تحليل لجميع الجوانب المتعلقة لحبكة وتيمة فيلم الميكانيكي
الدراما والسينما من أمتع الأمور التي يمكن أن تهديها لنا التكنولوجيا، خاصة مع تلك الأوقات التي نقضيها في المنزل
add تابِعني remove_red_eye 4,034
من الوهلة الأولى لا يبدو لنا فيلم “الميكانيكي-The Machinist” سوى قصة عن شخص يعاني من الأرق، وبعد سلسلة من الأحداث المثيرة بدأ الشك يتخلل الفيلم، وبدأ الجميع، بما في ذلك نفسه، يشكون في سلامة عقله، ولكن مع استمرار مشاهدة الفيلم، تثار العديد من الشكوك الأخرى. أولًا: لماذا تحدُث تلك الأشياء التي تحدث لتريفور (كريستيان بايل)، سواء في الواقع أو في ذهنه، في الحقيقة؟ ثانيًا: لماذا يبدو تريفور مريضًا وشديد الهشاشة، ولماذا لم يتمكن من النوم لمدة عام؟ الإجابة على كل تلك الأسئلة، كما ندرك في النهاية، تكمن في الماضي؛ لأن هذه ليست مجرد قصة عن الجنون والعقلانية، إنها قصة أعمق بكثير من ذلك، قصة عن الجريمة والذنب والخلاص.
تريفور يمكنه بسهولة أن يكون موضوع دراسة حالة في علم النفس، بسبب العمق والشخصية اللذين قدمهما بايل له. إنه رجل يمزقه ذنب دهسهِ طفلًا عن غير قصدٍ، وهذا الذنب هو الذي ما فتئ يوخز ضميره إلى درجة أنه لم يستطع حتى أن ينام بسلام لأكثر من سنة.
وإليكم ما حدث بالفعل: قبل سنة من وقوع تلك الأحداث في القصة، فيما كان تريفور يحاول إشعال سيجارته وسيارته تتحرك، أبعد عينيه عن الطريق، مما تسبب في وفاة مأساوية لصبي صغير، وسرعان ما انطلق تريفور من مكان الحادث وحطّم سيارته. ورغم أنه أفلت من العقاب بموجب القانون، إلا أنه لم يستطع الهروب من ضميره، فَقَدَ قدرته على النوم منذ ذلك الحين وبدأ يضعف أكثر فأكثر. ومنذ عرض الأحداث في الفيلم، يظهر لنا تريفور واهنًا ونحيفًا إلى الحد الذي جعله يبدو هزيلًا للغاية.
هل كان تريفور يعمل دائمًا كعامل في مصنع؟
قبل وقوع الحادث الذي غيّر حياة تريفور، كان تريفور يعمل في نفس المصنع ولكن كما يتضح من صورته مع رينولدز وأيضًا من المحادثة بينه وبين العُمال في المشاهد الأولية للفيلم، أنه كان أكتر انفتاحًا وحماسةً للتواصل الاجتماعي. لكنه بعد ذلك الحادث المأساوي أصبح هادئًا ومنعزلًا. كما تدهورت علاقته مع رينولدز بشكل واضح، إذ نادرًا ما انغمسا في أية محادثة مثمرة خلال الفيلم.
من هو إيفان؟
كان تريفور قد نسي الحادثة عن وعي، لكن ضميره كان لا يزال منزعجًا بسبب ما حدث قبل سنة. إيفان كان تجلٍّ له ولماضيه القبيح. لقد كان يقود نفس السيارة التي دمرها (تريفور) بعد الحادث. وكان مظهره الغريب والمثير للاشمئزاز رمزًا إلى الخطيئة التي ارتكبها تريفور. ووجوده يسعى لتذكير (تريفور) بمن يكون فعلاً “قاتلًا“. وفي النهاية، حين يسلم تريفور نفسه، نرى إيفان يبتسم، الأمر الذي يدل على أنه حقق هدفه الحقيقي. وتمكن تريفور أخيرًا من النوم في سلام، من دون وجوده الذي يطارده ويزعجه.
ماري ونيكولاس
ماري ونيكولاس كانا أيضًا من نسج خيال تريفور، اختلقهما خياله ليخفف من شعوره بالذنب. ففي الواقع، كان نيكولاس الولد الذي قُتل في الحادث وماري هي أمه. كان تطوير علاقة قائمة على الحب والود مع كليهما طريقته في تخفيف عبء الذنب وكذلك إثبات لنفسه وضميره أنه شخص أفضل بكثير مما تبين بالفعل.
نقطة أخرى يجب ملاحظتها وهي حقيقة أن الوقت الذي كانت تُظهره الساعة خلال جميع لقاءاتهم هو 1:30، والذي هو أيضًا نفس التوقيت الذي وقع فيه الحادث. بالإضافة الى ذلك، كانت حديقة الملاهي مكانًا سبق أن زاره تريفور مع أمه. ما يثبته هذا هو أن كل لقاء مع (ماري) وابنها كان حلمًا بالتفاصيل التي قام بها (تريفور) باستخدام ذكرياته. ومن الأسباب الأخرى التي أدت إلى تفاقم شعوره بالذنب الشديد ذكرياته مع أمه الراحلة، وإدراكه أنه كان مسؤولًا عن كسر علاقة عزيزة بنفس القدر بين ماري ونيكولاس.
طريق ٦٦٦
نرى داخل بيت الرعب تفاصيل جريمة تريفور السابقة ونمط حياته الحالي القذر. في بداية الطريق نرى على ما يبدو أنه حُطام حادث سيارة ولافتة مكتوب عليها طريق (666) وتُمثل تلك اللافتة الميدالية التي كانت معلقة في سيارة تريفور عند وقوع الحادث. ثم نرى النادلة التي تعمل في مقهى في وقت متأخر من الليل والتي يتبين لنا فيما بعد أنها مجرد وهم من وحي خيال تريفور لوالدة نيكولاس.
ثم نرى اليد المقطوعة التي تمثل يد ميلر التي فقدها في حادث الماكينة. وبعد ذلك نرى أُمًّا حزينة بجانب قبر ابنها الذي فقدته في حادث. ثم نرى مكتب الشرطة ومن الواضح أنه علامة على أن تريفور لم يسلم نفسه وأنه في الواقع يهرب من الشرطة. والفندق المزين بعلامة النيون يمثل العاهرة التي يزورها تريفور كل مساء، ثم نرى طفلًا يخطو الطريق، وتضرب السيارة الطفل بعدها نرى حطام سيارة وما يبدو أنه جثة صبي صغير.
كان التجول في طريق (٦٦٦) هو رحلة أخرى في نفسية تريفور المضطربة، فالصور البشعة التي رآها كانت تمثل شعوره الشديد بالذنب وحالة العذاب المسيطرة علي عقله. في حلمه ، كان نيكولاس يقود العَربة ، ولكن في الواقع ، كان ضميره هو الذي يقود هذه الجولة ، وربما كان هذا هو السبب في أنها اتخذت منعطفًا نحو الطريق السريع إلى الجحيم عندما كان هناك خيار الذهاب نحو الطريق إلى الخلاص. حيث وجد أنه من المستحيل أن يسامح نفسه على ما فعله.
الثلاجة
ركّز الفيلم أيضًا بشكل خاص على الثلاجة، كل ورق الملاحظات الذي كانت تُلعب فيه لعبة المشنقة الصغيرة (هانجمان) مُعلق علي الثلاجة، وعلى الرغم من أنه يُفهم في البداية أن هذه الملاحظات يضعها شخص مجهول هناك، فإنه يتضح في النهاية أن تريفور نفسه هو الذي وضع هذه الملاحظات، ربما عن غير وعي، ولكنه كان مدفوعًا بذنبه إلى إلصاق تلك الملاحظات التي تصفه في النهاية بأنه “قاتل”.
المُبيّض
تسبّب ذنب تريفور في خلق صراع هائل في عقله وسبّب مشاكل نفسية له مثل الوسواس القهري (وسواس النظافة القهري) فعندما ينظف تريفور يديه، يُفضل غسلها بالمُبيّض، والسبب في ذلك هو أن عقل تريفور معبأ بالذنب ويريد أن ينظفه. والتنظيف هو أحد جداول أعماله الرئيسية، وكلما كان في حالة توتر أو يشعر بالقلق أو الذنب، فإنه يظل ينظف يديه وبلاط الحمام بمُبيّض لأن هذه بعض الأشياء التي يمكنه تنظيفها.
وقد شوهد مرات عديدة وهو ينظف يديه بالمُبيّض كلما شعر بالذنب. فعلى سبيل المثال، فَعل ذلك بعد أن فقد صديقه ميلر ذراعه بسبب خطئه وعندما فقد وظيفته وبعدما قتل إيفان، إلخ. والحيلة الدفاعية التي يستخدمها هنا هي الاستعاضة حيث أنه يقضي على طاقته السلبية بفعل شيء مماثل ألا وهو التنظيف.
فيلم “The Machinist” عبارة عن قصة مُوتِّرة لا هوادة فيها عن الجريمة والخلاص، وتبعث في نفوس المشاهد شعورًا بالخوف والتشاؤم، ليس عن طريق دماء غير ضرورية وإثارة رخيصة، بل عن طريق جو مظلم لا يبهج، تسانده بعض أعمال التصوير الذكية. هذا الفيلم مصنوع بإتقان بالرغم من أنه ليس معقدًا كما يظهر في البداية.
إليك أيضًا
add تابِعني remove_red_eye 4,034
لماذا يبدو تريفور مريضا وشديد الهشاشة، ولماذا لم يتمكن من النوم لمدة عام؟ ملخص فيلم the machinist
link https://ziid.net/?p=61779