أطياف كاميليا.. كيف تمكنت الكاتبة من أن تُخبر وتعرض في الوقت نفسه
رواية أطياف الكاميليا، حيث تمكنت الكاتبة من خلق شخصيات حقيقية لها جوانب متعددة تجعلك تتعاطف معها وتغضب منها في آنٍ.
add تابِعني remove_red_eye 14,463
أطياف كاميليا.. هي رواية للكاتبة نورا ناجي إصدار دار نشر الشروق في عام 2019. كانت رواية مؤجلة في قائمة قراءاتي حتى وقع بين يدي مقال للكاتبة عنوانه “كيف تنجو الكاتبة من فخ الرؤية النسائية” وقد أضافت الكاتبة نورا ناجي مثالًا من روايتها “أطياف الكاميليا” عن الشخصيات الذكورية فيها وكيف تقمصت الشخصية للدرجة التي جعلتها تكتب بمشاعره وأفكاره، لذا فقد أردت أن أقرأ الرواية وأطلع بنفسي على مطابقتها لهذا التقمص بالكامل، فرأيت أن هذا التقمص هو الذي يجعلنا نكتب الشخصية بجانبيها الخير والشر ولا نكتب صورة الرجل ذي الجانب المتسلط الغاضب كوجه كفار الأفلام القديمة.
والحقيقة أن هذا ما ميّز روايتها بالفعل، فستجد نفسك ناقمًا على جميع الشخصيات تقريبًا ومتعاطفًا معهم في الوقت ذاته، فقد أتقنت خلق شخصيات مختلفة في أفكارها وحياتها يشبهون أشخاصًا حقيقيين تقابلهم في حياتك أو ربما عشت معهم فترة، يشبهونك أنت نفسك بعيوبك ومميزاتك وأفكارك وجنونك.
بداية شائقة
بداية جذابة للرواية بمشهد خيالي أقرب للواقعية السحرية على لسان كاميليا الصغيرة التي رأت عمتها تختفي داخل المرآة، صاغتها الكاتبة بشكل متقن على لسان طفلة لا يصدقها أحد، ولكنها تجعلك كقارئ تقتنع بخيال الطفلة وتترك لها عقلك وعيناك تركض خلف الصفحات لتعلم ما سر هذه المرآة مع كاميليا.
كاميليا ليست ضحية
إحدى نقاط القوة في الرواية هي صورة كاميليا المتكاملة وجوانبها العديدة، فلم تكن بطلة اعتيادية كما في معظم الروايات، ضحية مثالية تتعرض للقهر الذي يفسد حياتها لتثير تعاطفك معها وغضبك على من حولها حتى آخر الرواية، وإنما تجد نفسك تتأرجح في مشاعرك ذهابًا وإيابًا بعد رؤية كل من أصوات الرواية، فأحيانًا تميل إلى كاميليا وأحيانًا تثور عليها، ثم تعود لتدرك أنها بشر على أي حال، الفكرة أنك ترى نفس الشخصية من خلال شخصيات الرواية وكل منهم يقف في زاوية مختلفة عن الآخر حتى كاميليا لم تحاول في خطاباتها تجميل مواقفها أو صورتها بل تحدثت عن عيوبها ودلالها بوضوح ولم تحمل الآخرين ذنب مصيرها وإن كانوا ليسوا معفيين بالكامل.
التحرر من الوهم
يتضح لنا في النهاية أن كاميليا العمة عرفت أنها ما عاشت الحب وإنما عاشت وَهْمًا أضاع حياتها وأفسد علاقتها بوالدها الذي كان يحبها ويميزها ويمنحها الحرية لتحقق أحلامها وأحلامه أيضًا، وهو حلم الشهرة والكتابة الصحفية واسمها الذي يضيء صفحات المجلة.
وعندما سقطت في هذا الوهم رأت وجهًا آخر لأبيها ليُنهي أحلامها وحياتها بالزواج من رجل لا تعرفه، يحزنك هذا المصير وإدراكها المتأخر للحقيقة بعد انتهاء كل شيء، إلا أن تجربتها تلك حررت كاميليا الصغيرة بل وأنقذتها من نفسها، وكتبت حياة واعدة لها ولأسرتها وربما هذا ما تفعله الروايات، هذه القيمة الاجتماعية التي تقدمها الرواية وليس مجرد التسلية، وهذا ما تفعله رواية أطياف كاميليا ليس الكتابة المستهلكة حول تحرير المرأة ولكن نقل التجربة بكل جوانبها الحقيقية.
البيت بطل الرواية
إنه الثابت الوحيد في الرواية بينما تغير الجميع، شعرت أنه البطل الحقيقي يروي لها قصة ساكنيه، تستمد منه كاميليا طاقتها وحريتها، كل من مرّ عليه لم يغب طيفه عنه بل ظل محتفظًا بأطياف الغائبين معلقين على جداره.
أن تعرض وتخبر في آنٍ
يتحدث الخبراء في فنّ الكتابة الروائية أنه عليك ألا تُخبر، لا تحدثنا عن الحدث ولكن اجعلنا نشعر به ونراه كمشهد سينمائي، وهذا الرأي رغم أنه يتعرض أحيانًا للنقد لأنه يلغي الرواية السردية إلا أنك تدرك أن هذا الرأي صحيح عندما تقرأ رواية تستمتع بها وكأنك تعيش أحداثها، ورواية أطياف كاميليا هي رواية سردية رويت عن طريق مذكرات أو خطابات وأوراق خاصة، والحوار فيها قليل جدًّا إلا أنك تشعر وكأنك عشت داخل فيلم سينمائي بالفعل، أنت تحفظ شرفة المنزل التي كانت كاميليا تقفز إليها من شباك غرفتها وتتخيل المرآة والأغطية وحجرة كاميليا بأوراقها وكتبها والفرش والألوان، آلات التصوير وحتى الصور التي التقطتها، كيف استطاعت نورا ناجي أن “تعرض” من خلال رواية سردية معتمدة على الإخبار؟
السر في فنّ الوصف، معرفة ما الذي يجب عليك وصفه وسيفيد سير الأحداث وحبكة الرواية والذي يُبقي القارئ منتبهًا ومشدوهًا، وما يجب حذفه من وصف دخيل قد يصيب القارئ بالملل أو يخرجه عن تخيله لأحداث القصة، وهذا ما يفرق بين الكاتب المتقن لأدواته والكاتب المبتدئ، الأمر يحتاج المزيد والمزيد من التدريب. وقد حصلت الرواية مؤخرًا على جائزة يحيى حقي، وهذا يمنحنا بعض الأمل في أن الروايات الجيدة تجد التقدير المستحق.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 14,463
قراءة في رواية أطياف الكاميليا
link https://ziid.net/?p=86083