رغم صعوبة الأمر: هكذا استطعت أن اتقبل رحيل والدي
كيف تستطيع أن تتخطى فقدان شخص مهم في حياتك بوسائل كانت فعالة معي .. تجربة شخصية.
add تابِعني remove_red_eye 9,130
توفي أبي في الشهر الرابع من هذا العام، اليوم السادس عشر الساعة (11:20) مساءً. كان أبي مقربًا مني، كان يأخذ برأيي في ملابسه، مشترواته، حتى إن احتاج شيئًا ليشتريه كان يناديني لاختار. جلب لي في مرة “سلسلة ما وراء الطبيعة” كاملة لأنني أبديت رغبة في القراءة. كما جلب لي في مرة أخرى مزيل طلاء الأظافر لأنني كنت أحتاجه. هذا كان أبي، ذلك الرجل الحنون الصموت الطيب.
عندما تُوفي أبي كنت بجانبه أضع ضوء كشاف الهاتف في عينيه لأرى استجابة العين، كنت أضع العطر في أنفه حتى يقوم مفزوعًا من الكحول ولكن لم يحدث هذا. فقد مات منذ عشر دقائق ولم أدر.
بعد الدفن كنت كالكتاب البالي، أبكي حتى تنغلق عيناي، أضحك حتى تدمع عيناي، لا أنام ولا أشعر بالوقت، ولكن بعد أكثر من (5) شهور من فقدان هذا الرجل فقد تعلمت أن أنمو فقط لأنني استطعت أن أفعل التالي:
– أكتب له الخطابات
اعتدت منذ سنة واحدة فقط أن أكتب القليل عن يومي باللغة الإنجليزية، بعد فقدان أبي أصبحت أكتب له الخطابات في تلك المذكرات. أكتب حتى أشعر أن لا شيء بداخلي يحتاج أن يخرج. كنت أتحدث معه على الأوراق، فتخرج الذكريات واللحظات الأخيرة على الورق مختلطة بالدموع والابتسامات.
– أبقيت شخصًا مقربًا مني
كان لي صديق مقرب، ذلك الصديق كان مخلصًا جدًّا، كنت أتعرض لنوبات حزن وتسارع أنفاس وشعور كأن السماء ستقع على رأسي، كنت فقط أرسل له رسالة لأجده يقول لي:
“أنا هنا، أنتي عارفة أن بابا كان تعبان جدَّا و أنه كان بيتعذب، صح؟ لما ارتاح وطلع عند ربنا.. ليه تزعلي؟ تعالى نتنفس بالراحة و نتكلم في حاجة؟ هحكيلك اللي حصل معايا و أنا في مواصلات الجامعة”
ثم يبدأ السرد والحكي دون توقف أو ملل، حتى أتنفس وأستطيع أن أشعر بالنعاس.
– القراءة
كان من الطبيعي أن الجأ إلى صديقتي التي لا ترحل أبدًا. إلى التي لن تعترض أو تتمنع أو تمتلك ظروفًا تمنعها من البقاء بجانبي..أليست تلك هي هوايتنا؟ الهوايات لا تتركنا ولا تكون مؤقتة. كنت أقرأ لنجيب محفوظ لأني أحبه، قرأت عن الخروج من الصدمات و البقاء قويًّا، قرأت عن البشر و كيف تطورنا و إلي أين مُحتَّم لنا أن نصل. قرأت حتى أصبحت القراءة تشاركني أفكاري عن الحب والفقد والأبوة وعن الموت.
– تقبل أنه رحل بلا عودة
الكثيرون كانوا يُنكرون الفقد، أي صدمة تنهال عليهم يتجنبونها حتى يستطيعوا أن يفيقوا؛ ثم المواجهة المتأخرة بعد اندمال الجراح، أنا لا استطيع فعل هذا، لقد علمني هو وأمي أن الجِراح دروس يجب أن أكون بداخلها. عندما كنت طفلة، قال لي ألا أهرب بل أدرك، أدركت أنني لن أراه مجددًا، وأن ملابسه ستبقى بدونه، لن يناديني ليريني منشور “المواد الحافظة القاتلة” على هاتفه أو “خطف الفتيات في المترو عن طريق البودرة المخدرة”، كنت أفتح دولابه لأنظر في أوراقه وعطوره وملابسه مدركة جيدًا أنني لن أنظر له مرة أخرى. أدركت هذا وبكيت ولكني فهمت، وعندما فهمت أين أقف، علمت أنني سأتخطى.
– المشي
المشي في شوارع كثيرة ورؤية الناس تمشي، معرفة أن الحياة ليست متوقفة وأن الألم لن يصمد أمام تلك الحيوات والظروف. المشي مع تراكات موسيقية كأنها خلفية لأحلام يقظتك. أن تسير فتبتسم لسيدة سارحة في شيء يُسعدها، طفل لا يستطيع عبور الشارع، فترى أنك “سوبر مان” الخاص به، أن تسير لتمر بجانب متجر للورود؛ فتتأمل الألوان. المشي أيا ما كان المكان أو الوتيرة، المشي بلا هدف، كان هذا أفضل شيء أقوم به بعد المغيب.
– محاولة عدم السهر ليلًا
حسنًا، أعلم أن هذا ليس بمقدورنا ونحن منكسرون ولكن، البقاء ليلًا وحيدة بدون أحد بجانبي ومع كل هذا الصمت المحيط و الألوان الخافتة وعدم وجود ألوان تدخل من الشبابيك أو أصوات حية بالخارج، كل هذا يجعلك وأنت تعاني من الفقد كأنك روحك ستركض خارجة من جسدك من هذا العذاب. لذا، حاولت أن أنظم نومي، ألا أبقى وحيدة و أن أحيط عقلي وعيوني بالألوان والأصوات.
الفقد سيئ، ولكنه يحدث، تأمل الحياة وأنها ليست دائمة، و أعلم أن الأمل وأن الحب يأتي في تلك اللحظات اليائسة التي تظن أن العالم سيتوقف بعدها؛ لكنه يستمر كأنها كانت بعيدة جد، أنت ستتخطى كما فعلتُ أنا، لا تخف، تنفس، المرة المقبلة سأحكي لك عن كاتب أحبه فانتظرني.
هكذا قالوا:
add تابِعني remove_red_eye 9,130
link https://ziid.net/?p=70044