روايات عالمية تخبرنا كيف جسّد الأدب عناء المهمشين
نقرأ الأدب، ليس بدافع أن نتعرف فقط على تجارب غنية، ولكن ليخفف عنّا قسوة العالم، وينير وحدتنا المظلمة، فيكون اليد التي تنقذنا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
- روايات جسدت شقاء المنسيين
- متشردًا في باريس ولندن للكاتب الإنجليزي جورج أورويل:
- أما الكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس.. فيتحدث في (روايته المرأة المهووسة)
- أما في رواية (ملذات طوكيو).. للكاتب الياباني دوريان سوكيغاوا
- عن مأساة تشيرنوبل
- يصف الكاتب المغربي محمد شكري في روايته الخبز الحافي
- تروي الكاتبة التركية إليف شافاق
الأدب يُرينا أن الإنسان هو الإنسان ..في كل زمان ومكان ..يظل كما هو بدوافعه المجهولة واحتياجاته، وميله إلى العنف والحقد والحب والقوة ، فالأدب لا ينحصر فقط في خانة الرومانسية المبتذلة كما يروّج له البعض، ولكنه يعرفنا على بلدان لم نكن ندري بها.. وأفكار وأديان لم نعلم بوجودها.
روايات جسدت شقاء المنسيين
بضع روايات تجعلنا نخرج من انغماسنا الذاتي، في معاناتنا الشخصية؛ لنتشارك مع شخصياتهم وفقرهم ونبذهم وظروفهم القاسية.
متشردًا في باريس ولندن للكاتب الإنجليزي جورج أورويل:
يروي “أورويل” حياة التشرد التي خاضها في مدينتي باريس ولندن في شبابه، ولكن الرواية ليست مقتصره فقط على معاناة أورويل، ولكنها جسدت حياة التشرد ما معني أن تكون متشردًا، كيف يتم نبذك من المجتمع حتي تصبح شخصًا لا مرئيًّا، محرَّم عليه الزواج وتذوق طعم الحياة العادية، وكيف تُحرم من أبسط الاحتياجات الإنسانية؟ كالاستحمام وبعض الطعام النظيف. كيف يحول الفقر والتشرد حياتك إلى شيء لا يستحق حتى بذل عناء للاهتمام به.
فيصف أورويل المشهد قائلًا: (لقد عاش على طعام مقلد قذر حتى صار عقله وجسده من طينة أدنى. سوء التغذية، لا مَن سواه من الأدواء، هو مَن حطَّم رجولته، فموته يكون ربحًا للمجتمع لتخلصه من طُفَيْلي أخفق في كسب حياة لائقة). يقول أورويل: (لقد صار المال اختبارَ الفضيلة الأكبر. في هذا الاختبار يفشل المتسوِّلون، ولهذا يُحتقَرون) إذا لا فرق بين رجل أعمال ومتشرد، سوى أن الأخير أخفق في اختيار المهنة الملائمة.
أما الكاتب الإسباني خوان خوسيه مياس.. فيتحدث في (روايته المرأة المهووسة)
عن فتاة تعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، حيث يصف عالمها الغريب، ويتحدث عن أفكارها ومشاعرها كأنه هي، قد تظن أن تلك الرواية مجنونة، ولكنها ببساطة تهبك رؤية كاملة لعقل الفتاة المهووسة.
أما في رواية (ملذات طوكيو).. للكاتب الياباني دوريان سوكيغاوا
يصف شعور كيف يمكن لك ان تكون ضحية لشي لم تختاره او حتي ترتكبه ..كيف تنبذ لسنوات ويظل عقابك مستمر حتي بعدما ينتهي كل شي .. ويمر العمر دون ان تدري به ..فقط عبثية القدر من اهدرت حياتك ولم تمنحك سواء صنع الحلوة بطريقة مذهلة ..وفوق ذلك تصف لك طريق للامتنان بان الفرصة اتيحت لك لتتذوق جمال تلك الحلوة الغنية .
فتقول السيدة يوشي إحدى شخصيات الرواية المريضة بالجذام: (أيًّا كانت أحلامنا، سوف نعثر بالضرورة ذات يوم على ما كنا نبحث عنه بفضل الصوت الذي يقودنا، أنا على قناعة تامة بذلك، فالحياة ليست عبارة عن زي موحد) واستمرارًا لتجسيد الألم والنبذ تتحدث الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا اليكسييفيتش.
عن مأساة تشيرنوبل
وكيف حولت كارثة المفاعل حياتهم لرماد، ما بين تهجير من أراضيهم الصغيرة إلى فقد أحبة وأبناء إلى فقد حيواتهم بألم مبرح. الرواية سلسلة من اعترافات بعض الناجين لوقت قصير، تروي قصصهم وتؤرخها الكاتبة؛ حماية لتاريخهم من النسيان، فتقول: (أكتب عن المحنة ذاتها عن الآثار المفقودة لوجودنا على هذه الأرض وفي هذا الزمان، أكتب وأجمع الحكايات اليومية عن المشاعر والأفكار والكلمات).
فالكتابة هنا لا تؤرخ فقط وإنما تعلو بالروح الإنسانية المرهقة إلى مرتبة التخليد. فالكاتبة تخلد وجودهم المؤقت وتحفر بصمتهم في قلوبنا، فنحميهم من خطر النسيان ونشاركهم كارثتهم التي لن تشفى منها البشرية. ومن كارثة نشعر بوجودها الدائم حولنا لكارثة أخرى نعيش فيها ونتأقلم معها.
يصف الكاتب المغربي محمد شكري في روايته الخبز الحافي
التي في نفس الوقت سيرة ذاتية عما خاضه شكري في طفولته ومراهقته من فقر مدقع وحياة قاسية. يتحدث عن الفقر الجائع الذي يلتهمنا بلا رحمة، فالفقر ينزع منا أي فكرة حول جودة حياتنا، وهو لا يمنحنا فرصة سوى أن نحياها بقبحها، ونعتاد عليها دون أن نشكو، كحيوانات ليس لها أحقية الاختيار. ويخبرننا بمرارةٍ كيف تكون شكل حياتك عندما تسلك طريقك بين الفقر والعنف والتيه؟ كيف تُسرَق حياتك منك دون اختيار، دون ذرة رحمة؟
تروي الكاتبة التركية إليف شافاق
في حديثها البديع عن روايتها “عشر دقائق وثمانية وثلاثون ثانية في ذلك العالم الغريب” عن رؤيتها في رواية قصص المنسيين ومهمة الأدب في تخليد قصصهم المنسية، وتأكيد وجودهم برواية القصص عنهم بعدما طمسهم المجتمع والأهل. ففي مقبرة جماعية في قلب إسطنبول العاصمة التركية، يدفن كل من لا أهل لهم، كأطفال هجرتهم عائلتهم، وعجائز منسيين، ولاجئين ماتوا في قوارب لمحاولتهم للفوز بحياة، الجميع لا اسم له، فقط مجرد أرقام تطمس تاريخهم وهوايتهم .
فالأدب هنا قد يبدو محاولة خيالية لوهبهم قصصًا تؤكد مرورهم، ولكنها حتمًا محاولة ضرورية لتضفي واقعية على أصواتهم الخافتة البعيدة، فالأدب نافذة جديدة، مشاهدة مكثفة وعميقة في عمق ذواتنا الإنسانية، تجسيد لألمنا يجعلنا أكثر إنسانية وتعاطفًا مع الآخرين، فالأدباء ليسوا فقط حكَّائين مَهَرة ولكنهم مؤرخون -أيضا- لتاريخ المشاعر الإنسانية المعقدة، فهُم يجعلون قصصنا مخلدة ودائمة بدوام الإنسان على الأرض .
add تابِعني remove_red_eye 11,914
مقال حزين لكنه ملهم عن تجسيد المأساة والمعاناة في الأدب
link https://ziid.net/?p=59823