أَلِفْ شَفَقْ: البنت التي لا تحب اسمها!
الكاتبة المعاصرة إليف شافاك من أهم علامات جيلنا الحالي، وخاصة جيل الكاتبات، مقال تعريفي بها وبأهم أعمالها.
add تابِعني remove_red_eye 62,038
اسمي دينا ولو كنت غيري لتمنيت أن أكون “إلِف شافاك” أو “ألف شفق” كما تحب أن يكون اسمها، المرأة التي كانت دومًا قادرة على صياغة الحروف إلى معجزات لا كلمات فحسب، إن “إلِف” هي من ذلك النوع من الكتاب الذين يظهر شغفهم بما يكتبون، يظهر واضحًا للعيان، تشعر به يتسلل إليك بينما تقرأ.
” أنا كاتبة، أنا مُتَّرحلة، أنا عالمية، أنا محبة للصوفية، أنا سلمية، أنا نباتية وامرأة في الوقت ذاته، بهذا الترتيب تقريبًا”
هكذا تُعَرف إلِف شافاك نفسها للقراء، في كتابها “حليب أسود” والذي ترصد فيه تجربتها مع الأمومة والكتابة، والغوص في ذاتها الداخلية، ونسائها الصغيرات وفتيات الأصابع اللائي أزعم أنهن بداخل كل امرأة لا “إليف” وحدها، ما زلت أذكر ذلك اليوم الذي وقع الكتاب فيه في يدي، لقد اندمجت مع الصفحات حتى إنني نسيت النوم، لقد كان الكتاب يغوص في نفس كاتبته، ليصفها في تلك الفترة، ويصف طفولتها، وأكثر الأشياء التي جذبتني في الكتاب وبعد مرور سنوات ما زلت أتذكر بعضًا منه هو “مانفيستو الفتاة العزباء” والتي دونته بينما تجلس بجانبها امرأة تزاحمها لتقرأ ما تكتبه هي، تمامًا مثلما يحدث دائمًا، معي بينما أدون شيئًا على شاشة هاتفي في المواصلات العامة.
المرأة التي أحبت القراءة فكتبت
“الكتب غيرتني، الكتب أنقذتني، وأنا أعلم في صميم قلبي أنها سوف تنقذكم أيضًا” إلِف شفق
“أنقذتني الكتب من الرتابة والغضب والجنون وتدمير الذات، وعلمتني الحب بل وأكثر من ذلك بكثير، ما جعلني أبادلها حبًّا بحب ومن كل قلبي”. ولم لا؟ فالكتب أكثر بكثير من مجرد حروف تراصت بجوار بعضها مكونة كلمات فصفحات سطرتها الأقلام في لحظات تجلٍّ، لتنطوي بين طياتها حياة أبطال الروايات التي دونت فيها، أو أفكار المؤلفين والكتّاب ممن خاضوا حروبًا فكرية لتخرج أطروحاتهم للنور”.
هكذا تعبر “إلِف شافاك” عن القراءة ذلك أنها أمضت حياتها تقرأ الكتب، الكثير من الكتب، كما أنها بدأت الكتابة منذ الطفولة أيضًا فقد ذكرت في إحدى حوارتها أن والدتها أهدتها دفترًا لتكتب فيه، ومن هنا بالضبط انبثقت الحكاية!
أعطتها والدتها الدفتر لتكتب عن حياتها لكن أليف لم تكن تهتم بحياتها بل كانت تهتم بالحياة خارج الكتب، بأرض القصص والحكايات، ربما هذا هو ما يحتاجه المرء لينطلق في الكتابة، أذكر أن في طفولتي اختارت أختي الكبرى دفترًا جميلًا وغلفته بأوراق الزينة، وكل ليلة جلست لتستمع حكايات الفتاة في العاشرة من عمرها، تدون ما تكتبه الصغيرة دون أي تعليق منها على جودته أو عدمها، ومنذ ذلك اليوم لم تكف الفتاة -التي هي أنا عن الكتابة- لا أقصد بذلك أنني أكتب دائمًا بل تأتي الكثير من الفترات والتي لا أتمكن فيها من الكتابة، ولكنني لم أنقطع يومًا عن الكتابة أو أفكر في هجرانها، إن الكتابة هي التي تعبر عني، وتعطي لي تعريفًا في عالم الموجودات، الكتابة كانت دائمًا هي العنوان.
إلِف النسوية الهادئة، والحقوقية التي لا تخشى أحد!
في روايتها لقيطة إسطنبول، تدور الرواية حول نساء، جميع البطلات والمؤثرات هن نساء، بدايةً من زليخة أم “آسيا” اللقيطة إلى “أرمانوش” الفتاة الآرمينية التي ستأتي إلى تركيا من أجل أن تتعرف إلى أصول والديها، الرواية زاخرة بالمشاعر الإنسانية، فمن كراهية إلى حب وخوف، والأهم من ذلك مناقشة قضية من أكثر القضايا حساسية والتي لا يقبل الإتيان على ذكرها النظام التركي، للدرجة التي جعلت إلِف من عداد الملاحقين قضائيًا بسبب تلك الرواية، ولكن لأن إلِف تهتم بالحقوق أكثر من الأمور الأخرى، لم يوقفها ذلك الأمر، وناقشت قضيتها.
دائمًا ما تجدها تدافع عن حقوق النساء وتتحدث عن همومهن في رواياتها، كما أنها لا تتوانى عن طرح القضايا الجريئة، ربما يرجع ذلك لنشأتها الخالية من أفكار ذكورية فقد ولدت ألف بيلغين في (25 أكتوبر 1971) في ستراسبورغ لوالدين هما الفيلسوف نوري بيلغين،وشفق أتيمان التي أصبحت دبلوماسية، فيما بعد. انفصل والدها عندما كان عمرها عامًا واحدًا فربتها أمها، وقد دمجت اسمها واسم والدتها، ليصبحا اسمها الأدبي الذي توقع به أعمالها.
تحمل الكاتبة شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية في تركيا كما تحمل شهادة الماجستير في “الجندر والدراسات النسوية” والدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة الشرق الأوسط التقنية أيضًا.
ألِف شافاك والبنت التي لا تحب اسمها
لم تكن رواية إلف والتي يزعمون أنها رواية للأطفال “البنت التي لا تحب اسمها” رواية فحسب، بل كان اسمها يشبهني لقد كنت أنا الأخرى لا أحب اسمي ولا أريد أن يصبح اسمي ذلك الاسم، بيد أن “سردونيا” بطلة روايتها قد سماها والديها ذلك نسبةً لزهرةٍ تحمل ذا الاسم، كانت الرواية تشبه كثيرًا تلك الروايات التي لطالما أحببتها، لقد ردتني إلى قراءات طفولتي، وخاصة رحلة “سردونيا” إلى عالم الخيال.
تضع حياتها في الروايات
في رواية لقيطة إسطنبول استقت شافاك قصة بطلتها بانو من حكايا جدتها التي كانت تعمل كمعالجة من نوع ما، مثلما ذكرت إلف في إحدى حوارتها في كتاب “حياة الكتابة” من يقرأ حوار إلف حينما يقرأ الرواية سيشعر بأن بانو هي جدتها، ولقد خطفتني تلك الشخصية في الرواية السيدة الصوفية والدرويشة التي تعرف كل شيء وقد جاء على لسانها “الله، إنك أقرب إلي من حبل وريدي. ساعدني على الخروج من هذه المحنة. أن تمنحني نعمة الجهل، أو أن تمنحني القوة لأتحمل المعرفة. أي شيء تختاره سيرضيني، لكن أرجوك لا تجعلني ضعيفة وعارفة في الوقت نفسه”.
بل أن إحدى فتيات الأصابع بداخلها، أو حريمها الداخلية كانت صوفية درويشة، وكذلك كانت هناك العملية، والمثقفة وماما الأرز بالحليب التي انبثقت حينما حملت بطفلتها الأولى.
ان القراءة لالِف شافاك بمثابة تناول وجبة لذيذة، غنية بالتفاصيل والمكونات والبهارات، إنها الحكواتية الرائعة، والنسوية والهادئة، وسيدة التفاصيل غير المملة، حينما تقرأ لألِف تجد كل ما تريده لديها.
اقرأ أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 62,038
link https://ziid.net/?p=69993