أقدم بكثير مما نظن: كيف نشأ فن الرواية؟
الرواية هي عمل نثري يتعدى خمسين ألف كلمة. تركز الروايات على تنمية الشخصية أكثر من اهتمامها بالحبكة، وتعتبر دراسة نفسية للإنسان.
add تابِعني remove_red_eye 62,020
في البدء كان الشعر أم كان النثر؟ كان هذا هو السؤال الذي طُرح علينا في بداية محاضرة النثر في العصر الجاهلي، كان الأستاذ يسألنا من برأيكم بدأ به الناس، الشعر أم النثر، رأى الجميع أن البداية كانت الشعر لأن بدايته موثقة، ولأنه محفوظ، لكن النثر! ومن يعرف؟ لكنني كنت أرى أن في البدء كانت الحكاية، تلك الحكاية التي تقول إن النثر أسبق، فالنثر يحوي الخطابة، يحوي المثل والحكمة، يحوى في باطنه قصص السالفين، لذلك وعلى الرغم من أن كل الآراء ترى الشعر أسبق كنت أرى النثر أسبق، بل والقصة أسبق فكوننا لم ندون القصص إلا مؤخرًا، لا يعني سوى أن الأولين اهتموا بتدوين الشعر، لكن قصتنا كانت أسبق.
الجذور الأولى للرواية
ربما لا يمكننا وضع تعريف للأدب لأنه ليس علمًا خاضعًا لمعايير معينة، بل هو إبداع، والإبداع يتطور باستمرار، ولكن يمكننا تعريف الشكل السائد الآن وهو أن الرواية قصة، لكنها قصة طويلة تحتوي على الكثير من الأحداث والشخوص، تتميز بالحبكة والعقدة، تتميز بالمشاعر الإنسانية بين طياتها؛ لذلك فالرواية هي عبارة عن قصة، فالقصة هي الأصل الذي يتم البناء عليه.
في أثنيا وقبل الميلاد بثمانية أو تسعة قرون، كان هناك هوميروس الذي قام بتدوين الملحمتين الخالدتين “الإلياذة” و”الأوديسة” وهي ملحمة شعرية تحكي قصة حرب طروادة، تُعتبر هي والأوديسا أهم ملحمة شعرية إغريقية، كما أنها تتناول قصص آلهة الإغريق وحروبهم ومكائدهم، فهي من أهم مصادر الميثولوجيا (علم الأساطير)، وإن كانت ملحمة شعرية إلا أنها تحوي بداخلها الكثير من القصص، مثل قصة حصار طروادة، وغيرها الكثير. لا يقف الأمر عند الأساطير اليونانية فحسب، بل هناك الأساطير البابلية وأهمها “ملحمة جلجامش”، والأساطير المصرية مثل قصة “إيزيس وأزوريس”.
كذلك سبق الرواية في الظهور، الحكايات الشعبية وهي الحكايات الخاصة بكل شعب، والتي تقع أحيانًا في دائرة الأساطير، تتميز تلك القصص بالخيال الشعبي، كما يتم تناقلها شفهيًّا بين الأجداد والأحفاد، أو يتم تداولها في مجالس السمر، تلك الحكايا مثل “حكايات الأخوين غريم” والتي جمعها الأخوين من الشعب الألماني، وهناك أيضًا بعض الحكايات الشعبية المصرية، مثل حكاية الغول، الشاطر حسن، النداهة، وغيرها الكثير؛ تتصل تلك الحكايات بالغيبيات فعمادها الأول يكون الجن والسحر، والكائنات غير المرئية والتي تساعدك، أو تفتك بك، كما أن أهم ما يميز الحكاية الشعبية هو العاقبة الأخلاقية، فأنت تشعر أنها تساق لك من أجل تلك النقطة التي تتعلق بعاقبة الفعل وما يمكن أن يحدث لك إذا ارتكبت شرًّا وكم ستحصد من خير إذا فعلت الصواب.
الشعر أيضًا سبق القصص والرواية، فالشعر الإنجليزي يمتد تاريخه للقرن الخامس عشر وأهم الشعراء المعروفين من تلك الفترة، هم:
- تشوسر (1340-1400) يعد من أقدم الشعراء المعروفين، وهو من أكبر الشعراء الهزليين في تاريخ إنجلترا.
- شكسبير (1564-1616) ونعم شكسبير شاعرًا، وكاتب مسرحيًّا وله العديد من المسرحيات البارزة مثل “روميو وجوليت”، “قصة شتاء”، “ماكبث”، “هاملت”، “الملك لير”.
- ميلتون (1608-1674) هو شاعر وعالم إنجليزي أشهر إنتاجه هو كتاب “الفردوس المفقود”.
متى بدأت الرواية؟
استخدمت كلمة الرواية في إيطاليا في العصور الوسطى لوصف القصص، نشأت الرواية في أوائل القرن الثامن عشر، الآن قد طُورت هويتها وهي الآن تعتبر بمثابة عمل نثري يتعدى خمسين ألف كلمة. تركز الروايات على تنمية الشخصية أكثر من اهتمامها بالحبكة، تعتبر دراسة نفسية للإنسان.
تشمل الأنواع المختلفة للرواية حينما بدأت: إعادة خلق الواقع، أحداث تاريخية، سيرة ذاتية، تسلية غير مؤذية، قصة سفر، قصة حب، قصص البحث عن الصفاء الروحي. وقد بدأت الرواية في إنجلترا في القرن الثامن عشر نتيجة لعدة عوامل أهمها:
نتيجة لانشغال بريطانيا بأن تصبح أول اقتصاد رأسمالي في العالم، توسعت الطبقات الوسطى في البلاد، وأصبحت مهووسة بطرق زيادة دخلها ومكانتها الاجتماعية. لم تعد المكانة تعتمد على الميراث بل أصبحت تعتمد على الطموح؛ لذلك اهتم المؤلفون بهذه الظاهرة، خلال كتابة أعمال عن الحب والزواج وهي الأعمال التي صعد فيها الأبطال السلم الاجتماعي عن طريق الزواج.
وكذلك اعتماد الكتاب النهاية السعيدة لأعمالهم، تتضمن النهاية السعيدة تلك في بعض الأحيان زواج الخادمة، مثلما حدث في رواية “باميلا” وهي الرواية الأولى بشكل الرواية الحديث، وهو عن تلك الخادمة التي تزوجت سيدها، لقد كانت تلك الروايات تغذي خيال الفتيات الصغيرات في أحلامهن بالفارس ذي المال والنفوذ، كما أنه يتمتع بالوسامة والجاذبية، مثل “مستر دارسي” من رواية جين أوستن “كبرياء وهوى” فجين أوستن من رائدات الكتابة الروائية في القرن الثامن عشر، كما أن تلك الروايات كانت تسلي السيدات من الطبقة المتوسطة، والتي نشأت حديثًا فلم يعد المجتمع يقتصر على طبقة عليا وطبقة دنيا فحسب، بل نشأت الطبقة الوسطى بأحلامها التي عبر عنها هؤلاء الكتاب والكاتبات بروايتهم.
تطور الرواية
في القرن التاسع عشر، تأثرت الأفكار بالرومانسية مثل العصر السابق، لكن الاهتمام بالطبيعة والخيال بدلًا من الفكر والعاطفة. مثل الرواية الرومانسية الشهيرة “جين إير” للكاتبة “شارلوت برونتي”، “مرتفعات ويذرينغ” قصة حب من تأليف “إميلي برونتي”.
في عهد الملكة فيكتوريا ملكة إنجلترا (1837-1901)، أصبحت الرواية هي الشكل الأدبي السائد صور الروائيون الفيكتوريون الطبقة الوسطى والأبطال الفاضلين وهم يستجيبون للمجتمع وهم يقعون في الخطأ ويتعلمون الصواب من خلال سلسلة من الأخطاء البشرية. من بين المؤلفين الفيكتوريين البارزين يعد “تشارلز ديكنز”، أفضل روائي فيكتوري إنجليزي. ومن منا لم يقرأ روايته الشهيرة “اوليفر تويست”.
في القرن التاسع عشر أدى صعود التصنيع إلى ظهور اتجاه نحو الواقعية. بدأت الروايات تصور الشخصيات التي لم تكن جيدة أو سيئة، رفضت المثالية والرومانسية مثل النوع السابق. تطورت الواقعية بسرعة إلى طبيعية تصور ظروفًا أكثر قسوة وشخصيات متشائمة نتيجة لما فعلتها به المجتمعات. تشمل روايات الطبيعة “كوخ العم توم”، وكذلك رواية “مغامرات هكبلري فين” للكاتب “مارك توين”.
ثم توالى التجديد على الرواية، وظهرت الرواية الحديثة، وهي التي تمتد من العام (1900- 1945) والروايات المعاصرة وهي تلك المرحلة من (1945) وحتى الآن، تغيرت التساؤلات في تلك الرواية وأصبحت الشخصيات أكثر تعقيدًا، تتساءل أسئلة وجودية مثل طبيعة الواقع وسيادة العقل البشري وغيرها الكثير من الأفكار، مثال على تلك الروايات روايات الكاتبة الإنجليزية “فيرجينا وولف”.
ثم ظهر مصطلح ما بعد الحداثة وهو يعبر عن روايات سريالية بشخصيات كانت أكثر انعكاسًا. تتضمن رواية ما بعد الحداثة الواقعية السحرية وما وراء القص والرواية المصورة. مثال لرواية ما بعد الحداثة “اللون أرجواني” للكاتبة “أليس ووكر”، وحينما نتحدث عن الواقعية السحرية نتذكر دائمًا رواية “مائة عام من العزلة” للكاتب الحائز على نوبل غابرييل جارثيا ماركيز.
أنواع الروايات
بدأت الروايات بالرواية الاجتماعية التي تتحدث عن المجتمع والمنازل، ثم توسعت بعد ذلك إلى عدة أنواع فأصبح لدينا:
- الروايات الرومانسية: مثل “بين الأطلال” للكاتب “يوسف السباعي”
- الروايات الاجتماعية: مثل “الباب المفتوح” للكاتبة “لطيفة الزيات”
- الروايات البوليسية: مثل روايات الكاتبة أجاثا كريستي.
- الروايات التاريخية :مثل “الحرافيش” للأديب “نجيب محفوظ”.
- روايات الإثارة: مثل “فتاة القطار” للكاتبة “باولا هوكينز”
- أدب السجون: مثل “تلك العتمة الباهرة” للكاتب “الطاهر بن جلون”.
- الروايات الخيالية: مثل “سلسلة أغنية الجليد والنار“.
- الديستوبيا مثل رواية “عالم جديد شجاع” للكاتب “ألدوس هكسلي”.
وهناك الأنواع المتفرعة الكثيرة، وفي هذا المقام أقول الرواية هي فرصتنا لنجرب حيوات أخرى غير حيواتنا.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 62,020
متى بدأت الرواية، وما الذي سبقها ومهد ظهورها؟
link https://ziid.net/?p=71533