الخطوات الخمس لإنشاء السرد القصصي، أمثلة من أعمال خالدة!
للأعمال التاريخية وصفة سحرية، تجبرك رغمًا أن تعجب بها وتحكي عنها لاحقًا، لتحقق بذلك أهم صفة لها (الأصالة)
add تابِعني remove_red_eye 16,278
كمْ رغبت سابقًا في أن أجمع بين الآراء، وزوايا الأفكار المختلفة، والعواطف المتناثرة، والقصص القابعة خلف ستائر الأحداث العظمى، أن أسمع من طرف واحد، وألقي بكل أفكاري عما سمعته نحو الفئة الثانية، أو الثالثة والرابعة، وهكذا! لا أعرف لماذا هذا التشابه الوثيق بين تجارب الألم وصناعة الفنون، بودي أن أعرف أكثر عن توافق هذين الجانبين واندماجهما مع بعضهما الآخر، لِيَكُونَا لاحقًا باكورة أعمال خالدة في التاريخ البشري! هل بالضرورة أن يكون الألم محفزًا للإبداع؟ أم أن الإبداع يسمح للألم أن يكون عميقًا لينتج عملا خالدًا؟
أولا: كتاب امرأة في برلين (لمجهول):
هكذا دون أن أخطط لذلك وفي فترات زمنية مختلفة، كنت قد قرأت عن إحدى أعظم تجارب الألم التي مرت في التاريخ البشري (الحرب العالمية الثانية) ومن خلال كتاب “امرأة في برلين” تلك المذكرات التي كتبت ووصفت ما قام به الشيوعيون في عقر دار الألمان في العاصمة الألمانية (برلين)، عن الاقتحام، والتكسير، ورمي الرصاص، ومظاهر الجوع، والتهديد بالقتل، والاغتصاب، عن روح الانتقام، كيف لك بأن تعيد من هيبتك كروسي.
لتأخذ بثأر من قاموا بقتل أهلك، وأصدقائك، هذه المذكرات السرية التي نشرت لاحقًا تبين هذه المشاهد بصورة أدق ومن تجربة لإحدى الناجيات من هذا الحدث التاريخي الذي بدأه مجنون يسمى هتلر، الخليط الناتج من هذه المذكرات وتجربة ألم الحرب أنشأت هذه التحفة التاريخية، وهنا بدأت أول تساؤلاتي عن ماهية خليط الألم بالفن، لإنتاج باكورة أعمال لا تنسى في التاريخ!
ثانيا: كتاب الإنسان والبحث عن المعنى (لفيكتور فرانكل):
في تجربة أخرى، كثيرًا ما سمعت عن عنوان الكتاب (الإنسان والبحث عن معنى) ولكن لم تكن لديَّ فكرة عن المؤلف ولا عن القصة الكامنة خلفه، حين بدأت في تقليب صفحاته وجدته أيضًا يقبع في تلك الحقبة الزمنية مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، مما جعل السؤال أكثر ظهورًا لدي بين أسطر الكتاب، عن ذلك الألم وذلك الفن وخليطها الساحر، قصة أخرى يطرح فيها الطبيب النفسي تجربته المريرة في الحرب، وهو اليهودي الناجي من محرقة الهولوكوست، كيف يصف ما درسه نظريًّا في تخصصه، وكيف شاهد تلك الدروس النظرية واقعًا محسوسًا جعلته أكثر رغبة في النجاة من الحرب.
عن معنى أن تعيش لسبب واضح يجعلك تتمسك في الحياة من أجله، أن ترغب بشدة في نقل تجربتك المليئة بالاضطهاد، والأعمال الشاقة، والجوع، وأسباب النكوص والخيبة، من ثم الاستسلام، والنتيجة ضعف يودي بك للقتل أو الحرق، كتاب بديع آخر نسج بخليط الألم وفي حدث مشترك غير وجه العالم.
ثالثا: كتاب ليس للحرب وجه أنثوي (لسيفيلانا أليكسييفيتش):
أخيرًا عن آخر التجارب يقع بين يدي كتاب لم يكن لديَّ فكرة عنه الآخر سوى تلك المراجعات التي في Goodreads والتي تصفه بأنه كتاب ممتاز، والمعنون (ليس للحرب وجه أنثوي) هذه المرة من وجهة نظر روسية، ليست ألمانية أو يهودية الأصل، بل روسية تصف مشاركة النساء في الحرب العالمية الثانية، عن روح الشباب المندفع، والذي كان يظن بأن الحرب لن تستمر سوى أشهر معدودة، غير أنها استمرت ٤ سنوات كاملة، عن التجنيد وعن النساء، كيف يتغير الوجه الأنثوي لينقع بالدماء، والدموع، والرصاص، لتكون في صف الرجال جنبًا إلى جنب، تجربة أخرى مؤلمة، تنضم لتكون عملًا بديعًا هو الآخر ومن خلال القصص المروية من نساء الحرب أنفسهم.
كيف لحرب واحدة أن تنشئ مثل هذه الأعمال العظيمة، والتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمعاناة، العام ١٩٤٥م، غير وجه العالم، عن بعض الآثار التي تظهر في السطح ولكن يقبع تحتها ملايين القصص والأعمال، والشواهد، التي لم تحك ولم تنقل للجيل التالي.
هنا أجعل نفسي في سؤال جديد، هل للوباء العالمي للجائحة كورونا COVID- 19 فصل جديد للأحداث؟ ليست تجارب للألم، العالم الآن في كتلة واحدة، أن يختل اقتصاد دولة واحدة يعني أن تتأثر مجموعة دول أخرى معها، ما التقنيات التي تسارعت بشدة لنكون في وضع مختلف؟ ما قبل الفيروس يختلف عما بعده، الكثير من دول تتجنب الحرب لأنها مؤذية لكل الأطراف، تستنزف من ميزانيتك، وقوتك، ووقتك، في سبيل أن تنمو وتتطور، الحرب القادمة ربما ستكون مختلفة، حروب البيانات، أو حروب الاختراقات، حروب الحاسب.
كيف ستنتج الفنون الممزوجة بالألم؟ هل ستتوقف؟ أو تولد في شكل جديد؟ من سيوثقها؟ كيف سنحكي القصص مع الجيل التالي؟ كيف سننقل تجربتنا بتجرد؟ دون الخوف من اختراق خصوصياتنا؟ وحواسيبنا؟ وبياناتنا؟ عن أي ألم سنتفرد في المرة القادمة بفنه، وكيف سنصفه؟
في محاضرة لرايان قاتس على منصة TedX بعنوان (أكتب ما تعرفه بصدق) السر الحقيقي في هذه الأعمال العظيمة التي سبق وذكرتها في “السرد القصصي” وذكر بأن هناك عدة عوامل يجب أن تكون مؤثرًا كافيًا لجذب الجمهور وجعله ينشدُّ لحكايتك يذكر عناصرها:
١- الخُطاف
ويعني به جذب انتباه المتلقي منذ اللحظة الأولى للقصة.
٢- اللامتوقع
بحيث تكون المفاجأة بتساؤلات الجمهور حول القصة.
٣-الأسباب والتأثيرات
سلسلة الأحداث التابعة للقصة
٤-كيف تشعرك؟
شرح كل الأمور (العاطفية، والعقلية، والجسدية) عن ارتباط الجمهور مع القصة وتأثره بها
٥- بناء تفاصيل محددة
وهي العنصر الأساس المقنعة والأبدية في السرد القصصي. ينبّه رايان في محاضرته بأن أهم عنصر هي “الأصالة” وعدم حياكة قصة غير حقيقة أو لا تصدق، هي أهم عامل يحدد عظمة عملك من عدمه.
بالتأكيد أن الألم العاطفي والجسدي لهذه الأعمال، لا يمكن الشعور بها على نحو فعلي إلا بطرق مختلفة مثل (الرسم، الشعر، الرواية، الأفلام… إلخ) ولكن مختلف المشاعر تتفاعل مع هذه الأحداث لتحدث تفاعلًا كيميائيًّا ما يجعلك تتعاطف مع القصة وتذوب معها بشكل كامل، يقولون (صورة بألف كلمة) ولعلّي أقول (قصة بمليار شعور)
إليك أيضا
add تابِعني remove_red_eye 16,278
حديث ملهم عن السرد القصصي وتحقيقه
link https://ziid.net/?p=96541