مراجعة رواية “دموع القاتل” لـ آن – لور بوندو: حكاية تنتهي بدموع القارئ
مراجعة لرواية دموع القاتل للكاتبة الفرنسية آن لوربوندو، تحتوي على إشارة طفيفة للأحداث، هدف المقالة تشويق القارئ وحثه لقراءة القصة.
add تابِعني remove_red_eye 529
سنبدأ سلسلة مقالات هدفها تعريف هواة القراءة -خاصة الروايات- على الملامح العامة لرواية ما، سنشوّقكم لمعرفة التفاصيل، لكننا هنا لن نروي ظمأكم عمدًا، فالغرض هو تحفيزكم وتزويدكم باللازم للتوجه والغوص في عمق كتاب محدد نقترحه عليكم، خاصة إن كنتم من هواة الكتابة أيضًا، فمقولة “اقرأ ألف كتاب وستتدفق كلماتك كنهر” هي مقولة صادقة جدًّا، وكلما قرأت أكثر، تطورت أساليبك ككاتب وتوسعت آفاقك كقارئ وكاتب وإنسان، فثمار القراءة لا تنتهي أبدًا.
تابعوا هذه السلسلة التي أعدكم أنها لن تكون تقليدية أبدًا وستستفيدون وتستمتعون بها بالتأكيد.
رواية “دموع القاتل”
“هنا لم يصل أحد قط بمحض الصدفة، فهنا نهاية العالم”
هكذا تبدأ رواية دموع القاتل، وهي بداية بارعة جدًّا وجذابة، وتدل على ذكاء عالٍ جدًّا لكاتبة الرواية التي تدور أحداثها في أقصى جنوب دولة تشيلي، في ذلك المكان المعزول تقع ضيعة آل بولوفاردو، لا تتسرعوا في الاستنتاج؛ فهذه العائلة لا دور لها في الرواية، على الأقل ليس الأبوين، أما طفلهما باولو فهو البطل البارز في هذه القصة المذهلة
“كان لآل بولوفاردو طفل، وهو صبي ولد من دون أيّ حب يذكر، وكان ينمو ككل شيء على هذه الأرض”
تقديم كهذا لشخصية مهمة في القصة، يجعل القارئ مستعدًّا لكل ما سيأتي لاحقًا، فهذه الجملة عميقة جدًّا، تعكس حنكة عميقة لدى الكاتبة، ولو كنت قارئًا حريصًا ستفهم على الفور رسالتها، فهذا الطفل غير سعيد على الإطلاق في كنف هذه العائلة وهو يُعد غرضًا من الأغراض فقط، ربما وجوده بالكاد يلحظ.
كان باولو طفلا يهيم في الأرجاء مطاردًا الثعابين، وذات يوم لمح قادمًا نحو كوخهم القصيّ، وكان قد اعتاد على مثل هذه الزيارات المفاجئة لعابري سبيل، يسرهم العثور على هذا البيت فجأة، وكان القادم هذه المرة سفاحًا فارًّا من العدالة يدعى “أنخل ألليجريا” للأسف أهل البيت التعساء لم يكونوا على علم، فسقوه نبيذًا، فأراق دمهما بعد أن بلّ ريقه، ولكنه وقف مترددًا حين دخل باولو إلى البيت ولم يبد عليه التأثر لمنظر والديه الغارقين في دمائهما لصغر سنه وسذاجته، وقد وقف أنخل مترددًا للمرة الأولى في حياته ثم قال على حين غرة “لم أقتل طفلًا قط” وكانت الإجابة غير متوقعة أبدًا بل لا تخلو من طرافة غرة، إذ أجابه باولو الصغير إجابة أنقذت حياته “ولا أنا كذلك” وهو ما جعل القاتل يبتسم رغما عنه. ويقرر الإقامة في الكوخ فترة مع هذا الصغير.
الغريب في الأمر أن “أنخل” لم يتحمل في حياته مسئولية قط -حتى مسئولية نفسه- وعجز عن حثّها على سلك الطريق القويم، لكنه بعد جريمته الأخيرة، وربما بسبب عزلة البيت جرب حياة الاستقرار وأخذ يعتني بالصغير، وإن لم تكن عناية حقيقية، إلا أنه صار يَفلح الأرض لتوفير القوت (وهو الذي اعتاد على توفير طعامه بالسلب والقتل!).
تتعقد القصة بظهور طرف ثالث يصل إلى الكوخ هو “لويس” الوارث الغني الذي لفّ العالم وأغوى الكثير من النساء أو هكذا قدم نفسه للبطلين، وسرعان ما تبدأ منافسة شرسة وصامتة بينه وبين “أنخل” على حب باولو، ومع أن “أنخل” كان يستطيع إزاحة منافسه من طريقه بطعنة واحدة إلا أنه لم يستطع من أجل الصغير فعل ذلك.
وتتوالى الأحداث
ولا يتسع المقام لروايتها جميعًا، فالقراءة المفصلة وحدها ستشبع نَهَم القارئ الذي سيكون قد استشعر روعة القصة، وسيرغب في التعرف إلى البقية التي ستذهله، فالأحداث ستتخذ منحنيات مثيرة جدًّا، وستتطور الشخصيات، فالقاتل سينال المحبة (لكن ليس المغفرة بالتأكيد، فالقتل لا مبرر له).
في حين يبقى أسلوب الكاتبة آن لوربوندو هو الأكثر إمتاعًا، وقد اختارت خلطة متناقضة فنجحت في صنع طبق شهي جدًّا، فذنوب المجرم التي لا يمكن لأي ماء مقدس أن يطهرها، غسلتها براءة الطفل بصورة مذهلة، وغيرت سريرته الجافة، فتحول إلى أب لم يجده باولو حتى في والده الحقيقي، لذا لم يستطع أبدا نسيان “أنخل” وظل يحلم بلقائه بعد أن فصل بينهما السجن، فهل سينجح بعد سنوات، وهل تمحو دموع القاتل آثامه؟
تلخيص لمحتوى الرواية
القوي في هذه الرواية هو تلك المسحة الإنسانية التي كست القصة، فمنطقيًا لا يمكن التعاطف مع شخص كأنخل بأي شكل من الأشكال، لكن القارئ سيجد نفسه مرغمًا على التعاطف، حتى ولو من باب الشفقة.
والرواية يمكن تلخيصها في البدايات الخاطئة، وضياع الفرص في تصويب الأخطاء نهائيًّا، لكن هذا لا يمنع من فعل الصواب حتى إن كان الجميع يظن أنه لن يحدث فرقًا، لكن الرسالة هنا أن الصواب -مهما كان متأخرًا- فهو يُحدث فرقًا، وإن لم يكن ظاهرًا أو ملموسًا: إذ يكفي أن باولو رغم معاشرته لذلك القاتل لمدة طويلة إلا أنه لم يصبح مجرمًا أبدًا، وبالمقابل تغير “أنخل” لدرجة كبيرة، مع كرهه لذلك التغير ومقاومته له، بل إنه صار يتصرف على هوى باولو الصغير ولمصلحته أحيانا كثيرة. هل فهمتم الرسالة؟
دموع القاتل رواية لا يمكن نسيانها بسهولة، ستجعلك تفكر كثيرًا في العديد من الأمور وستخرج منها بفائدة.. كن واثقا من ذلك، إنها قصة الحب غير التقليدي الذي يواجه الحب التقليدي (فمن سيكون المنتصر؟) رجلان يتنافسان على أبوة طفل يتيم أحدهما مثقل بالآثام وعلى رأسها يُتم الطفل نفسه، والآخر غارق في الأكاذيب، وبحب امرأة أخرى تجعل من الصعب تحديد إلى أي كفة سيميل. كيف ستنتهي هذه الشبكة المعقدة؟
اقرءوا هذه الرواية المذهلة وستعرفون كل شيء، فهي تجمع بين المتعة والإثارة وعمق الأسلوب وبساطة الطرح، وحتى الغرائبية، التي تذكر بأسلوب “ماركيز” موجودة هنا وإن كان بدرجة قليلة، إلا أنها أعطت القصة بعدًا خياليًّا جامحا، زاد في لذتها الدرامية.
📙شراء الرواية مترجمة📙
اغرق معنا في عالم القراءة:
add تابِعني remove_red_eye 529
رواية دموع القاتل؛ رواية الدراما والتشويق والتناقض، رواية تجعلك لا تصدر أحكاما مسبقة أبدا.
link https://ziid.net/?p=14905