معارك نوفمبر: أربعة أفلام ثورية من السينما الجزائرية
لقد خلدت السينما الجزائرية معارك الشعب ضد الاحتلال الفرنسي، قبل الثورة التحريرية الكبرى وبعدها
add تابِعني remove_red_eye 21,476
لقد عاشت الجزائر 132 عامًا من الاحتلال الفرنسي، سبع سنواتٍ من الثورة التحريرية الكبرى، والتي سبقتها عدة ثوراتٍ شعبيةٍ. إن البحث في التاريخ يكشف الماضي الأليم الذي عاشه الجزائريون أكثر من قرنٍ من الزمن، رغم نقصِ وسائل التوثيق ذلك الزمن، ورغم المحاولة المستميتة للاحتلال في طمسِ كل ما من شأنهِ إدانته وفضح جرائمه. وكعادةِ الفن كأسلوب في توثيق حقبة تاريخية مهمة مرت بها الجزائر وكانت لها تأثيراتها ونتائجها.
فلقد وثقت السينما الجزائرية بالتعاون إنتاجيًّا مع عدة بلدانٍ أخرى، مرحلةَ الثورة الجزائرية الممتدة بين 1954-1962 وما قبل 1954 أيضًا. في هذا المقال سنعرض لكَ أفلامًا مهمة ومؤثرة تم فيها توثيق جرائم الاحتلال وأيضًا ما قام به الشعب الجزائري في سبيل الحرية واسترجاع أرضه وهويته التي كانت فرنسا تأمل في محوها وتجعلها مستعمرة تابعة لها.
1. معركة الجزائر La bataille d’Alger
يُعد هذا الفيلم أهم عملٍ عن الثورة الجزائرية والذي تم إنتاجه بعد أربع سنواتٍ فقط من الاستقلال (1966)، تم إخراجه من طرفِ الإيطالي غيلو بونشيكورفو، وشارك في تأليفهِ أيضًا. لقد شارك في إنتاجه المجاهد ياسف سعدي (صاحب دار أفلام القصبة) والذي أدى دوره شخصيًّا في الفيلم، حيث قام بالبحثِ مع أعضاء المقاومة وقدماء المحاربين الجزائريين، كذلك مع أرشيف الشرطة وإدارة الجيش قبل أن يتم كتابة السيناريو مع المخرج.
إذ يصور الفيلم العاصمة الجزائرية في أواسط الخمسينات خلال الثورة الجزائرية، مركزًا على حي القصبة. مبرزًا الدور الذي قامت به جبهة التحرير الوطني في التصدي للاحتلال الفرنسي وكذا الخونة الموالين للمحتل، ومعاناة الشعبِ ومعاملات التفتيش والذل في مخارج الأحياء. كما يدخل السجون الفرنسية في الجزائر مظهرا وسائل التعذيب والإعدامات الممارسة على الثوار أو المتعاطفين معهم. في العمل يكشف الكولونيال تخطيط الجبهة والمقاومين والوصول إليهم.
كما يعرض الثوريات بلباس المستوطنات وكيف يجتزن نقاط التفتيش دون التعرض لهن ليحملن قنابل ويضعنها في الأماكن العامة الخاصة بالمستوطنين. إن القصة المعروضة واقعية جاءت على لسان البطلين الشهيدين علي لابوانت وحسيبة بن بوعلي، والمجاهد ياسف سعدي.
لقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز منها ثلاثة أوسكار بين 1967-1969: أحسن فيلم، أحسن إخراج، أفضل سيناريو. فاز أيضًا بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي عام 1966، حيث خرج الوفد الفرنسي من القاعة محتجا على ذلك ومنعت فرنسا عرضه حتى عام 1971، كما عرض لأول مرةٍ في مهرجان كان السينمائي عام 2004 بحضور مخرجه.
2. البلديون (Les indigènes)
Days of glory
يذهب المخرج الجزائري رشيد بوشارب في هذا العمل إلى زاوية أخرى من الاستعمار الفرنسي، سنة 1943 أين كانت فرنسا تعيش خطر الاحتلال الألماني، حيث الاستعمار الذي جند شباب الجزائر والمغرب والدول الأفريقية التي تحت انتدابه بمئات الآلاف للمواجهات مع الجيش الألماني، لأجل المال، لأجل الحرية، لأجل ماذا بالضبط؟
يتابع الفيلم أربعة أبطال من المغرب العربي الكبير: ثلاثة جزائريين ومغربيًّا (سعيد، عبد القادر، مسعود، ياسين)، أبطال في المواجهات الأولى مع الألمان، يحررون فرنسا وطموحون في تحرير أوطانهم منها، وهذا ما جاء على لسان الأبطال وكذا مناوشاتهم طوال العمل، يوغل المخرج مع أبطاله في تحرير المدن الفرنسية ودماء عربية دافعت عن ذلك، محافظين على هوايتهم العربية والإسلامية من خلال قراءة الآيات القرآنية والصلاة على الشهداء.
يراقب دخولهم مدينة الألزاس منتصرين، وكذا بروفانس. إن العمل يطرح أسئلة كثيرة عن الهوية، عن ضمير المستعمِر والمستعمَر، عن أشكال العنف النفسي والمادي للمستعمَرات، وأيضا عن أشكال المقاومة المختلفة منها أن تقاوم في صف عدوك لتنال حريتك. الفيلم إنتاج مشترك بين الجزائر، المغرب وفرنسا عام 2006، ونال خمس جوائز دولية منها جائزة السيزار لأفضل سيناريو عام 2007 وترشح لأوسكار عن أفضل فيلم أجنبي.
3. الخارجون عن القانون (Les hors la loi)
يأتي هذا الفيلم الذي يعني بترجمته العامية الجزائرية “فلاقة” كتابعٍ لفيلم البلديون، حيث يرصد فترةَ ما بعد الحرب العالمية الثانية، خلال ثورة التحرير حتى الاستقلال (1945-1962).
يرصد الفيلم حياة ثلاثة إخوة غادروا الجزائر إلى فرنسا بعدما نجوا من مجزرة الثامن مايو 1945 في كل من خراطة، قالمة وسطيف. ليصلوا إلى حي عربي في فرنسا، فقير وتنعدم فيه أبسط مقومات العيش. يدخل أخوهما في سلك الثورة منسقا مع ثوار في الجزائر، ليصور لنا رشيد بوشارب كل المصاعب، الصراعات، والمشاكل التي يعيشها الثوار خاصة مع التضييق الفرنسي وتفعيل المراقبة والجوسسة، مع التعنيف والتعذيب الذي يتلقاه كل منضم أو متعاطف مع الثورة التحريرية الكبرى في الجزائر.
لقد أخذنا بوشارب في هذا العمل إلى خلايا الثورة التي تعيش في فرنسا وما الذي تواجهه، أيضا إلى الأحياء العربية في فرنسا وحالاتها، وإلى صوت الحرية الذي لا يموت أمام قهر الاحتلال وأفعاله. نال الفيلم ذهبيتين في مهرجان دمشق السينمائي الدولي، كما ترشح للأوسكار عن الأفلام الأجنبية. أنتج عام 2010 وسط استهجان كبير من اليمين الفرنسي رافضًا الصورة الحقيقة المتوحشة لفرنسا الاستعمارية، رافضًا عرضه في مهرجان كان الدولي، منددًا أمام صالة العرض.
4. أولاد نوفمبر
العمل من إخراج الجزائري موسى حداد عام 1975، في هذا الفيلم يعرض لنا حداد قصة حقيقية للمجاهد “مراد بن صافي” المجاهد الطفل الذي أخذته ظروف البلاد والاحتلال الغاشم لنصرةِ بلادهِ، والدخول يدًا بيدٍ إلى جانب الفدائيين الجزائريين عندما جمعته الأقدار بأحد المقاومين بشكلٍ مفاجئ وحاسم أيضا ليضع بين يديه وثائق مهمة تبحث الشرطة الفرنسية عنها، ليخوض مراد الطفل الذي لم يتجاوز 12 ربيعًا والذي أجبرته الظروف على بيعِ الجرائد لمساعدة أبيه المريض وأمه المتقدمة في السن رغم معاناته بمرضٍ في الصدر يمنعه من الحركة السريعة.
لا تتوقف الشرطة في البحث عن مراد الذي صار جزءًا من المقاومة ومطلوبا عند العدو، ليكتشف أكثر المشاهد شبكة الجبهة التي تعمل لأجل وطنٍ محرر خالٍ من المحتل والخونة، يخفي مراد الوثائق هاربًا من مكانٍ لآخر، ليسقط بعد تعرضه لوعكة صحية تودي بحياته في سبيل الحق ووطنه. وهذه فكرة العمل المقتبس عن قصة حقيقية فالجميع قاوم مهما كان سنه وجنسه.
لقد خلدت السينما الجزائرية لمعارك الشعب ضد الاحتلال الفرنسي، قبل الثورة التحريرية الكبرى وبعدها، ويحمل الأرشيف الجزائري الكثير من الأعمال الثورية وسيرة المقاومين في الثورات الشعبية أمثال الشيخ بوعمامة ولالا فاطمة نسومر، وكذلك الشهداء كمصطفى بن بولعيد وأحمد زبانة، لتكون سيرتهم وتضحيتهم مستمرة عبر الأجيال لتصل أبعدَ نقطة في العالم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 21,476
في هذا المقال نعرض لك أربعة أفلام سينمائية وثقت لفترة الاستعمار الفرنسي في الجزائر.
link https://ziid.net/?p=85836