رحلتي الشخصية مع عباس محمود العقاد
العقاد، هذا الأديب الذي عُرف بصرامته، وفطنته وفصاحته في الكتابة، قد تواجهك بعض الصعوبة في قراءتك الأولى له، ولكنها البداية فقط.
add تابِعني remove_red_eye 4,802
بداية معرفتي بالعقاد
كان اسم عباس محمود العقاد يتردّد كثيرًا على أذني عندما كنت صغيرًا، وحين سألت من يكون هذا الرجل؟ أخبروني أنه كاتبٌ عظيم، لم يُكمل تعليمه الإبتدائي، هذا فقط كل ما قيل لي حينها.
التعرّف عليه في كتُبه
بدأت أذهب لمعرض القاهرة للكتاب، حين بحثي وجدت في طريقي كتابين يحملان اسم العقّاد، قمت بشرائهما على الفور، وقلت لنفسي لا بد من معرفة سرّ عظمة هذا الكاتب، كان الكتابان تحت عنوان “التفكير فريضة إسلامية، وعبقرية علي”
ثمّ بدأت أقرأ في الكتاب الأول، وصدمني وجود ألفاظ ثقيلة وجُمل صعبة الفهم عليّ، ولم أستطيع حينها الوصول للنقطة التي تُعلن نهاية الفقرة، واجهت صعوبة شديدة في فهم ما يُقال، أو حتى قراءته، فتركت الكتاب جانبًا، وبدأت في قرءاة الكتاب الثاني، لعلّي أجد شيئًا مختلفًا يدفعني للاستمرار في القراءة.
لكن لا زالت المشكلة موجودة، وواجهت نفس الصعوبة في قرءاة وفهم ما هو مكتوب، فتركته هو الآخر جانبًا، وانتابني حينها شعور بالخذلان لعدم مقدرتي في قراءة أيٍّ من الكتابين.
التعرّف عليه من خلال اليوتيوب
اخترت بعدها اليوتيوب، بحثت له عن أي برامجٍ قديمة يظهر فيها، لأسمعه وهو يتكلم، فربّما طريقته في الكلام تعجبني وتشدّني وتكون أقرب لي في الفهم عن ما يكتبه، كتبت في خانة البحث كلمة العقّاد فظهر لي في المقدمة عنوان باسم (حوار عباس محمود العقاد مع أماني ناشد)، فاخترته للمشاهدة، وكان أوّل سؤال عن “معنى كلمة العقّاد؟”
وعندما بدأ في الكلام لم أطق أن أسمع حديثه، فهو يتكلم بأسلوبٍ جافّ، وملامح وجهه جادّة، ولا ينظر للمذيعة؛ أغلقت الفيديو على الفور، بل وأغلقت حاسوبي بالكامل، وقرّرت حينها أن لا أقرأ أو أسمع له أبدًا.
البداية كانت مع كتاب “في صالون العقّاد كانت لنا أيام”:
وبعد ذلك بسنواتٍ قليلة، كنت في حوار مع أحد الأصدقاء عن الكتب، وسألته ماذا تقرأ الآن؟ فقال لي كتاب “في صالون العّقاد كانت لنا أيام” للكاتب أنيس منصور؛ فسألته:
– هل أعجبك الكتاب؟
– رائع جدًا، وأنصحك بقرءاته.
فأخبرتُه بتجربتي السيئة في القرءاة له وأني فشلت معه فشلًا ذريعًا، ثم اتخذت قرارًا بأن لا أقرأ له أبدًا.
فقال لي في محاولةٍ منه لجذبي في قراءة هذا الكتاب:
– مادام لم يعجبك أسلوب العقاد فلا تقرأ له، ولكن اقرأ ماذا كتب الكُتّاب الآخرون عنه، وسألني:
– هل قرأت كتاب ٢٠٠ يوم حول العالم؟
– طبعًا، إنه من أجمل الكتب التي قرأتها، كتاب خفيف وبسيط وممتع، رأيت من خلاله العالم كله وأنا في غرفتي.
فقال لي:
– هو، هو نفس المؤلف لكتاب في صالون العقّاد، اقرأ ولن تندم.
وفي اليوم التالي نزلت الكتاب من على الإنترنت، ومن عادتي أوّل أمرٍ أفعله عند تحميلي لأي كتابٍ رقمي أن أنظر لعدد صفحات الكتاب، لأعرف كم يوم سأستغرق في قراءته؟ ففوجئت أن الكتاب حوالي ٧٠٠ صفحة!
بدأت في القرءاة، وبعد أيامٍ قليلة وقعت عيني على رقم الصفحة التي أقرأها، واندهشت حين لاحظت أني في الصفحة رقم ٥٠٥! لم أعرف كيف مضيت في القرءاة ووصلت لهذا الرقم بهذه السرعة؟! ولكن الذي أعرفه أني كنت مستمتعا جدًا بما أقرأه، ونادم أشدّ الندم أني لم أعرف عن الكتاب قبل هذا الوقت.
الخلاصة:
مهما تكلّمت عن أنيس منصور فلن أستطيع أن أعطيه حقّه، وليس باستطاعتي الجزم أن هذا الكتاب أفضل كتبه -كما قال النقّاد عنه- لأني بمنتهى البساطة لم أقرأ كل كتبه، ولكن بإذن الله سأحاول قرءاة كل ما أبدع به قلمه، ولكن كل ما أستطيع قوله الآن أنه كتاب عظيم، رأيت فيه العقاد وهو في صالونه، يرتدي المنامة باهتة الألوان، ويضع فوق رأسه طاقيته التي يقدّمها ويؤخّرها على رأسه، والكوفية التي يلفّها حول رقبته.
رأيت العقاد كعالم نفس، يشرح النفس التي تسأله ويحللها ليقدّم لها إجابةً مقنعة شافية لما بها، رأيت التلامذة الذين يحرصون على الإلتقاء بأستاذهم كل جُمعةٍ للتعلّم منه والاستفادة من علمه الغزير وخبراته العظيمة.
لم أنتهِ من الكتاب بعد، مئتا صفحة لا زالت بالانتظار، وبالتأكيد سأعيد قرءاته أكثر من مرة، ولكن هذه المرة سأقرأ الكتاب وأنا أتحسّسه بيديّ، وليس من على شاشة الحاسوب، لأن هذا الكتاب لا بد من وجوده في مكتبتي الخاصة، لأتصفّحه من الحين للآخر.
عُدت مرةً أخرى لليوتيوب، لأرى ذات الفيديو الذي كنت قد نفرتُ منها سابقًا “العقّاد مع أماني ناشد”، بروحٍ جديدة، وبوجهة نظر مختلفة عن العقاد، استمتعت هذه المرة وأنا أشاهده، وتمنّيت أن لا ينتهي هذا الفيديو، وعلِقت في عقلي نصيحته للأدباء في آخر الفيديو:
“فكّر في واجبك كما تفكّر في حقّك، واعمل طلبًا للإتقان لا طلبًا للشهرة والجزاء، ولا تنتظر من الناس أكثر مما يحقّ للناس أن ينتظروه منك”.
add تابِعني remove_red_eye 4,802
مقال يعبّر فيه الكاتب عن وجهة نظره في العقاد والمصاعب التي كانت عائقًا في فهمه له.
link https://ziid.net/?p=22043