خمسة أمور تعلمتها من سيرة “بديع الزمان الهمذاني”   

بديع الزمان الهمذاني حتى لو لم تقرأ له فأنت تعرف بأنه الأديب الكاتب والشاعر، وهو الشهير بالمقامات التي خلدته في الأدب العربي، حياته حملت العديد من العوامل المساعدة على الإبداع وتحقيق الذات بدايةً من توفر الحاجات الأساسية إلى توفر المناخ الذي يخلق الإبداع من بيئة ومجتمع يزخر بالقدوات والمواهب في أكثر من مجال. ولقد وصفه الكاتب مارون عبود من لبنان في مقدمة كتابه الذي كان ترجمة عنه بقوله: “قريحة وقادة وبصيرة نفاذة وذخيرة من الأدب فياضة ألهمت صاحبها بآثار روائع فنُسب إلى فلتات الزمان وبدائع الدهر، كيف كان عصر الهمذاني وكيف كان هو في عصره استوقفتني خمسة أمور تعلمتها من حياة وسيرة الشاعر بديع الزمان الهمذاني:

اسمك بالمولد واسمك بالمجد

يسميك والداك وهذا ليس من عملك ولكن حين يأتي لك اسم هو نتاج لعمل عظيم قمت به فيصبح لك اسمًا فخري مرتبط بمجد وفقت بصناعته، وهذا ما حدث مع بديع الزمان فاسمه أحمد بن الحسين بن يحي ولقب ببديع الزمان فأصبح اسم الشهرة الذي عرف به.. ولد في عام 358هـ وتوفى في عام 395هـ أي رحل وهو في السابعة والثلاثين ولكنه عاش أكثر من ألف سنة بعمله ولا يزال.. أصله من بني تغلب وهي قبيلة عربية جدها الأكبر عدنان، وبحكم سكنه واستقراره في فارس أصبحت لديه ثقافة فارسية بالإضافة إلى العربية.. وكان أبرز معلميه العالم ابن فارس أبو الحسين الرازي وهو أمام في اللغة والأدب، ومؤرخ ومن أبرز مؤلفاته “الأمالي، وحلية الفقهاء”.. ولقد حظي الهمذاني بهذا المعلم.

الاكتفاء

الهمذاني استطاع أن يبدع ويكتب مقاماته بعد أن أصبح لديه ما يكفيه من المال وزيادة، فكان باله خالٍ من هم المعيشة ومن مخاوف مستقبلية تسيطر على الإنسان بأكثر من طريقة في محاولات شيطانية تضعف إيمانك بأن الله قد تكفل بأمر رزقك. والوصول لخلو البال قد يكون نتيجة لأمر محسوس مادي من أموال وممتلكات لديك أو أن يكون بصدق اليقين بالله فتعمل وتكافح وتبدع لأنك مطمئن بتوكلك على الرزاق.

حين تكون البيئة تربة خصبة

عاش الهمذاني في أرض منحته الفرصة وهي مدينة هراة من مدن خراسان -في الوقت المعاصر أفغانستان- وهي مدينة جميلة فيها البساتين والخضرة، والماء.. وكذلك العلماء، والوجهاء، والأثرياء وفي عصر ذهبي للشعر والأدب، فقد كان هنالك حينها تمجيد واحتفاء بالأدباء والشعراء.. والإنسان يتأثر بالمكان فكلما توفرت فيه عوامل الإبداع تمكن من خلق ابتكارات غير مسبوقة.

الأقران العظماء

في عصره كان المتنبي والخوارزمي والشريف الرضي والثعالبي والفارابي وابن سينا والأصفهاني والطبري والرازي … والكثير من الأدباء والعلماء العظماء فكانت فترة تاريخية متميزة عاش فيها تجعله محاط بالنجوم المحفزين على الإنتاج والانجاز وتقديم الأعمال العظيمة من رسائل وديوان شعر ومقامات.

المقامات.. إضافة فنية

المقامات أول من ألفها الهمذاني وقد كانت من إبداعه، والمقامات الأدبية عبارة عن قصص احتوت على الشعر والنثر وابطالها على شخصيات خيالية وعرف عن مقاماته الوصف البديع والدعابة، ويذكر المؤلف: “بأن خطة المقامات من عمل الهمذاني وهو الذي ألبسها هذا الطراز الموشى وعلى طريقه هذه التي شقها سارت عجلة الأدب ألف عام” وبها خلد ذكره في تاريخ الأدب العربي فأصبح علامة فارقة وهنا يكمن تحقيق الذات.. وحين تأتي بالجديد المبدع أنت في طريقك للخلود وللعيش في عمر ثانٍ أطول من عمرك… مثلما فعل الكثير من العلماء وأصحاب المواهب وكلما كان عملك نافعًا للبشرية يتسم بالحكمة وبالخيرية كنت قد أصبت الغاية من وجودك.

وأخيرًا الأعمال العظيمة تبقى ولكن عليك بالسعي مع الصبر فالتحديات كثيرة لم يسلم منها أحد فالهمذاني كان يعيش في بيئة تنافسية فلم تكن الساحة خالية بل كان عليه أن يجتهد وأن يبدع حتى يصبح بديع الزمان.. والمصاعب هي التي تقويك وتكون سببًا في انتصاراتك الكبيرة إلا أن ظاهرها صعاب وباطنها رحمة لتنمو بطريقة تليق بمستوى أعلى.. فتكون المثابرة هي سلاحك لاستكمال ما تبقى من الطريق.. من سيرة الهمذاني نرى بأن الاستمرار في تقوية موهبتك التي منحها الله -عز وجل- لك يجعل لديك استعداد لعمل عظيم تستحقه سيتجلى لك في يوما ما.. يظهر لك كجبل تكون من صغار الحجر أو كشمس تشرق في آخر الكهف.

إليك أيضًا

• بالدموع كتبت/ كيف تخلصت الكاتبات من القيود عبر الكتابة
• مجموعات قصصية تجعلك تفكر فيما وراء الكلمات  
• روايات عالمية تخبرنا كيف جسّد الأدب عناء المهمشين