ثلاثة أسباب جعلتني أُشاهد مسلسل “صقر قريش”
من المسلسلات المحفزة التي تبعث في روحك الهمة وكأنها يبرق في الآفاق يعيد الأرواح الضائعة إلى جادة الطريق " صقر قريش"
add تابِعني remove_red_eye 102,686
غدت المسلسلات في ندرة من حيث المغزى والقيمة، وفي كثرة في الكم بلا كيف.. لذلك لجأت إلى الماضي فكنت أبحث في أرشيف المسلسلات، واخترت التاريخي منها.. وهي محاولة لمشاهدة عمل يشدني وفي نفس الوقت يقدم لي إضافة حقيقية فكان مسلسل “صقر قريش” -عرض في عام 1423هـ- وهنالك أكثر من سبب لاختياري هذا المسلسل تحديدًا إلا أني سوف اذكر أبرز الأسباب وهي ثلاثة:
السبب الأول: شخصية تاريخية ملهمة
المسلسل يحكي قصة “صقر قريش” عبد الرحمن بن معاوية حفيد هشام بن عبد الملك بن مروان، حين كان طفلًا إلى أن حضر موت جده هشام، ونهاية العهد الأموي في المشرق على يد الأعلام السوداء من بني العباس وأتباعهم.
الأمل الكبير
يذكر بسام العسلي في سلسة كتب “مشاهير قادة الإسلام”: بأن عبد الرحمن بن معاوية عرف منذ أن كان صغيرًا بأنه سيكون أمير الأندلس مما سمعه من مسلمة بن عبد الملك بن مروان مستندًا على نبوءة سمعها، ووصى أخاه هشام عليه.. وهذا ما جاء في المسلسل، وفي أخبار التاريخ. فكانت النبوءة التي سمعها سببًا في قوة عزيمته ومثابرته كما أنه كانت لديه البوادر، وعند زوال ملك بني أمية من المشرق مضى إلى غايته “الأندلس” فدخلها، وتحقق أمله وأصبح “عبد الرحمن الداخل”.
“السلطان عقيم” هكذا تكررت العبارة في المسلسل، وبعيدًا عن سفك الدماء لمن تآمر عليه وما وردت الأخبار من معارك.. فقد كانت له نفس ذات همة عظيمة ففي الأندلس حين دخلها وهو لم يبلغ الثلاثين من عمره.. حين أتوه بالخمر قال: “إني محتاج إلى ما يزيد في عقلي، لا ما ينقصه..” وحين أهديت له جارية جميلة ردها حتى لا يظلم همته. فهو قيادي سريع النهضة متصل الحركة، شجاع.. ومن جانب آخر هو شاعر وخطيب مفوه.
نقطة الخلاف بين الداخل والداعمين له
يذكر العسلي: بأن الداخل عرف بأن بناء الدولة لا يبدأ إلا بعد تحقيق الاستقرار لها ومن دعموه قبل كانوا يظنون بأن بناء الدولة ينتهي عند إقامتها لهذا كان الخلاف.. فعمل الداخل على استبعادهم.. فكان نصره وهلاكهم.
شهادة من خصومه
جسد دور “صقر قريش” في المسلسل الممثل السوري جمال سليمان، وجاء في أخبار التاريخ أن من أطلق على الداخل لقب “صقر قريش” هو مؤسس الدولة العباسية أبو جعفر المنصور تعظيمًا لهمته وعزمه.
نهاية قائد
عاش الداخل 62 عاما، وحكم مدة 33 عامًا صنع فيها حضارة للعرب والمسلمين في الأندلس، وفي عهده عرفت قرطبة بأنها عاصمة الدنيا. ويقول المؤرخ العسلي: “كان الداخل منارة خالدة في طليعة منارات قادة العرب المسلمين.. والفضل كل الفضل للإسلام ولرسالته الإنسانية والحضارية وهذا لا ينتقص من دورهم”.
السبب الثاني: المسلسل من كتابة د. وليد سيف
العمل كان من كتابة ورؤية د. وليد سيف من فلسطين وهو من أفضل من كتب في السيناريو، وله أكثر من مسلسل كُتب بروعه تجعلك تعيد المشهد لتستمع إلى حوارات ملهمه حقًا تسري لفؤادك وعقلك معا، ولا عجب في ذلك فهو من كتب مسلسل عمر، وصلاد الدين الأيوبي، والتغريبة الفلسطينية، وملوك الطوائف.. وغيرها. والكاتب يمتلك الموهبة التي صقلها بالعلم ودراسة اللغة العربية فهو متخصص في الأدب العربي، وحصل على الدراسات العليا من جامعة الأردن ودرجة الدكتوراه من جامعة لندن، ولقد عمل كأستاذ محاضر. وهو كذلك روائي له روايتان مطبوعة، وشاعر له ثلاثة دواوين، وناقد له كتاب “الشاهد والمشهود” مراجعة فكرية.
سيناريو من ذهب
تستمتع وأنت تستمع إلى جمال اللغة العربية من خلال نصوص مكتوبة بإبداع وحب فمن ضمن الحوارات في المسلسل كان هذا المشهد الذي صاغه الكاتب لبدر خادم الأمير عبد الرحمن الداخل، والذي شاركه رحلة الانتقال إلى الأندلس وأصبح وزيره، ومن ثم تحول الحال وعزله وحجر على أمواله فكان يكتب للداخل رسالة تلو الأخرى يستعطف الداخل إلا أنه لم يستجيب له إلى أن شاهدته زوجته وهو يكتب فضجرت منه.. وحاولت منعه.. إلى أن قال: “وهل بقي لي من الأمر شيء هناك بعد الذي فعله بي..” فكان رد زوجته: “بقيت لك نفسك وعزتها فإن ملكتها أنت صاحب الأمر أميرًا كنت أم فقيرًا..
نحن كما نصنع بأنفسنا.. لقد سموت بالمنصب كما سمى بك، وذلك بجهدك وعملك ثم ذهب المال والمنصب وذلك بأمر السلطان وسطوته.. ولقد كنت سامي الأمر وأنت الخادم، وبقيت ساميًا بعد إذن وأنت أمير الجيش، وبيدك أنت لا بيد السلطان أن تبقى ساميًا إن شئت أو أن تنزل إلى هاوية ليس لها قرار.. وهذا أمر لا يستطيع السلطان أن يسلبه من أحد أو أن يُعطيه لأحد، إنما يرفع السلطان من كان يفتقر بنفسه إلى السمو، ويسقط من ليس له غير ما ينزله السلطان فيه…”. وبهذه الكلمات استطاعت أن تغير حاله.. وحال كل من يستمع للمشهد وقد تعرض لفقد منصب أو مال.. وهي رسالة تبث قيم نبيلة، وتخلق نفوسًا كبيرة.
السبب الثالث: حاتم علي المخرج
حين يكون العمل من إخراج المبدع حاتم علي -رحمه الله- من المؤكد أنه عمل عظيم يستحق المشاهدة، فهو مخرج له أبعاد فلسفية في مهنته فهو يعمل من أجل تقديم فن يطور المجتمع ويلهمه، والحق أن مسلسلاته التاريخية تظهر وكأنها بيرق في الآفاق يعيد الأرواح الضائعة إلى جادة الطريق. وحاتم هو من أخرج المسلسلات التي كتبها د. وليد سيف فكانت شراكة قدمت لنا فكر مقترن بالفن لننعم بأبداع فني حقيقي يؤثر ويغير على نحو إيجابي، فهو فن يسمو بنا ويرفع من مستوى ذائقتنا.
وأخيرًا… المسلسل يحكي عن شخصية قيادية مسلمة بطريقة مشوقة تجعلنا نتعايش مع الأحداث، ونستلهم منها لننهض بالعمل كلٌّ في موهبته بإتقان وفن.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 102,686
مقال ملهم حول مسلسل صقر قريش ولماذا يجب أن تشاهده
link https://ziid.net/?p=93657