سينما باراديزو والحنين الذي لا يغادرنا
بين جدران السينما تشكل السحر الأول، ثم تعلمنا الحب والجمال، وبالوقت، خلقت السينما في ظهورنا أجنحة، لنشبه الحمام.
add تابِعني remove_red_eye 11,914
الفن يا صديقي الفن، المنحة الأكثر جمال التي وهبها الله للبشرية. بموسيقي ساحرة أنصح بالاستماع إليها أثناء قراءتك للمقال، نبدأ في مشاهدة الفيلم الإيطالي Cinema Paradiso 1988، والذي كتبه وأخرجه بمشاهد غاية في البراعة، المخرج جوزيبي تورناتور .
ففي بعض الأحيان نظن أن الحياة واسعة لدرجة أنها تحوي الكثير، ولكن في نقطة مفصلية واحدة لا تُعدّ الحياة مثلما كانت، وهنا نتذوق جمالَها الحقيقي، وعندما يضيع منا هذا الجمال تصبح ضبابية سيئة، ومهمتنا أن نحشوها بالمعنى.
حياة بطعم الحلوى
يستعرض الفيلم في إطار من البساطة حياة الصبي العنيد، توتو، الذي أصبح مولعًا بالسينما منذ أن اعتاد على مشاهدة الأفلام خلسة بعد انتهاء كل قدّاس، كان يغالب توتو النوم فيه، كان قسّ الكنيسة يشاهد الأفلام التي من المفترض عرضها في السينما الكبيرة الموجودة في ساحة المدينة الصغيرة. ليقتطع منها كل مشاهد الحب والتي قد تثير الفتن في قلوب أهالي القرية السذج، فيسترق توتو النظر، ليرى النسخة الأولى من كل الأفلام، ويضحك في كل مرة يغضب فيها القس.
وبالوقت تنشأ بينه وبين الفريد -مشغل الأفلام في سينما بارديسو- صداقة قوية، تعتمد في أساسها على ولعه بالأفلام والسينما، يمرّ الوقت في رتابة وهدوء، مشتعلة أحيانًا كثير في أيام الصيف بالأفلام المقصوصة، كما يرغب قسّ الكنيسة.
الحب كجسر إلى العالم
يكبر توتو ويجرب الحب لأول مرة، ثم تصبح الحياة غنية ومليئة بالألوان المبهجة، يصبح لها معنى أكبر من ولعه بالسينما، ثم يتلاشى الحب ويختفي كتلاشي حرارة الصيف في سبتمبر، ويصل توتو إلى مفترق الطريق. يسير الفيلم في إطار أن الحياة مجرد محطات مختلفة، وأننا نتجاوز وننسى، ونبدأ دائمًا من جديد. ولكن هل هي حقًّا كذلك؟
أخبرتني صديقة ذات مرة أن العلاقات الحقيقة لا تنتهي، هي تستمر إلى الأبد، حتى وإن لم يعد أطرافها يلتقون، العلاقات المزيفة والفارغة هي فقط التي تنتهي. وهذا ما تمثل في علاقة توتو والفريدو، والتي استمرت حتى بعد سفر توتو وهجرانه لأسرته ومدينته الصغيرة. فنشأت علاقة تشبه الأبوة بين توتو والفريد، ولكن في إطار من الصداقة الرحبة، فتوتو الصغير فقَدَ أباه في الحرب منذ أن كان صغيرًا، وبالمقابل كان الفريدو مَن علمه العمل في عرض الأفلام وكيفية تشغيل الآلات والحرص عليها. ثم تجاوزت علاقتهم علاقة العمل ليكون الفريدو قنديل توتو الشاب التائه في مقتبل العمر.
الحياة بين تحقيق الذات و دفنها
تتضارب الأقوال ما بين ضرورة تحقيق الذات من خلال العمل الجاد والمستمر، وما بين الخمول وتحقيق الذات من خلال بناء علاقات اجتماعية سليمة، تحقق لك الامتلاء الذاتي. أما توتو الشاب فقد سلك الطريق الأول، السعي من أجل بناء ذاته، من خلال العمل والتعلم، وبرغم أن توتو الشاب التائه في مقتبل العمر، هجر مدينته، بناء على نصيحة الفريدو، الذي رغب بمستقبل لتوتو يخالف مستقبله في سينما بارديسو، والتي جعلته وحيدًا أغلب الوقت، يشاهد الأفلام مئات المرات. إلا أن الحنين مازال يسكن توتو وكأنه لم يغادر أبدًا، فذكريات الماضي تتجول أمام عينه وكأنها حدثت البارحة.
هل العمل أمر سيئ؟
يخيل لي دائمًا أن أساس حضارتنا الإنسانية هي الحركة، الرغبة في الاكتشاف والتعلم، ثم تطورت المفاهيم لتصبح لها وقع رنان، ولكن في حقيقة الأمر تحقيق الذات لا يتعارض مع الحياة والحب، كما يزعم الكثيرون، بل إن تحقيق الذات يختلف على حسب رؤيتنا لذوات ورغبتنا وأولويتنا.
ما فعله توتو أنه أفنى نفسه في عمله دون أن يغادره الحنين إلى وطنه وأصدقائه وحبه الأول. فما إن رجع إلى مدينته الصغيرة حتى احتشدت حوله الذكريات الساحرة حول سينما بارديسو وأيامه مع الفريدو، ومغامراته الأولى في الحب وصناعة الأفلام.
الفيلم لطيف للغاية، ومليء بالكادرات السينمائية الرائعة، فأرشح أن تستمتع إليه وحيدًا أو برفقة من تحب، لتنعم بجوّ مختلف من الجمال الإيطالي البسيط.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 11,914
رؤية مختلفة وفاحصة للفيلم الإيطالي cinema paradiso 1988
link https://ziid.net/?p=68842