص شراءه مما يؤدي إلى خسارة محضة لا يتحقق منها أيّ نفع لا لمحصل الضرائب ولا للشخص الذي رفض الشراء، فالأول خسر المبلغ الإضافي والثاني خسر القميص.
- وذكر مثالًا آخر لبعض الظواهر الطبيعية مع اقتراح حلّ لها من الناحية الاقتصادية، مثل كثرة احتمال انقراض الفيلة الإفريقية بسبب صيدها بمعدلات مرتفعة من أجل العاج، وهذه المشكلة وجدت بسبب أن الأفيال لا يملكها أحد بالتالي لا يمكن ضبط عملية الصيد، أما الماشية فلوجود مالك لها لم تنقرض على الرغم أن الطلب على اللحوم أكثر من العاج وهنا يكمن السر على حد قوله.
- أيضا يذكر المؤلف ما أسماه بخرافة العجز الحكومي المنتشرة بين الناس، ويقول: إن حساب مستوى العجز الحكومي ليس له أيّ أهمية اقتصادية تذكر، رغم اجتهاد الحكومة في تقديرها واهتمام الصحف بها وتناول المتخصصين لها بالتحليل والتمحيص، معللا اندفاع الجميع لهذا الاهتمام بعدة أمور أطلق عليها الخرافات الشائعة.
وقد كان يحتفظ ببعض المقالات من جرّاء متابعته للصحف والمجلات والتي كانت تحتوي على أخطاء اقتصادية من وجهة نظره مما جعله يفرد لها ملفًا كاملًا في مكتبته أسماه الجعجعة الزائفة. ويقول: إن المرشد الرئيسي لعلماء الاقتصاد في تحليلهم للأحداث هو معيار المنافع مقابل التكاليف، وذلك لسهولة تطبيقه ولأنه يحسّن من ظروف معظم أفراد المجتمع على المدى البعيد.
كما يذكر أن من أهم المبادئ الاقتصادية المعروفة هو بذل أقصى ما في وسعك في حدود المعقول من أجل تنظيم استهلاكك، حيث يقول: إن أفضل وسيلة للتعامل مع الكوارث هي توزيع الألم على مراحل.
أما عن الإحصاءات وبعض المؤشرات الاقتصادية فيعتبرها أوهامًا، رغم أنها تحمل في طياتها أرقامًا حقيقية إلا إنها تحمل جوانب كثيرة بالإضافة إلى أنها تظهر حقائق في صورة أسوأ مما عليه في الواقع، كمثل مؤشر البطالة والذي يعتبره الصحفيون دائمًا مقياسًا سيئًا للحالة الاقتصادية في حالة ارتفاعه، لكن المؤلف يخالفهم الرأي في ذلك؛ حيث يذكر أن وقت الفراغ الذي يقضيه الشخص بلا عمل قد يصاحبه استمتاع وترفيه أو تطوير لذاته، مما يعني أن الأمر ليس بذلك السوء.
أيضا يذكر عيوب مؤشر اقتصادي آخر وهو (إجمالي الناتج القومي) الذي يقيس مدى تحسن الحالة الاقتصادية العامة، حيث يقيس هذا المؤشر التقدم فقط من الناحية المادية مهملًا أيضا الجوانب الأخرى.
أيضا من أكثر القضايا التي فشل الاقتصاد في تناولها على حدّ تعبيره هي العلاقة بين التضخم والتوظيف، حيث كانت الدلائل -دائمًا- تشير إلى أن ارتفاع معدلات التضخم يعني ارتفاع معدلات التوظيف، حتى جاءت النتيجة المخالفة لكل التوقعات حيث صاحب التضخم في إحدى الحقب ركود وبطالة، ووضح الكاتب مثالَيْن يبين فيهما تفسير هذه الظاهرة مذَيّلا ذلك بعبارة: إن التضخم يجعل الوظائف تبدو أكثر جاذبية من حقيقتها.
في نهاية رحلتي مع هذا الكتاب
أسوق لكم ثلاث فوائد أذكرها هنا مجردة (بشيء من التصرف)، وإن كان الكاتب أوردها في دعم رأيّ معين ولكن الهدف هو جمال الفكرة وأخذ العبرة:
الأولى: إن هناك إجماعًا واسع النطاق بين علماء الاقتصاد على أن أفضل السبل المتاحة هي تقديم قصص واضحة ومفصلة عن عوالم افتراضية بسيطة، بحيث يسهل فهمها، وفي نفس الوقت معقدة لتواكب علم الاقتصاد.
الثانية: إن أفضل ترياق أو علاج لأيّ عقيدة فاسدة هو العلم، فالمنهج العلمي هو الترياق ضد التنجيم.
الثالثة (والأخيرة): من الدروس المستفادة من علم الاقتصاد أنه كلما قلَّتْ المعلومات المتوفرة كانت التجربة أكثر إفادة.
مهتم بعالم الكتب؟ إليك أيضًا بعض المقالات الرائعة:
add تابِعني remove_red_eye 35,716
قراءة في كتاب فيلسوف الاقتصاد لـ ستيفن لاندسبيرج
link https://ziid.net/?p=49279