المكيافيلية.. الغاية تبرر الوسيلة
وبرغم سمعة مكيافيلي السيئة التي لازمته وكتابه، إلا أن المفكرين يعتبرونه أبا العلوم السياسية، فهو أول من تمرد على أفكار الكنيسة
add تابِعني remove_red_eye 3,704
لا يمكن أن نذكر السياسة ودهاليزها من دون ذكر المكيافيلية، التي ارتبطت بالمكر والدهاء، وإباحة الوصول للغايات دون الاكتراث للقيم والأخلاق، واعتبار السياسة ميدانًا لا تحكمه قوانين أو مبادئ. فما المكيافيلية وأفكارها؟
كانت إيطاليا قبل توحدها في منتصف القرن التاسع عشر مملكة ممزقة لأربعة أجزاء متناحرة، ورغم ذلك بدأ من مدينة فلورنسا الإيطالية مع مطلع القرن الرابع عشر عصر النهضة الفكرية والفنية. حكم فلورنسا عائلة ” ميديتشي” منذ القرن الثالث عشر، والذين امتلكوا أكبر بنوك أوروبا، وربطتهم علاقة خاصة بالكنيسة الكاثوليكية، والتي كانت تحتفظ بسطوة حقيقية، وتأثير على الحكم والرعية.
من هو مكيافيلي؟
في مدينة فلورنسا ولد “نيكولو مكيافيلي” عام ١٤٦٩، واشتغل أبناء عائلته في وظائف حكومية في ظل حكم الميديتشي، الذين سقطوا بثورة شعبية عام ١٤٩٤، لتتحول فلورنسا لجمهورية بعد سقوطهم لأربع سنوات. تقلّد مكيافيلي وهو في ٢٩ من عمره، منصب مستشار سياسي لرئيس دائرة القضاء المدني.
ليس هناك معلومات كثيرة عنه قبل المنصب الحكومي الرفيع، سوى أنه حسب الموسوعة البريطانية، تلقى تعليمًا عاديًّا في العلوم الإنسانية، واللغة اللاتينية السائدة في عصره آنذاك، لكن رئيسه “بييرور سوديريني” رأى فيه ذكاءً واضحًا، ومن خلال منصبه اكتسب خبرة حقيقية بحكم التنقل في أوروبا للقيام بمهام ديبلوماسية، وعرف كيف تُبرم المعاهدات بين الدول، وكيف تُنقض. كان أيضًا قارئًا للتاريخ والمسرح، فجمع بين التجربة العملية والمعرفة النظرية، فقد كان رجل دولة بحق.
عودة آل ميديتشي
في عام ١٥١٢ شهد عودة آل ميديتشي، بمساندة بابا الكنيسة الكاثوليكية، وتصدى لهم مكيافيلي بجيش كان أشرف على تشكله إبان شغله منصبه، ولكن هزم، وقبض عليه، ووجهت إليه تهمة التآمر ضد عائلة ميديتشي، وسجنوه، وعذبوه، ثم أُفرج عنه، وتفرغ للكتابة.
حياة مكيافيلي بعد إطلاق سراحه
ومن قوة دهائه ألّف كتابه الشهير ” الأمير”، الذي خلّد اسمه، وأهداه لـ “لورينز ميديتش”، سليل العائلة التي حاربها مكيافيلي، واحتوى نصائح واصفًا إياها بأنها عصارة تجربته لحفاظ الأمير على سلطته.
منهج كتاب الأمير
كان الكتاب وسيلة ميكافيلي للوصول لغايته، وهي العودة للعمل والسياسة. منهج الكتاب الذي اعتمده “الغاية تبرر الوسيلة”، الذي جعل من المكيافيلية مصطلحًا مرتبطًا بالوصولية والطغيان، وكل ما هو لا أخلاقي بعالم السياسة، ومن أشهر عبارات الكتاب هي: “السياسة ليس لها أي علاقة بالأخلاق” “إذا كان يجب إيذاء شخص، فلتكن الأذية شديدة، بحيث لا يقوى على الانتقام”. ونصح في كتابه “الأمير”، بضرورة التعامل بواقعية مع الظروف، والتحلي بصفات الأسد أي القوة لمواجهة الذئاب المتربصة به، وبصفات الثعلب أي المكر والدهاء ليفضح الدسائس التي تُحاك له.
قُوبل كتابه بالعديد من الانتقادات والرفض، واعتُبر أنه تحريض على الحكم بالخوف والغش، مستشهدين بأقوالٍ من كتابه: “بما أن الخوف والحب من الصعب أن يجتمعا سويًّا، إذا كان علينا الاختيار بينهما، فالأكثر أمانًا أن يخافوا منك على أن يحبوك”.
بعض مؤلفات ميكافيلي
كتب في التاريخ والسياسة، ومن أشهر مؤلفاته تحدث فيها عن تاريخ فلورنسا والتي فاقت الثمانية مجلدات، وألّف مجموعة قصائد شعرية ومسرحيات منها المسرحية الساخرة “The Mandrak” وشهد عام ١٥٢٧ سقوط عائلة ميديتشي مرة أخرى، ولم يحصل مكيافيلي على عمل، بسبب كتاباته سيئة السمعة، ومات في ذات العام.
الخاتمة
بعد كل هذه الانجازات والإخفاقات، اعتزل مكيافيلي في قرية بالقرب من فلورنسا، وتوفي فيها عام ١٥٢٧، وتم دفنه في مقبرة الكنيسة” Santa Croce”، وهي الكنيسة ذاتها التي منع من دخولها آخر أيامه. وبرغم سمعة ميكافيلي السيئة التي لازمته وكتابه، إلا أن المفكرين يعتبرونه أبا العلوم السياسية، لأن أفكاره كانت أُولى المحاولات لإدارة السياسة بعيدًا عن سيطرة الكنيسة. وهكذا بقيت المكيافيلية نقطة هامة في تاريخ الفكر السياسي.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 3,704
نظرة عامة على نظرية ميكافللي للحكم
link https://ziid.net/?p=91596