“هل يُعتبر فنًا في حدّ ذاته؟” تعرّف على أسرار الخط العربي!

يمكن للخطاط أن يكون رسامًا، ولكن الرسام ليس بالضرورة أن يكون خطاطًا. لأن الخطاط هو من كتب العبارة أو الجملة غير ملتزم جاهلًا أو متجاهلًا لقواعد كتابة الحروف.
إذن فهنالك فرق يعرفه الكل من الممارسين لكلا المجالين (الخط والرسم). جاء ذلك في كتاب “بين الحرف واللون” في إصداره الثالث للفنان التشكيلي “ناصر الموسى” من السعودية الذي أبدع في الخط والحروف العربية بخبرة تمتد لأكثر من (30) سنة.

درس وعمل في المجال الفني وله العديد من المساهمات الفنية، والمشاركات المحلية والدولية. بالإضافة إلى (15) معرضًا شخصيًا. و6 مؤلفات متخصصة في الفنون.

لماذا “الله أكبر”؟

يذكر بأن اختياره لعبارة  “الله أكبر”  لتطل في لوحاته بأكثر من شكل وتصميم وتكون هي محور كتابه و لوحات معرضه بالكامل عائد لما تحمله العبارة من معاني عظيمة، والتي بدأت بلفظ الجلالة “الله” وهي أعظم كلمة في الوجود لموجد الوجود -جل جلاله- وتقدست أسماؤه سبحانه وتعالى.

اختار العبارة بعد عدة معارض نفذها منها: الحوار البصري، والخط العربي وهمس الحرف وصوت الحرف حتى وجد نفسه يحلق إلى عبارة ذات دلالة ومضمون “الله أكبر” العظيمة الممتدة الدلالات: فهي عبارة رقيقة وجميلة لمن يستشعر عظمتها وقدسيتها.
منوهاً إلى أنه لم يعطِ العبارة حقها لعدم قدرته على الإحاطة بعظمة أسرارها والمعاني والدلالة التي تحملها.

ويشير إلى أن العمل الفني يحمل في طياته وتكوينه الفكري: المضمون والجمال والشكل. فلا تحرم نفسك الاثنين إن استطعت فان لم يكن فاظفر بأحدهما وهو الغالب وهو الشكل الظاهر لك، وهو ما يسمى اصطلاحًا “النص البصري” الذي يصافح بصرك من خلال لوحاته.

مشيراً إلى أن عدم معرفتك لكل ما يراد التعبير عنه في العمل الفني -مجسمًا كان أو مسطحًا- لا يعني بالضرورة عدم فهمك وأنك أقل إدراكًا من الفنان ذاته الذي أنجزه. ولكن لأن لكل منا ما يميزه بقدرات مختلفة عن الآخرين تبعًا للثقافة والبيئة وغيرها من العوامل التي تدخل في تشكيل ثقافة الفرد منا. فتستطيع أن تكتفي بالاستمتاع الجمالي فليس بالضرورة المعرفة الموضوعية المرادة من العمل.

ويذكر د.”علي مرزوق” بأن كثيرا من التشكيليين استعملوا الحرف العربي بشقيه المفرد والمركب وما يمثله من طواعية وقابلية للتشكيل بما يتناسب مع المنجز البصري. موظِّفين ذلك كله في نصوصهم البصرية المعاصرة. متجهين وسط الاتجاهات العالمية المتنوعة إلى صياغة أعمال تتسم بالأصالة والمعاصرة في الآن ذاته. من خلال الاتكاء على حضور الحرف العربي حضاريًا، استثمار ذلك في تقديمه بصورة جمالية حديثة تليق به إيمانًا بضرورة تحقيق هوية عربية وسط هذا الكم الهائل من الاتجاهات والتقنيات الغربية.

أهمية الفنون في حياة الإنسان 

فن وهوية

وللحرف العربي روحانية فقد كُتب القرآن الكريم بالحروف العربية. ويذكر “توماس وأرنولد”: “بأن الفن الذي كان المسلمون أنفسهم يضفون عليه قيمة عليا، هو فن الخط. فكانوا فخورين بتعهدهم هذا الفن وصقله له بأنفسهم وأنهم لم يتلمسوا فيه العون من فنانين أجانب”. وكذلك جاء في مقدمة “ابن خلدون” : “بأن الخط من الصناعات الإنسانية يقوى بقوة الحضارة ويضعف بضعفها”.

أيضًا يرى الكاتب “شربل داغر”  من لبنان بأن الخط العربي من مظاهر العبقرية الفنية عند العرب فهو فن خاص بهم ولم يأخذوه عن غيرهم. كذلك في الحركة الحروفية أنساق جمالية متعددة وأسرار.

محتويات الفن الحروفي:

1- المحتوى اللغوي

في الحرف أو الكلمة المتعلقة بالتفكير اللغوي، و منها يحدث التواصل الإنساني.

2- المحتوى الشكلي

وهو في الأشكال الملموسة والمحسوسة ويتم إدراكها بالحواس في المساحة والخامة والشكل والأرضية.

3- المحتوى الرمزي

وهو في شكل الإشارات ذات دلالة معينة مثل الحروف التي ترمز لمعنى معين والأرقام والنقاط.

وجاء في كتاب جماليات الخط العربي والتشكيل الحروفي لمجموعة من الباحثين: ” بأنه تم دمج الفن التشكيلي بالحروف العربية ليخرجوا بالفن الحروفي ويبدعوا في تطعيم لوحاتهم وتكويناتهم الفنية بالحروف العربية، وفي السنوات الأخيرة أصبح فن الحروفيات طاغي ومنتشر بشكل كبير جدا في الساحة التشكيلية العربية، وأدركت الفنون المعاصرة ما للخط العربي من دور في إضفاء جماليات على بُنيتها، ليعتمد الفنانون التشكيليون على الخط العربي اعتمادًا كبيرًا نظرًا لانفتاحه ورمزيته، مما يضفي على اللوحة التشكيلية طابع عربي إسلامي ذو أبعاد جمالية ورمزية جديدة تزيده تأنقاً”.

وفي النهاية..

يذكر “الموسى” بأن الغوص في الشكل والمعنى يطلب منه كذلك الغوص إلى الأعماق في الدلالة والتمتع بسمات الفن الزخرفي الإسلامي من التكرار الجمالي الذي فتح آفاقًا أرحب على الفنون العالمية الأخرى. وبهذا تُعد تجربته إضافة في الفن التشكيلي العربي.