ريمونتادا .. ما هو الشئ الذي يصنع الفرق الكبيرة؟
الخلاصة أن لعب الفرق داخل أرضها يعطيها أفضلية كبيرة للفوز للعديد من الأسباب ولكنه لا يخلق فريقًا كبيرًا
add تابِعني remove_red_eye 97
شاهدنا كثيرًا على مدار السنوات الأخيرة العديد من الفرق التي يتم هزيمتها خارج الأرض، ثم تعود لتعوض فارق الأهداف في مباراة العودة على أرضها حتى وإن كان هذا الفارق كبيرًا. فشعور اللعب داخل الأرض بين جماهيرك يشبه إلى حد كبير شعور العودة إلى المنزل بعد رحلة طويلة من السفر، فحتى إن كنت سعيدًا أثناء السفر إلا أن شعور المنزل له راحة نفسية لا تضاهيها راحة. فإن كنت لاعب كرة قدم فنستطيع تشبيه ملعب الفريق بمنزلك الملاذ الآمن للاعب والذي يستطيع به إخراج كل طاقته وأداء أفضل ما لديه من جهد.
أم إن الموضوع مجرد وهم لا وجود له وأن اللعب خارج الأرض لا يفرق عن اللعب بملعبك كما يقول بعض المعلقين؟ في الحقيقة إن كلام المعلقين هذا لا أساس له من الصحة فهناك فارق كبير في أداء الفرق واللاعبين على ملاعبهم وبين جماهيرهم وبين أدائهم على ملعب الفريق المنافس. فحسب دراسة أجراها الاتحاد الأوربي على (6500) مباراة بدوريات أوربا المختلفة وجد أن نسبة فوز الفرق خارج الديار تعادل فقط (25%) ونسبة الفوز داخل الديار (50%) أيْ الضعف تحديدًا.
وإذا نظرنا لنتائج برشلونة في الأربع سنوات الأخيرة خارج الديار حينما يقابل فريقًا مقاربًا له في القوة نجد نتائج غريبة. ففي عام (2017م) يخسر الفريق الإسباني لصالح باريس سان جيرمان بنتيجة (4-0) ليعود بعدها على أرضه بأعظم ريمونتادا في تاريخ دوري الأبطال حتى ذلك الوقت. ثم بعدها بعام واحد يحدث العكس تماما فبعد أن يفوز برشلونة على روما بنتيجة (4-1) يعود روما بعدها بملعبه ليفوز في الأوليمبكو (3-0). وحتى العام الماضي بعد أن فازوا على ليفربول في إسبانيا بنتيجة (3-0) ليخسروا بعدها على ملعب أنفيلد بنتيجة (4-0) بهدف أوريجي الشهير ويخرج من البطولة بشكل مهين. فلو لاحظنا كل هذه النتائج نجد برشلونة يقدم نتائج جيدة على ملعبه كامب (نو وينسي).
أما إذا نظرنا لنتائج كأس العالم فنجد الدولة المنظمة للبطولة تقدم نتائج أفضل كثيرًا من نتائجها إذا لم تكن منظمة للبطولة، باستثناء البرازيل التي كلما نظمت البطولة أنهتها بكارثة ما بين خسارة النهائي أمام أورجواي عام (1950م) أو النتيجة الكارثية (7-1) أمام ألمانيا في قبل نهائي (2014م).
ولكن بالنظر إلى فرنسا نجد أنها فازت بأول كأس عالم في تاريخها حينما نظمت البطولة عام (1998م) وكوريا الجنوبية وصلت للمربع الذهبي لأول مرة في تاريخ المنتخبات الآسيوية حينما قامت بتنظيم البطولة بالاشتراك مع اليابان عام (2002م) أما المكسيك فكانت دائما ما تخرج من دور ال (16) في بطولة كأس العالم إلا مرة واحدة حينما نظموا البطولة عام (1986م) وصلوا إلى دور ال (8) وخسروا بضربات الجزاء أمام ألمانيا.
اقرأ أيضا: البرازيل.. والولع برياضة كرة القدم
ولكن ما السبب وراء هذا الأداء؟
في دراسة أجراها الباحثان Nick Neave و sandy wolfson على لُعَاب اللاعبين وجدوا أن معدّل إفراز هرمون التستوستيرون لدي اللاعبين اللذين يلعبون بملعبهم أكبر بشكل ملحوظ من اللاعبين خارج الملعب، مما يؤدي لزيادة السلوكيات العدائية والشعور بالهيمنة لدى اللاعبين على أرضهم، مما يجعلهم أشرس من المنافس، وربطوا هذا بفكرة الحيوانات التي تدافع عن أرضها عند حدوث هجوم من حيوانات أخرى ووجدوا أيضا زيادة الهرمون لديها. ولذلك فإن معدل هذا الهرمون لدى حارس مرمى الفريق الذي يلعب على أرضه يكون أعلى من باقي زملائه هذا لأنه يمثل خط الدفاع الأخير لفريقه.
هذه الدراسة تفسّر لنا أشياء كثيرة كمباراة الزمالك والنجم الساحلي عام (2015م) في عودة قبل نهائي كأس الكونفدرالية خسر الزمالك من النجم في الذهاب بنتيجة (5-1) نتيجة يمكنها أن تنهي طموحات أي فريق ليتم لعب مباراة العودة بعدها بأسبوع ويقرر مرتضى منصور عدم حضور الجماهير اللهم إلا بعض ناشئي النادي وأعضاء الجمعية العمومية. لم ينته الأمر على ذلك بل زاد الطين بلة بطرد بكاري جساما للمدافع علي جبر في الدقيقة الرابعة من زمن المباراة ليكمل الزمالك المباراة بدون جمهور وبعشر لاعبين ومطلوب منه إحراز أربع أهداف للتأهل مهمة تبدو مستحيلة، وبالفعل كانت مستحيلة ولم يستطع الزمالك إحراز أربع أهداف ولكن أحرز ثلاث أهداف وأدوا مباراة تاريخية يفتخر بها جمهور الزمالك حتى الآن.
ولو بحثنا عن سبب حقيقي لهذا الأداء فالسبب بالفعل هو أن لاعبي الزمالك كانوا بمنتهى الشراسة في هذا اليوم، الشراسة التي جعلت (علي جبر) يتهور ويحصل على بطاقة حمراء بأول خمس دقائق، ولكنها أيضا كانت سببًا أن يلعب الزمالك واحدًا من أفضل المباريات في العشر سنوات الأخيرة في أسوأ ظروف ممكنة. ولكن الأكيد أن الهرمونات وحدها ليست هي ما يجعل فريق يتفوق على الآخر هناك عامل آخر يساعد الفريق على تقديم نتائج جيدة جدًّا في ملعبه وهو ارتباطه بهذا الملعب.
سمعنا كثيرا عن ملاعب تساعد فرقها على الفوز وتكون صعبة جدًّا على أيّ منافس يلعب بها كالأنفيلد، كان هناك ملعب آخر أيضا يشبه أنفيلد بإنجلترا ولكن لم يعد موجودًا، وحينما اختفى هذا الأستاد اختفت معه إنجازات الفريق، هذا الملعب هو ملعب (الهايبري) معقل نادي أرسنال الإنجليزي والذي ظل يلعب به لمدة ثلاثة وتسعين عامًا وبه تحققت تقريبًا كل إنجازاته والتي نستطيع القول أنها توقفت عند عام (2006م) حينما شيّد أرسنال ملعب الإمارات وتَمَّ هدم ملعب الهايبري.
بالنظر إلى نتائج أرسنال بآخر عشر سنوات بملعب هايبري وأول عشر سنوات بملعب الإمارات نجد أنه ليس هناك مقارنة وكانت الغلبة طبعا لصالح الهايبري، حيث الفوز بـ (11) بطولة منهم ثلاث بطولات دوري من ضمنهم دوري اللاهزيمة والذي يتفاخر به مشجعي أرسنال حتى الآن. وفي آخر عام للهايبري يستطيع أرسنال الوصول لنهائي دوري الأبطال الوحيد الذي لعبوه في تاريخهم، بينما في ملعب الإمارات اختلف الوضع كثيرًا فلم يستطيعوا الفوز بأيّ دوري مما جعل فينجر المدرب التاريخي للجانرز يقول “إنهم تركوا روح الفريق بالهايبري”.
قُرْب المشجعين للملعب ودرجة ميل المدرجات بالهايبري كانت تخلق أجواء خاصة جدًّا للأرسنال لا نستطيع إيجادها بملعب الإمارات، وبعيدًا عن هندسة وتصميم الإستاد نفسه هناك عامل مهم جدًّا يرتبط بالملعب ولكن ليس بالتصميم وهو العامل المناخي.
وبالحديث عن هذا العامل نتحدث عن بوليفيا وهي أضعف بلد كرويًّا في أمريكا الجنوبية وحاليا تتزيل ترتيب منتخبات أمريكا الجنوبية في تصنيف الفيفا، ولكن لديهم ملعب يعتبر بمثابة الكابوس لباقي منتخبات أمريكا الجنوبية، وذلك لارتفاعه عن سطح البحر بحوالي (3500) متر، أيْ: إنه لا يوجد به أكسجين حتى إنه بتصفيات كأس العالم الأخيرة لم تستطع الأرجنتين والبرازيل وتشيلي الفوز على بوليفيا بأرضها بل إنهم فازوا على الأرجنتين وتشيلي وأيضا في عام (2014م) اضطر ديماريا لأخذ جلسة أكسجين بعد استبداله بالمباراة لعدم تحمله نقص الأكسجين، فلك أن تتخيل أن بوليفيا وبسبب هذا الملعب عام (2009م) استطاعت هزيمة منتخب الأرجنتين بنتيجة (6-1).
أما بالبعد عن عوامل الملعب هندسيًّا ومناخيًّا فهناك عامل آخر خارجي يساعد الفرق للفوز بأرضها وهو الحكام، وهنا لا نعني أن هؤلاء الحكام مرتشون وإن كان هناك بالفعل حكام مرتشون ليسوا موضع حديثنا الآن، ولكن الحديث أن هؤلاء الحكام يساعدون الفرق للفوز على أرضها دون إرادة منهم نتيجة عوامل خارجية أخرى كصخب الجمهور وغيرها.
ففي دراسة أجراها باحثون ألمان لرؤية مدى تأثر الحكام بصخب الجمهور صاحب الأرض، فأتوا بمجموعة من الحكام وعرضوا لهم مجموعة من الفاولات وطلبوا منهم تحديد أيًّا منها يستحق كارتًا أصفر وأيًّا منها لا يستحق، وجعلوا نصف الحكام يشاهدون هذه الفاولات بصوت ونصفهم بدون صوت (أي صوت الجمهور صاحب الأرض) وجدوا أن الحكام اللذين سمعوا صوت الجمهور أعطوا كروتًا صفراء بنسبة (10%) أكثر من الحكام اللذين لم يسمعوا صوت الجمهور، فإن وجدنا الحكام يتحامل قليلا على الفريق الضيف فليس بالضرورة أن يكون مرتشيًا ربما فقط يكون متأثرًا بضغط الجمهور لا أكثر.
وبعيدًا عن الأسباب المناخية والهرمونات وغيرها من الأسباب لكن هل هذه الأسباب كافية لصنع فريق كبير والفوز بالبطولات والتاريخ؟ الإجابة بالطبع لا، فِلَكي تصنع الإنجاز لا بد أن تفوز خارج ملعبك وتتغلب على فكرة النتائج السيئة خارج الأرض؛ لأنه وللأسباب التي تحدثنا عنها ففوزك بملعبك لا يُعَدّ إنجازًا ولكن فوزك خارج الأرض هو ما يأخذك لمكان أعلى.
فبالنظر لتصفيات كأس العالم الأخيرة لقارة أفريقيا مثلا نستطيع القول بأن مصر كان لديها عقدة من تصفيات كأس العالم حتى انتظرت لمدة (24) عاما من (1990م) وحتى (2014م) لا تستطيع الوصول بسبب نتائجها خارج ملعبها فتخسر من منتخبات أقل منها كثيرا، ولكن حينما أتت تصفيات (2018م) وفازت بكل مبارياتها بمصر وفازت على أضعف فريق بالمجموعة على أرضه وهو الكونغو وجدنا أنها استطاعت الوصول إلى كأس العالم بجيل ليس من أقوى الأجيال في تاريخ مصر.
أما على المستوى الدول فهناك مثلا منتخب ألمانيا، والذي يمتلك رقمًا قياسيًّا في الفوز خارج أرضه فلم تخسر ألمانيا في تاريخها أيّ مباراة في تصفيات كأس العالم خارج أرضها، فيفوزون في أيّ مكان وأيّ ظروف فلا عجب أن يكونوا أحد أنجح منتخبات العالم إن لم يكونوا الأنجح بثلاث بطولات يورو وأربع بطولات كأس عالم.
نفس الفكرة من الممكن تطبيقها على البرازيل المنتخب الوحيد الذي استطاع الفوز بأكثر من كأس عالم جميعها خارج أرضه في الخمس مرات وفي ثلاث قارات مختلفة. وفي الحقيقة يكون الانجاز أفضل كثيرًا حينما يكون خارج الأرض، فلو نظر للنادي الأهلي وسألنا جمهوره الغفير عن أغلى بطولة فاز بها النادي الأهلي فأكثر من (90%) من مشجعي الأهلي سيختار دوري أبطال أفريقيا (2006م) وهدف أبو تريكة في الصفاقسي التونسي أما ال (10%) الباقون سيختارون بطولة (2012م) على حساب الترجي.
جمهور الرجاء مثلا يفتخر جدا ببطولة (1999م) التي فازوا بها بإستاد المنزه بعشر لاعبين في نهار رمضان أمام الترجي أيضا، الجزائريون مثلا فازوا بأمم أفريقيا مرتين مرة بأرضهم (1990م) ولكن فرحتهم بالنجمة الثانية كانت مضاعفة والتي فازوا بها في مصر.
الخلاصة: إن لعب الفرق داخل أرضها يعطيها أفضلية كبيرة للفوز للأسباب التي ذكرناها لكنه لا يخلق فريقًا كبيرًا، فمع فوزك بأرضك لا بد من الفوز خارج الأرض.
add تابِعني remove_red_eye 97
مقال رياضي من العيار الثقيل حول فكرة الفوز أو الخسارة في كرة القدم
link https://ziid.net/?p=59259