لماذا كانت الكتب تُحرق على مر التاريخ؟
لقد عد الحكام والأعداء الكتب كعدو، لأن الجهلاء يسهل السيطرة عليهم، والسلاح المضاد للجهل دائمًا كان الكتاب.
add تابِعني remove_red_eye 62,056
“هل ترى الآن لماذا يكرهون الكتب ويخافون منها، الكتب تكشف المسام في وجه الحياة” من رواية (فهرنهايت 451) الكتب، الملاذ الآمن في الكثير من الأحيان، وهي السبيل للعلم المعرفة، الكتب هي ما تركه لنا الأولون من إرث حضاري وثقافي، هي النور الذي يهدينا الطريق القويم، هي الحياة، فلماذا تصير الكتب عدوًا لدرجة أن يتعمد أحد تدميرها، وأسباب التدمير هي ما أسلفته سابقًا، فبعيدًا عن أن البعض قد يدمرون كتبهم بأيديهم، لأنهم تبرأوا مما جاء فيها إثر مراجعات فكرية، فإننا نتكلم الآن عن تدمير الكتب على أيدي آخرين بقصد التنكيل بهم ليس إلا، أو من أجل إحكام السيطرة على الشعوب، فمن طرق المحتل لإحكام قبضته على البلاد تقويض ثقافتها ومحاربة كتابها، لأنهم صوت الحرية الذي ينادي.
أسباب تدمير الكتب
هناك الكثير من الأسباب التي قد تدفع البعض من أجل تدمير الكتب وإهلاكها.
إتلاف الكتب على يد عدو خارجي
وهو الذي يقوم بتدمير الكتب أو المكتبات في محاولة لطمس هوية الشعب المحتل، ومن أجل إحكام سيطرته على الدولة، وفرض ثقافته الدخيلة عليها، مثل الذي حدث في بغداد على يد المغول، أو ما حدث لمكتبة الإسكندرية عند غزو المدينة. جاء في كتاب “حرق الكتب في التراث العربي” ستة أسباب لحرق الكتب
أسباب دينية
وفيه تحرق السلطة والتي تدافع عن ذلك الدين الكتب المخالفة لشريعة هذا الدين أو المناقضة لما جاء فيه، مثلما حدث في العام 302 حيثُ أمر الإمبراطور دقلديانوس بحرق الكتب المقدسة، أو كما فعل الخليفة المهدي ومن بعده ابنه الهادي والذين أحرقوا الكتب التي رأوها تخالف صريح الدين، وكذلك حرق بعض المتعصبين لمذهب من المذاهب الأربعة، الكتب التي تخالف مذهبه.
أسباب علمية
مثل إتلاف بعض الكتب التي يثبت بها خطأ علمي، وقد كان يحدث ذلك كثيرًا على يد العلماء أنفسهم، أو مخافة من تأويل ما كتب بطرق ما كان ليرتضيها.
أسباب سياسية
فقد يتلف بعض الحكام أو من ينوبون عنهم الكتب، لأنها تعارض سيادتهم أو تقوم بالتحريض عليهم أو حتى تتبع للمعارضين لهم، لكن الأمر يكون كحالة من الذعر تصيب الحكام فيعمد إلى إتلاف الكتب، أو هي محاولة لإيصال الرسالة لمعارضيه بأنه قادر على التنكيل بهم، ومن ذلك ما حدث حينما فرض الأيوبيون سيطرتهم فأرادوا محو آثار الدولة الفاطمية، فعمدوا إلى الكتب وأخرجوها لبيعها ويقال إن بيعها استمر لعشر سنوات، وكذلك إحراق الكتب العربية على يد محاكم التفتيش الإسبانية.
أسباب قبلية واجتماعية
روى الوزير جمال الدين القفطي في كتابه “إنباه الرواة على أنباه النحاة” في ترجمته لابن الحائك الحسن بن أحمد الهمداني، أنه وضع كتابًا في معارف اليمن وعجائب أهله وسماه الإكليل، وهو كتاب رائع وشامل إلا أنك لا تجده كاملًا لما حدث له بسبب أنه ذكر بعض مثالب قبائل اليمن، وهو ما أجج مشاعر الكراهية للكتاب، وحينها امتدت أيديهم إليه بالإتلاف.
أسباب نفسية
وهي ما قد يسببها ضيق العيش أو شظف المعيشة أو حتى شعور الكاتب بأن لا أحد يهتم به أو بما كتبه، وأشهر تلك الحوادث كانت حادثة إحراق أبو حيان التوحيدي لكتبه وما دفعه إلى ذلك هو الحرمان والإهمال والبؤس والفقر الذي عاش فيه أبو حيان طوال أعوامه العشرين الأخيرة، فأحرق كتبه ضنًّا بها على مَن سيمجدونها بعد موته.
أسباب تعصبية
فقد يحرق البعض الكتب لأنها تدافع عن وجهة نظر غير التي يتبعها، وهو ما يجعله يشعر بالغضب والغيظ منها مما يؤدي به إلى إتلافها، ويعد من أهم تلك الحوادث إغراق كتاب “النصرة لمذهب إمام دار الهجرة” على يد أحد المتعصبين للشافعية.
طرق تدمير الكتب
كما جاء في ذلك الكتاب السالف ذكره أيضًا أشهر الطرق المتبعة من أجل إحراق الكتب وهي:
- الإحراق: وهو أشهر الطرق التي تتخذها الحكومات لحرق كتب معارضيها، أو من أجل أن تبسط الدولة سلطتها مثلما فعلت ألمانيا النازية، حينما أحرقت الكتب في الساحة بمساعدة الشباب المتحمسين لهتلر ومشروعه.
- الدفن.
- الإغراق.
- التقطيع والتخريق.
وتلك الطرق تعتبر فردية، لم تسجل لإتلاف أعداد كبيرة من الكتب، كما أن هناك أيضًا تدمير المكتبات بقصف المدن، وهو ما حدث أثناء الحروب.
حوادث متفرقة لإتلاف الكتب
“لا تحتاج إلى إحراق كتب شعب كي تدمر ثقافته.. تحتاج فقط إلى جعل الناس تتوقف عن قراءة هذه الكتب” راي برادبري
المحرقة النازية للكتب
في عام (1933م) تسلم الحزب النازي مقاليد الحكم في ألمانيا، وهو الذي لم يغير وجه ألمانيا فحسب، بل غير وجه العالم أجمع، وحينها قرر الحزب بقيادة هتلر عدة قرارات مهمة أولها تسليح الجيش الألماني، كما اعتبرت معارضة النظام جريمة، كما تم إنشاء وزارة للدعاية والتنوير، وهي التي قامت بإنشاء دوائر محددة للسيطرة على الثقافة الألمانية، منها الأدب والسينما والمسرح وحتى القنوات الإخبارية، في عام (1933م) قرر الطلاب النازيون تنظيم حملة لحرق الكتب في جميع أنحاء البلاد، من أجل تطهير الثقافة الألمانية من تأثير الثقافات الأخرى.
كان الطلاب يجتمعون مع مدرسيهم من أجل فرز الكتب التي تستحق البقاء أو التي يتوجب عليهم إحراقها، لم يرَ هؤلاء الطلاب أنهم يدمرون الثقافة الألمانية، بل رأوا أنفسهم يقومون بتطهيرها والعمل على رفعتها، فقد كان الحزب النازي يرى الجنس الآري بوصفه أفضل الأجناس في العالم وما عداه لا يعتبرون إلا خدمًا.
تدمير بيت الحكمة ببغداد
حينما اجتاح المغول بغداد، دمروها فلم يبق بيت على حاله، ولم يبق رجل يأمن على نفسه أو ماله أو ولده، لقد دخل المغول إلى بغداد وهم يحملون الخراب بين أيديهم، وكأن الخراب كان وحشًا أطلقوه فأتى عليها ولم يبق منها جزءًا بلا دمار، قتل المغول وسلبوا ونهبوا وخربوا، ولم يقف الأمر عن ذلك فحسب، بل أشعلوا النار في بيت الحكمة، وهو الذي أدى إلى تدمير الكثير من المؤلفات، النفيسة في المجالات الفلسفية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية.
وألقوا الكتب في نهري دجلة والفرات حتى إنني قرأت مقولة ذات مرة تقول بأن الأنهار صُبغت باللون الأسود والأحمر، وهما لونا الحبر والدم، ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد قتل الكثير من العلماء، ومن لم يمت بالسيف مات بالوباء والمرض الذي انتشر في أنحاء البلاد بسبب كثرة القتلى في المدينة وتلويث المدينة بالقتلى والدم، والتدمير الذي لحق بها، ففي تلك الحرب فقدت بغداد الكتب وفقدت العلماء.
“لم نعد بحاجة لرجال لإحراق الكتب، فالناس أنفسهم توقفوا عن القراءة بإراداتهم” راي برادبري
مؤخرًا لم تعُد الدول تلجأ لإحراق الكتب حقيقةً، أو حتى إحراق الأعمال الفنية بل أصبحت تمنع الكتب، وفي بعض الأحيان تلاحق الكتب، فأصبح بعض الكتّاب يلجؤون إلى دول أخرى تكفل لهم حرية الحديث والكتابة مثلما يريدون، بل وأصبحت الكتب الممنوعة تشد الأنظار إليها. كما أن الكتب الآن فقدت رونقها وقيمتها القديمة، فلم تعد هي سبيل المعرفة الوحيد بل إن سبل المعرفة توفرت للحد الذي جعل الكتب آخر الدروب التي يسلكها أحد من أجل المعرفة.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,056
مقال مؤلم لمحبي الكتب والقراءة
link https://ziid.net/?p=72023