آن…عندما ينقذك الخيال من الواقع المؤلم
آن؛ تلك الفتاة الصغيرة صاحبة الشعر الأحمر والتي لا تصمت أبدًا مهما كانت الأحداث، والتي تعلمنا الصبر وكيف يصبح الخيال منقذًا
add تابِعني remove_red_eye 21,514
في ثلاثة أجزاءٍ يُحول مسلسل (Anne with E) الرواية الشهيرة “آن المرتفعات الخضراء” لعمل درامي بالغٍ في السلاسة والعذوبة. تعود الرواية المكونة من ثمانية أجزاء لكاتبتها الكندية لوسي مود مونتغمري، وتعتبر من كلاسيكيات الأدب العالمي، حولت إلى أفلام سينمائية ومسرحيات وحتى إلى سلسلة رسوم متحركة. حيثُ تتناول الكاتبة قصة الطفلة “آن” اليتيمة التي تعيش في الملجأ وتتعرض لمعاملةٍ قاسية، وتعنيف نفسي وجسدي وتذهب إلى الخدمة في البيوت، حياةٌ مليئة بالآلام والصدمات.
في المسلسل الذي عرضته CBC الكندية في 2017 ثم عُرض عالميًّا على شبكةِ نتفلكس في 2019، يتابعُ المشاهدُ هذه الطفلة التي تهربُ من واقعها المؤلم بالخيال، تبني بيوتًا وتشيدُ عوالم عبر الكلمات، في خيالٍ خصبٍ يحميها من قسوة الوجودِ.
يبدأ العمل بوصولِ “آن” إلى الأخوين كاثبرت (ماريلا وماثيو) حيث يُرسلها الملجأ الذي كانت فيه خطأ، بينما يبحث الأخوان عن مراهقٍ يساعدهما في المنزلِ وأعمال الزراعة والاسطبل تصلُ “آن” لتغير عالمهما، بل عالم القريةِ التي ستنتمي إليها، قبلَ هذا كلهِ فآن ستظهر فقط كفتاة ثرثارة ومزعجة، ترفضها ماريلا، لتعودَ وترحب بها بعد أن رقّ قلبها.
حياةٌ أليمة ولكن
رغمَ أن المسلسل لم يتناول قصة آن قبل وصولها إلى جزيرة الأمير ادوارد، ولم يصورُ بشكلٍ دقيق كلما تعرضت له على يدِ العوائل التي خدمتهم، لكنه يعودُ بطريقةِ الفلاش باك ليقدم للمشاهدِ نظرةً على التنمر، التعنيف والمعاملة السيئة التي تعرضت لها آن في ملجأ الأيتام وكيف كانت تدفنُ كل ذلك بغرقها الكامل في قراءةِ الكتب، وتعويضِ عالمها الكئيب والقاسي إلى عالمٍ من الحكايات والمعاني تهرب إليه متى أرادت الخروج من العالمِ المفروضِ عليها، ورغمَ ذلك كانت تتعرض إلى السخرية والتنمر بل حتى إلى تمزيق كتبها وتعاني بدل الألم ألمين.
حكاية آن والمرتفعاتِ الخضراء
تعود الرواية إلى نهاياتِ القرن التاسعِ عشر، في مكانٍ ريفي يمنح المشاهد متعة بصرية خالصة، مناظر خضراء غاية في العذوبة، تحمل له كل السلام الداخلي. تحظى آن بعائلةٍ صغيرة هي ماريللا وماثيو ويبدآن في تقبلها وتقبلِ تصرفاتها وحتى خيالها الخصب وحكاياتها التي لا تنتهي، تكون صداقاتٍ مع بناتِ القريةِ، وإن لم يكن ذلك سهلًا وكثيرًا ما كان يعود عليها بالرفضِ، التنمر، التحيز وحتى النبذ.
يُعالج العمل قيما وقضايا كثيرة ورغم أنه يعود إلى وقتٍ بعيدٍ إلا أن القضايا الإنسانية ما زالت قائمةً، الرفض، التنمر، التحيز، التمييز بين الجنسين والقضايا النسوية من حق التعليم والعمل، وحتى تقبل الآخر المختلف. لقد عولج العمل من طرف مويرا ووالي بيكيت، وتم إضافة بعض القصص التي لم تظهر في الرواية الأصلية.
الخيال كمنقذٍ
ما يبدو جليًّا في العمل هو الشخصية المرحة والمنفتحة على الحياة التي خرجت من آن رغم القساوة التي قوبلت بها في العالم منذ لحظة ولادتها، الابتسامة الدائمة رغم الآلام التي مرت بها، تقبل الآخر ومساعدته بما تستطيع رغم النبذ والرفض الذي عوملت به معظمَ الأوقات، طريقة الحياة التي صنعتها من خلالِ مقابلة كل هذا بتشييد عالمٍ داخلي شاعري ومليء بالأحاسيس وهي الطفلة التي جرحت أحاسيسها مبكرًا، كل ذلك كان سليل الكتب.
الكتب وحدها ككهفٍ وجدته متوفرًا فحولته إلى قصرٍ، فهي ترد على الكثير ممن حولها باقتباساتٍ من الكتب التي قرأت، تعمد إلى تأليف قصصٍ من خيالها كمهرب مما تواجهه، تبكي في اللحظات التي تشعر فيها أنها مرفوضة وغير مقبولة، وتفرح بعقودِ الصداقات والمحبة، وحتى بإعلانها متبناةٍ من طرفِ الأخوين كاثبرت.
لقد استطاعت الممثلة التي أدت الدور خاصةً بالشعرِ الأحمر والنمش، الخفة البالغة والملامح المعبرة بامتياز أن تصنع شخصيةً حقيقية لآن، كما استطاع الممثلون من أولِ العملِ إلى آخرهِ أن يصلوا بصدقٍ عالٍ كل مشهدٍ من العمل، خاصةً والملابس التي تميزت بها تلك الحقبة الزمنية، والطبيعة الخضراء، بحقولها الواسعة، أشجارها، والسماء الصافية. كل هذا استطاع من خلاله الفريق تقديم عملٍ رائقٍ ومميزٍ.
بعيدٍ عن الأكشن وقصص السوبر هيرو، والأساطير والفنتازيا التي أصبحت الأعمال العالمية تميل لها، بمشاهد عنفٍ بالغٍ، وحبكاتٍ معقدة وخارج الصندوق. هذا عمل بسيط وواضح، سلس وعذبٌ حتى النهاية، بمشاعرَ عميقة ودافئة، إنسانية يعيشها كل شخصٍ على الأرض. عملٌ لا يحملُ تشويقًا بالغًا لكنه يأخذ بيدكَ من حلقةٍ إلى أخرى بإرادتك التامة كمنقذٍ لك أيضًا مما يحدث في العالم.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 21,514
حكاية آن المرتفعات الخضراء، الرواية التي حولت إلى رسومٍ وأفلام ومسلسل أيضًا. تعرف معنا عليها
link https://ziid.net/?p=86626