من هو نجيب محفوظ: هرم الأدب وقلم البسطاء؟
وأنا ابن العاشرة سمعت أغنية لمغنٍ مصري يدعى حماقي، يمتدح مصر بأنها بلد عم نجيب، يومها ذهبت لشراء أول قصة لعم نجيب للعظيم محفوظ.
add تابِعني remove_red_eye 540
لم تكن تعلم السيدة “فاطمة مصطفى قشيشة” أن ولادتها المتعسرة تستحق كل هذا الألم لأنها كانت موعد ميلاد نجيب محفوظ في الحادي عشر من ديسمبر عام (1911م) بحي الجمالية، انتظر الموظف عبد العزيز إبراهيم ولدًا سماه نجيب محفوظ تيمنًا وتقديرًا للطبيب “نجيب باشا محفوظ” الذي أشرف على ولادته، التحق نجيب بالكتاب وهو ابن السابعة، ثم أكمل تعليمه الابتدائي فالثانوي في هذا الوقت بدأ شغفه بالأدب العربي.. لكنه لم يحدد واجهته بعد، التحق بالجامعة المصرية 1930م، وحصل على شهادته في الفلسفة (1934م)، ثم نصحه الأصدقاء بتحضير الماجستير، ومضى نجيب في رسالته، لكنه توقف بعد عام، واتخذ قراره الذي بدل حياته؛ وهو التفرغ من أجل احتراف الكتابة والتأليف.
مسيرة مبدع
عمل محفوظ في إحدى الهيئات الحكومية كموظف مدني فور تخرجه، وعمل كاتبًا صحفيًّا في جريدة الرسالة، وبدأ بنشر بعض من القصص القصيرة للأهرام والهلال وفى عام (1939م) نشر رواية “عبث الأقدار” ولحقها برواية “رادوبيس” وبدأ اسم نجيب يلمع تدريجيًّا في هذه الفترة، ولم يكتف نجيب بالمقالات والأعمال الروائية فحسب؛ فكتب سيناريوهات الأفلام بعدما أقنعه المخرج “صلاح أبو سيف” بهذا العمل الذي سيجلب له مصدر رزق وفير؛ فأبدع محفوظ في كتابة أفلام “الفتوة، مغامرات عنتر وعبلة، المنتقم، شباب امرأة، النمرود…. إلخ”.
أولاد حارتنا وقصة الاغتيال
غاب نجيب عن الكتابة لسنوات بعد ثورة يوليو، ثم عاد (1959م) برائعته “أولاد حارتنا” التي استخدم الرمز فيها، واعتبرها الكثير أنها مليئة بالإسقاطات السياسية، ورسالة حادة لرجال الثورة إمَّا أن يختاروا طريق الفتوات أو طريق الناس، كانت نهاية الرواية مأساوية بموت الجبلاوي الذى اعتبره الجميع يمثل الذات الإلهية، ومُنِع نشر الرواية في مصر، إلا أنه جاءت بعض النسخ المسروقة من بيروت إلى القاهرة.
واتهم نجيب بالإلحاد، وحاول اثنان من المتطرفين اغتيال نجيب محفوظ في أكتوبر (1995م) بعدها بأعوام ورغم نجاة الأديب العالمي من الموت بأعجوبة إلا أنَّ إصابته في أوتار اليد أثرت على إنتاجه الأدبي فيما بعد، وتحولت “أولاد حارتنا” بعد محاولة الاغتيال إلى حديث الوسط الأدبي مجددًا وأعادت نشرها دار الشروق عام (2006م)، وبيعت منها عشرات الطبعات، ويقول نجيب محفوظ عن أولاد حارتنا: “إن مشكلة أولاد حارتنا منذ البداية أنني كتبتها رواية وقرأها بعض الناس كتابا، والرواية تركيب أدبي فيه الحقيقة وفيه الرمز وفيه الواقع وفيه الخيال” ولا يجوز أن تحاكم الرواية إلى حقائق التاريخ التي يؤمن الكاتب بها؛ لأن الكاتب بهذه الصيغة الأدبية لم يلزم نفسه بها أصلًا إنما يعبر عن رأيه في رواية.
ما يميز نجيب محفوظ عن الجميع
لم يكن نجيب أبدًا هذا الشخص المثقف الذى يرتشف الشاي، ويجلس في غرفة منزله متأملًا الأزهار؛ ليرسم بريشته اللوحات الفنية، إنما كان ابن الحارة المصرية البسيطة الذى عاصر فيها ثورة سعد زغلول والاحتلال الإنجليزي، وكان شاهد عيان على هذه الحقبة؛ فكتب عن التغيرات التي تطرأ على النفس البشرية، وناقش كافة القضايا الاجتماعية، وتحدث عن صراع السلطة وعن تمرد الأبناء على الآباء والحرب بين القديم والحديث وعلاقة الناس بالدين؛ فكان مَن يقرأ لنجيب يشعر كأنه يقرأ عن نفسه حتى أصبح القارئ يميز أدب نجيب من أول سطر دون معرفة الكاتب.
نوبل والوصول للعالمية
«بموجب قرار الأكاديمية السويدية هذا العام منحت جائزة نوبل للآداب لأول مرة إلى مواطن مصري. نجيب محفوظ المولود في القاهرة، هو أيضًا أول فائز لغته الأدبية الأم هي العربية وحتى اليوم واظب محفوظ على الكتابة طيلة خمسين سنة، وهو في سن السابعة والسبعين ما زال ناشطًا لا يعرف التعب إن إنجاز محفوظ العظيم والحاسم يكمن في إبداعه في مضمار الروايات والقصص القصيرة. ما أنتجه عمل ازدهارًا قويًّا للرواية كاختصاص أدبي، كما أسهم في تطور اللغة الأدبية في الأوساط الثقافية على امتداد العالم الناطق بالعربية بيد أن مدى إنجازه أوسع بكثير، ذلك أنه أعماله تخاطبنا جميعًا».
هكذا كان بيان أمين السر الدائم للأكاديمية السويدية في 13 أكتوبر (1988م) لتكن هذه الجائزة إنصافًا لشخص يعتبر الأفضل من أبناء جيله إذا لم يكن الأفضل على الإطلاق، كانت نوبل إنصافًا للرواية المصرية، ولأدبنا العربي، وللغتنا الشامخة، ومازال العرب في انتظار إنصاف آخر بعد سنوات من فوز نجيب بهذه الجائزة، ولكن من أين لنا بنجيب آخر هذه الأيام؟!
حياته العاطفية
وقع نجيب في حب بنت الجيران في شبابه وكعادة الأدباء فشلت هذه القصة، ولم يكلل هذا الحب بالزواج وقال نجيب واصفًا حبه “الحب يسعد لا يشقي.. ولكن لم أسعد بحبي” وظل نجيب بعد هذه القصة عكوفا عن الزواج إذ كان يعتقد أن الزواج سيأخر مسيرته، وينشغل به عن الكتابة، فاختار الوفاء لقلمه كعادته حتى عمر الثالثة والأربعين وفيه تزوج السيدة “عطية الله إبراهيم” وأنجب منها ابنتيه أم كلثوم وفاطمة، وأخفى خبر زواجه لسنوات حفاظًا على حياته الخاصة.
غروب شمس نجيب محفوظ
في ثلاثين أغسطس عام (2006م) استيقظ العالم على خبر وفاة نجيب محفوظ صاحب التسع عقود والأربع سنوات، رحل أسطورة الرواية، ولكنه ترك لنا من الأدب والأعمال ما لم يستطع موت أخذه قط.
إليك أيضًا:
add تابِعني remove_red_eye 540
رحلة الأديب الفائز بجائزة نوبل نجيب محفوظ
link https://ziid.net/?p=72950