مابعد كورونا العالم مُقبل على نظام جديد ومُجتمع جَديد
صراع البشر مع الأوبئة هو صراع أزلي فالتاريخ لم يَخدعنا ، وما فيروس كورونا والطاعون وغيرها إلا جزءاً من تكرار التاريخ لنفسه
add تابِعني remove_red_eye 756
إلى حد هذه اللحظة وفي ظلّ الهَجمة الوبائية العالمّية يُعتبر فيروس كورونا عملياً مرضٌا مُعّديا ولم يصل إلى مرحلة الوباء بعد، والفرق بين الكلمتين هو أنه في الأولى يُمكن السّيطرة عليه واحتواؤه أما الثانية فتعني خروجه عن السيطرة تماماً ولايُعطي للعالم خياراً سوى أن يَنفذ بجلده، وهذا المَرض قد خَلق جوا من الذُعر وكأنه عاصفة مُدمرة قد اجتاحت مدناً وقرى بأكملها، وهذا الذُعر قد دَفع الدول ومجتمعاتها إلى اتخاذ إجراءات وسلوكيات غير طبيعية، بالإضافة لذلك بدأت تتجلّى بوضوح بناء الأنظمة الاجتماعية الجديدة في البُلدان والمُدن المنهارة وهذا يعني عملياً أن حياتنا بدأت تتغير تدريجياً بصورة دفاعية مشابهة للمجتمعات القديمة التي هَيكلت نفسها في فترة من فترات الحروب مُعبّرة عن نفسِها بِوضعاً دفاعياً ضد هجوم مِن عدو يُحاول اجتياحها أو تدميرها، وهذا هو واقعنا اليوم ولكن الفرق هو أننا ضد عدو غير مرئي ومَجهول لانعرف كيف يتحرك وأين يتمركز ولايُمكننا التفاوض معه، فالحكومات والمجتمعات بدأت تتهاوى أمامه كأحجار الدومينو واحداً تلو الآخر، فالبلدان تَنهار و المُدن تَنهار و المدارس تَنهار و الاقتصاد يَتهاوى و المدارس تُغلق و دور العبادة الجماعية قد توقف، وشيئاً فشيئا بدأنا نَتقبّل حقيقة أن حياتنا بدأت تتخذ خطواتها الجادة نحو التغيير رغماً عن أنوفنا بل وحتى علاقاتنا مع بعضنا البعض وطريقة تصرفنا تجاه بعضنا بدأت تتغير وبالكاد مازلنا نمتلك بعض الرغبة والإرادة والمهارات للتعايش، فالضربات التي يتلقاها المجتمع العالمي شديدة وإذا استمر الحال هكذا ربما ننتقل إلى مرحلة أخرى من تَطّور الذُعر وسيشمل التشكيك في صمود ماتبقى في أسلوب الحياة المعتاد واقتصاد الأسواق الحرة، والذي يزيد الطين بلّه هو تقييد الحريات التي اعتاد عليها المجتمع بدءاً من السلوك البشري إلى اليومي إلى الأنظمه السياسية الحاكمة ، باختصار نحن مُقبلون على أسلوب حياة جديد شئنا أم أبَيّنا ، وبعيداً عن اعتبار فايروس كورونا مشكلة صحية بحد ذاته ، فسوف نَعرض لكم أمثله من واقعنا الجديد الذي بدأت ملامحة تتشكل تدريجياً في ظلّ هذا الطارئ الذي نواجهه اليوم.
اقرأ أيضا:
استهلاك المَجهود الطبّي لم يعُد كافياً – إيران مثالاً
دولة إيران بالرغم من كِفاحِها لاحتواء هذا الفيروس بكل الطرق المُتاحة بإمكاننا أن نقول أنها أصبحت شبه عاجزة عن الصمود أمام الفيروس، فالمّدارس معطلة والأضرحة معلقة ومنعت الصلاة الجماعية بالإضافة أن هناك مدنا بالكامل شبه فاقدة للسيطرة على الوباء وليس هذا فحسب وانما وصَل الوباء إلى داخل نظام الحكم واستولى على أرواح شخصيات مهمة في البرلمان ويُقال بأن هناك العديد من الخسائر التي لم يَتم الأفصاح عنها ، والسبب الأكبر الذي أوقع إيران في هذا المأزق هو الطقوس الدينية التي يؤمن بها بعضهم مثل زيارة الأضرحة للشفاء من المرض أو لقضاء الحوائج وهذا ساهمَ بشكلً فعّال في انتشار الفايروس فتحولت الأضرحة الدينية إلى مصدر لانتشار الفيروس ، هل هذا فقط؟ لا بل الأذرعة المسلحة التابعة للدولة الإيرانية في سوريا والعراق أيضاً قد ساهمت في مُمارسة هذه الطقوس وبسبب انتقالهم من مكان إلى آخر أصبحو أيضاً مصدراً آخر لانتشار الفيروس وهذا أدى إلى تَغلّغُل الشُكوك بين الناس من بعضهم البعض خوفاً من انتشار المرض، وهذا يعني أن الحياة الاجتماعية لم تَعُد كما كانت في السابق وأصبح الناس في بعض المُدن مُجبرين لتقبل واقعهم المرير فلا توجد زيارات للأقارب ولا يمكنهم التنقل براحة بين المُدن بل وحتى لايَستطيعون أخذ الوقت الكافي للتسّوق أو النزول للشارع فكل عاداتهم اليومية بدأت تتغّير شيئاً فشيئاً.
إيطاليا ترفع الراية البيضاء أمام الفيروس
تُعتبر إيطاليا من ضمن قائمة الدول المُميزة سياحياً بفضل مُدنها الساحرة ومناطقها الرائعة ومجتمعها المتفاني الراقي، هذه الدولة أصبحت اليوم معزولة تماماً وخاضعة لشروط الحجر الصحي وأصبحت مُدنها مُدن أشباح وتم ألغاء كل الأنشطة الاجتماعية وبين فترة وأخرى تصدر الهيئة الطبية لِمكافحة العدوى تصريحاً للمواطنين بالالتزام في بيوتهم ويتم إجراء عقوبات صارمة لكل من يخالف التعليمات، فالوضع أصبح مرعباً و لامجال للتساهل معه، وهناك مخاوف عالمية تتعلق بدول جنوب أوروبا مثل أسبانيا أن تتعرض لمصير مشابه لأيطاليا، وهذا الذعر جَعل المجتمع الأيطالي متقوقعا على نفسه ويرتبط مصيره بالأزمة العالمية بالفعل ومن الممكن جداً أن يتأثر بقرارات السياسة العالمية أكثر من المجتمعات المحيطة به بسبب وضعهم الذي هم فيه.
التصادم التجاري العالمي
شاءَ القدر أن يَفسح مجالاً شاسعاً للوباء لزعزعة التجارة العالمية وبدأ ذلك واضحاً من خلال الضائقة المالية التي بدأت تعاني منها الدول و أدى أيضاً إلى توقف مجال السفر والسياحة و الإنتاج الصِناعي ، وليس ذلك فحسب بل أدى أيضاً إلى تعليق الأنشطة التعليمية والثقافية ، وتحاول المجتمعات الالتفاف على هذه المِحّنة من خلال إنشاء المدارس التعليمية المُعتمدة على تَطبيقات الإنترنت، وهكذا أصبح الإنترنت هو الرابط الوحيد الذي يربط بين الفرد والتعليم أو العمل أو الدراسة وإلخ … وهذا السلوك على المدى البعيد إذا استمر فهو حتماً سيُغيّر السلوك الاجتماعي.
أنظمة سياسية جديدة ونظام اقتصادي جديد
لاشّك أن هناكَ الكثير من الأفراد في المجتمع استطاعوا استغلال الأزمة في تنمية مهاراتهم وإبداعهم من خلال التواصل الشبكي والبرامج التعليمية المطروحة ولكن ماذا عن الأنظمة السياسية والاقتصادية ؟ لو نَظرنا بِتمعّن في الفترة ما قبل جائحة كورونا سيلتفت انتباهنا إلى حقيقة واحدة وهي أن النظام الدولي العالمي تجارياً واقتصادياً مهدد أمام المزيد من الخيارات التي يُمكن استغلالها لِتحسين الوضع السياسي، أما اليوم بدأت هذه الخيارات بالانكماش وتَقّل تَدريجياً وربمّا في المستقبل القريب يصل النظام العالمي إلى طريق مسدودة.
بعد هذه المعطيات يتبادر في أذهاننا السؤال المَحموم الذي لايُفارق عقولَ مُعظمَنا وهو ” ماذا الآن؟ “
الصراحة يا سادتي يا كِرام لايوجد لدينا خيار في الوقت الراهن غير التفكير بجدّية في عواقب الأزمة ويجب أن نَكون قادرين على التنبؤ بالاتجاهات الاجتماعية على الأقل والتأقلم مع الثقافة الجديدة، نحن بحاجة إلى التفكير في أنماط حياة جَديدة ومتابعة النشاطات الاجتماعية الجديدة ، أو ربمّا سَينتهي هذا الوباء فجأة وبأقرب وقت وتعود الحياة إلى مسارها الطبيعي فمن يدري!
add تابِعني remove_red_eye 756
link https://ziid.net/?p=59106